أعادت التفجيرات الإنتحارية الـ3 التى وقعت فى السعودية، مساء الاثنين، أحدها في موقف سيارات قوات الطوارئ قرب الحرم النبوى من الجهة الجنوبية، على يد عمر عبد الهادي عمر العتيبي، (18 عاما)، ضمن قائمة الإرهابيين المطلوبين في السعودية، والذى فجر نفسه بعد فشله في الدخول للمسجد من البوابة الشرقية ذكرى احتلال الحرم المكى .
حادثة الحرم المكي بدأت أحداثها فجر يوم 20 نوفمبر 1979، حين استولى أكثر من 200 مسلح على الحرم المكي، مدعين ظهور المهدي المنتظر، وذلك إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز.
ترصد "انفراد" وقائع ذلك العمل الإرهابى، الذى وقع على يد جهيمان بن محمد بن سيف العتيبي (قائد المجموعة التي اقتحمت الحرم) الذى عمل موظفًا بالحرس الوطني السعودي عدة سنوات، وهناك التقى محمدَ بن عبد الله القحطاني، أحد تلامذة الشيخ عبد العزيز بن باز، وتَوَافَقَا فكريًّا في العديد من الرؤى، قبل أن يُقررا معًا اعتزال المجتمع ورفضه باعتبار أنه "مجتمع كافر".
نشر "جهيمان" و"القحطاني" أفكارهما بين عدد من الشبان، وهي الأفكار التي لاقت صدى كبيرًا لدى البعض، حتى تحول أتباعه إلى جماعة ما لبثت أن تنامت وكبرت، وبات أفرادها يُعدون بالآلاف، وخلال تلك الفترة، تزوج "القحطاني" من شقيقة "جهيمان" مما زاد من أواصر التقارب بينهما.
قبل انطلاق أذان فجر غرة القرن الهجري الجديد 1400، وعبر منافذ مخصصة لدخول الشاحنات؛ تمكن بعض رجال جهيمان من إدخال شاحنتين محملتين بالتمر والماء والذخيرة إلى الحرم المكي، وعقب انطلاق أذان الفجر تمكن قرابة مائتي شخص من الدخول إلى الحرم الشريف، حاملين عددًا من النعوش للصلاة على أصحابها، بيد أنها كانت نعوشًا من نوع آخر، لا تحمل جثامين موتى، وإنما تحمل أسلحة وذخيرة بهدف احتلال الحرم المكي الشريف.
وبعد الصلاة مباشرة علت أصوات بعض المصلين، وبدت حركةٌ مريبة في كافة أنحاء المسجد، قبل أن يتقدم شاب ذو ملامح حادة متجهمة، ليستولي على "الميكروفون" المخصص للإمام، حيث وجه نداءً إلى جموع المصلين، طالبهم فيه بالجلوس، والاستماع لبيان هام، وسط حالة من الاضطراب التي سادت أرجاء البيت الحرام .
في تلك الأثناء، تسرب بعض أتباع "جهيمان" حاملين أسلحة "قناصة" إلى مآذن الحرم، فيما تكتل آخرون أمام الأبواب لمنع خروج المصلين، وإجبار الجميع على الاستماع للخطبة المرتقبة، حينها حاول أحد أفراد الجماعة المسلحة إغلاق باب للحرم يقع في الجهة الجنوبية، فاشتبك مع أحد حراس المكان الذي حاول منعه، فانطلقت رصاصة من سلاحه صوب حلقة معدنية في الباب، فارتدت على الرجل المسلح وأردته قتيلا.
تحدث أحد رجال الجماعة ويدعى "خالد اليامي" بصوت غريب على آذان زوار البيت العتيق، عن "المهدي المنتظر" وعلاماته وأهدافه وكيفية مبايعته، ساردًا بعض الأحاديث التي تصف "المهدي" وتتحدث عن علامات ظهوره، قبل أن يصل في خطبته إلى مراده قائلا: "فاعلموا أيها المسلمون، أنه انطبقت هذه الصفات كلها على هذا المهدي الذي سوف تبايعون بعد لحظات بين الركن والمقام"، معلنًا أن "المهدي" موجود الآن داخل صحن الحرم لتلقي البيعة.
