قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن المنظمة الإقليمية التي يتولى أمانتها هي حقيقة ثقافية قبل أن تكون رابطة سياسية وهي عنوان على وحدة الشعور والوعي بين الشعوب قبل أن تكون تجسيداً لطموحات العمل المشترك على مستوى السياسة أو الاقتصاد.
وأضاف، في كلمته في افتتاح قمة اللغة العربية، أن أول اتفاقية أُبرمت تحت مظلة جامعة الدول العربية مباشرة بعد تأسيسها هي المعاهدة الثقافية بتاريخ 27 نوفمبر 1945، وهي اتفاقية اهتمت بشأن اللغة العربية إذ تضمنت في مواضع عدة من موادها موضوعات تتعلق بالترجمة وسن التشريعات وتوحيد المصطلحات العلمية بواسطة المجامع اللغوية والارتقاء باللغة العربية وجعلها لغة الدراسة في جميع المواد وكل المراحل الدراسية، وشكلت هذه الاتفاقية النواة الأولى لإطلاق مسار تعاوني عربي يُعنى بتعزيز اللغة العربية ودعمها، حيث انطلقت البعثات الدراسية لتعليم العربية بين الأجيال الجديدة من أبناء الدول العربية وصدرت على إثرها توصيات عديدة من جامعة الدول العربية لدعم مكانة اللغة وحث المجموعات العربية داخل المنظمات الأممية والإقليمية لدفع هذه المنظمات إلى الاعتراف بالعربية بها لغة رسمية ولغة عمل، حتى تكللت هذه الجهود باعتمادها سنة 1973 كلغة رسمية سادسة في الأمم المتحدة، بما ينطوي عليه ذلك من رمزية استعادة العربية لمكانتها بين اللغات الحية في عالم اليوم.
واستطرد أبو الغيط أن اللغة العربية هي الركن الأهم في وحدة هذه الأمة هي نواة ثقافتها الأصيلة ومحل هويتها الفريدة وهي أيضاً عنوان امتدادها عبر الزمن وحلقة الوصل بين ماضيها وحاضرها والناقل للحمولة الحضارية الثرية التي تتميز بها الثقافة العربية، أدباً وفناً، شعراً ونثراً، علماً وفكراً، وهي فوق ذلك، وقبله وبعده، جوهر عالمنا الروحي والوجداني فالعربية هي لغة القرآن اللغة التي تنزلت بها كلمات الله منذ أربعة عشر قرناً ونقرأ بها الكتاب العزيز إلى يومنا هذا وهي حالةٌ نادرة بين الأديان المختلفة والنظم العقائدية عبر العالم، وكانت عاملاً مهماً وراء ما تمتعت به لغة الضاد من بقاء واستمرارية عبر القرون الطوال.
واعتبر الأمين العام أن اللغة العربية بفضل جذورها الضاربة في عمق التاريخ جمع كافة الثقافات التي انفتحت عليها في حضارة واحدة عالمية البعد وإنسانية الرؤية، حيث أثّرت وتأثرت وأعطت وتلقت وأثرت الثقافات الأخرى كما أفادت منها، ويزخر تاريخ اللغة العربية بالشواهد التي تبين الصلات الكثيرة التي جمعتها بغيرها من اللغات، عطاء وأخذاً.
وأضاف الأمين العام أن مستقبل اللغة العربية وثيق الصلة بمستقبل أمتنا على نحوٍ قد لا يدركه الكثيرون، فواقع الحال أن اللغة العربية لا تنحسر وإنما يزداد عدد المتكلمين بها ومن يقبلون على تعلمها لأسباب دينية واقتصادية وثقافية، وتشير التقديرات إلى أن عدد الناطقين بها في عام 2050 سوف يُصبح 647 مليوناً.. أي أن لغتنا لا تموت بل تنمو وتكتسب كل يوم ناطقين جدداً.
وأوضح أن اللغة العربية ليست قاصرة أو عصية على التكيف مع منجزات العلم أو مفردات التكنولوجيا الجديدة، بل هي كما نعرف جميعاً، لغة غنية في اشتقاقاتها، ثرية وطيعة في إمكاناتها وتراكيبها،وتقع على عاتقنا جميعاً، حكوماتٍ ومؤسسات ثقافية وتعليمية، مسئولية صياغة سياساتٍ واستراتيجيات تسد الفجوة الخطيرة بين اللغة العربية وعصر التكنولوجيا.. وبحيث تصير لغة صالحة لتلقي العلم في كافة المجالات، سواء في العلوم أو الإنسانيات، وفي أعلى المستويات الأكاديمية.. وهو أمرٌ ممكن، بل وضروري من أجل المستقبل، ولا يعني أبداً أن نقصر في تعلم اللغات الأجنبية، فكلا الجهدين مطلوب من أجل تكوين مجتمع المعرفة الذي ننشده، والذي يُطلق الطاقات الوطنية على أفضل نحو ممكن.
وأشار إلى إلى مشروع "النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة"، الذي اعتمدته القمة العشرون في الرياض عام 2009 بعد أن تم اقتراحه في قمة دمشق 2008"، معتبرا أن اللغة كائن حي، ينمو ويتطور، وتستمد اللغة قوتها وحيويتها من مدى حرص أبنائهم عليها واعتنائهم بها، وقد أعطتنا لغتنا الكثير، أعطتنا الثقافة والحضارة ومنحتنا الثقة في أنفسنا وفي منجزنا الإنساني، وواجبنا ومسئوليتنا جميعاً ألا نُقصر في حقها، وأن نمنحها إمكانيات التكيف مع المستقبل، لأن مستقبلنا لن ترسمه سوى حروفها البديعة وموسيقاها الأثيرة في القلب والوجدان.