وجد بعض المصلين أنفسهم مجبرين على التقدم لمبايعة "المهدي المزعوم"، إلا أن آخرين رفضوا الانصياع، وحاولوا التحدث إلى رجال "جهيمان" ومناقشتهم في دعواهم، فعلت الأصوات وعمت الفوضى، وفور أن اكتشفت السلطات أن ما يحدث بالحرم هو حدث جلل غير اعتيادي، وجه وزير الداخلية الر احل الأمير نايف بن عبد العزيز بمحاصرة الحرم المكي مع التزام الهدوء وعدم مواجهة المسلحين منعًا لإراقة الدماء، فنفذت القوات توجيه الأمير بمشاركة رجال الجيش السعودي، وفرضوا سيطرتهم على المكان تمهيدًا لبدء التفاوض مع "جهيمان" ورجاله حقنًا للدماء في بيت الله الحرام.
فى ذلك الوقت، شاهدت جماعة "جهيمان" القوات السعودية وهي تحاصر الحرم، بادرتهم بإطلاق الرصاص من مآذن الحرم الشريف، معتقدة أنهم يمنعون الحجاج من التوافد لمبايعة "المهدي"، لتبدأ المواجهة المسلحة بين أروقة البيت العتيق في مشهد توقف أمامه التاريخ طويلا.
وصلت قوات الحرس الوطني إلى الحرم المكي قادمة من جدة والطائف واتخذت أماكنها بجوار قوات الجيش استعدادًا لتنفيذ الاقتحام وتحرير البيت العتيق، مستخدمة في ذلك مصفحات من نوع m113 مزودة برشاش عيار 30.
كان أول من أشارت أصابع الاتهام بوقوفهما وراء هذا الحادث على طرفي نقيض، أولهما شيعة إيران، وثانيهما الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما دفع الجانبان للنفي رسميًّا أي علاقة لهما بالواقعة.
أصدر وزير الداخلية حينها الأمير نايف بن عبد العزيز أول بيان رسمي بشأن الواقعة، معلنًا اتخاذ كافة التدابير للسيطرة على الموقف، وحماية أرواح المسلمين المتواجدين بالمسجد الحرام، وجدت القوات السعودية صعوبة في تحرير الحرم مع الحفاظ في الوقت ذاته على أرواح الرهائن داخله، خاصة أن جماعة "جهيمان" كانت تجبر الرهائن على التجمع داخل صحن الحرم ليكونوا في مرمى القناصة، فحاولت القوات السعودية تنظيم عملية "إسقاط مظلي" لعدد من الجنود، إلا أن التجربة لم تنجح في فك الحصار، حيث تمكنت جماعة "جهيمان" من قنص المظليين وقتل عدد كبير منهم.
في اليوم الثالث للحصار كان محمد بن عبد الله القحطاني بين رجاله، يحاول إقناعهم بأنه "مخلد" ولن تتمكن القوات السعودية من قتله، فكان يعيد إلقاء القنابل التي تسقط عليهم باتجاه القوات وهو ينادي "أنا المهدي يا أعداء الله"، وفي إحدى المرات انفجرت قنبلة بين يديه، ولم يتمكن الرجال من إنقاذه، فتركوه وفروا هاربين دون أن يستوثقوا مما إذا كان توفي أم أصيب على إثرها فقط، لتسحب القوات جثمان "القحطاني" خارج الحرم، دون أن تدري أنه "المهدي المزعوم".
وبعد يومين، وصل إلى الرياض كلٌّ من الشيخ جابر الأحمد أمير الكويت، والشيخ عيسى بن سلمان أمير البحرين، للاطلاع على الموقف، وإجراء محادثات مع الملك خالد بن عبد العزيز.
تمكنت القوات السعودية من تضييق الخناق على كل المسلحين المتبقين على قيد الحياة، وأجبرتهم على الاستسلام فجر يوم 15 محرم 1400هـ، وآخر من ألقي القبض عليه كان "جهيمان" الذي ظل مختبئًا في أحد الأقبية.
عقب صلاة ظهر يوم 16 من محرم، توصلت القوات السعودية إلى المكان الذي يختبئ فيه قائد المجموعة "جهيمان العتيبي" حيث عثر عليه في موقع منعزل كان يتخذه مع مساعديه كمقر لإدارة عملية الحصار.
وفي صبيحة يوم الأربعاء 19 صفر، تم تنفيذ حكم الإعدام حدًّا بالسيف على رؤوس من تمت إدانته في هذه الواقعة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، حسب أحكام القضاء الشرعي، حيث تم إعدام 61 مدانًا وسجن 19 آخرين.