أكد وزير التربية التونسى فتحى السلاوتى، أن علاقات التعاون مع مصر فى قطاع التعليم "مميزة"، وتشهد تطورا متلاحقا من منطلق العلاقات الوثيقة التى تربط بين البلدين والشعبين الشقيقين على كافة المستويات.
وأشاد الوزير - فى حوار وكالة أنباء الشرق الأوسط لتونس - بتجربة التعليم فى مصر خلال السنوات الماضية، ووصفها بأنها "تجربة رائدة ومتميزة للغاية" لكونها تستهدف بناء الشخصية المبدعة والمبتكرة، مضيفا أن تونس تسير في نفس المسار.
وأضاف السلاوتي أن وفدا تونسيا قام مؤخرا بزيارة إلى القاهرة للاطلاع على التجربة المصرية فى التعليم، وخاصة ما يتعلق بالسنوات الأولى من المرحلة الابتدائية، والتى تعتمد على تطوير مهارات الطلاب عبر مجموعة من الأنشطة بعيدا عن ضغط الامتحانات، وفتح المجال أمامهم في هذه المرحلة العمرية لاكتشاف مهاراتهم وتطويرها، معتبرا أن هذه التجربة تعد من أنجح التجارب على مستوى العالم.
وعن الخطوات التى اتخذتها الحكومة التونسية لإنشاء المجلس الأعلى للتربية وأبرز مهامه، قال الوزير "بدأنا التفكير منذ فترة في إنشاء المجلس الأعلى للتربية بمبادرة من رئيس الجمهورية قيس سعيد، وتم تكليف وزارة التربية بإعداد تصور عن المجلس، وعقب الانتهاء من وضع هذا التصور تمت مناقشته مع عدد من الجهات المعنية بالتعليم سواء ما قبل المدرسي أو المدرسي أو التعليم العالي، وكذلك مع وزارة التشغيل والتدريب المهني ووزارة الأسرة والمرأة والطفولة، ليمر المشروع بعد ذلك في نسخته قبل الأخيرة إلى رئاسة الحكومة".
وأوضح السلاوتي أن المجلس الأعلى للتربية سيتولى عملية التنسيق والتكامل بين كافة الوزارات المعنية بالتربية والتعليم والأسرة والتدريب في تونس، وهو ما لم يكن موجودا من قبل بالقدر المطلوب، وبالتالي جاءت الفكرة في إنشاء هذا الكيان لتحقيق التماهي بين مختلف هذه السياسات، والتنسيق بين الوزارات من أجل إيجاد حالة من التناغم بين الخيارات الاستراتيجية لكل وزارة.
وأشار إلى أن تشكيل المجلس الأعلى للتربية يسير في خطواته الأخيرة، ومن المقرر مناقشة مشروع المرسوم الخاص بإنشائه في مجلس الوزراء مطلع العام المقبل، والإعلان عن تشكيل المجلس في صيغته النهائية، مضيفا أنه سيضم وزارات الشئون الدينية باعتبارها المشرفة على الكتاتيب، ووزارة الأسرة والمرأة والطفولة المعنية بمجموعة من رياض الأطفال، ووزارة التربية، ووزارة التعليم العالي والبحث العملي ووزارة التشغيل والتدريب المهني.
وحول أبرز محاور المخطط الاستراتيجي للتربية (2023 – 2025)، أوضح الوزير إنه منذ عام 2015 تم طرح مبادرة لإصلاح المنظومة التربوية والتعليمية في تونس، غير أنه لم يتم تنفيذ بنودها بسبب الخلافات بين الجهات النقابية والجهات الحكومية، مضيفا "بعد مناقشة ما توصلت إليه لجان المبادرة في 2015، قررنا السير في اتجاه الإصلاح، وتم وضع مشروع لتطوير المناهج والكتب المدرسية، خاصة أن العديد منها لم يتم تنقيحها ومراجعتها منذ فترة طويلة، وبالتالي فهي تحتوي على معلومات غزيرة لدرجة تفوق طاقة استيعاب الطلاب من جهة، ومن جهة أخرى بعض هذه المعلومات تجاوزتها الأحداث".
وتابع السلاوتي أن الوزارة تسعى حاليا لتحديث المناهج وفق التطورات التكنولوجية والعلمية المتسارعة التي يشهدها العالم، والعمل على تخفيض عدد الكتب الدراسية، حيث تم الاتفاق على أن يقتصر كل مستوى دراسي على ثلاثة كتب فقط، إضافة إلى تحديث طرق التدريس التقليدية التي تعتمد على التلقين في المقام الأول، والتي تجاوزها الزمن، خاصة أن أهم المنظومات التعليمية الناجحة في العالم تستهدف في المقام الأول تشكيل وعي الفرد وتعزيز قدرته على التواصل والابتكار والبحث والإبداع.
وأشار إلى أن المخطط الاستراتيجي للتربية يستهدف تشكيل فكر ووعي الطالب التونسي ليكون متشبثا بهويته، وفي نفس الوقت منفتحا على مختلف الحضارات، وتعزيز قيمة التسامح والقيم الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم المواطنة، إضافة إلى تركيز وعيه بمختلف التحديات التي تواجهها بلاده، ومنها التحديات المناخية والبيئية.
ولفت إلى أن المدارس التونسية كانت تفتقد للعديد من الأنشطة الثقافية والفنية والعلمية والتكنولوجية والرياضية، وهو تحدي كبير يتطلب توفير أماكن مجهزة لممارسة هذه الأنشطة، خاصة أن تونس منذ الاستقلال عام 1956 راهنت على التعليم، وقامت الدولة عام 1971 بتوجيه 31 % من ميزانيها للتربية والتعليم، غير أنه خلال السنوات الأخيرة ومع ظهور العمليات الإرهابية اضطرت الدولة لتخصيص جزء من ميزانيتها لمواجهة هذه العمليات، غير أنه في الوقت الحالي يتم زيادة المخصصات المالية للقطاعات الهامة مثل التعليم والصحة والتدريب والبحث العملي والاستثمار في رأس المال البشري بشكل عام.
وتابع الوزير أن العدد الإجمالي للطلاب التونسيين خلال العام الدراسي الحالي بالمراحل الثلاث (الابتدائية والإعدادية والثانوية) بلغ 2299367 طالبا موزعين على 90194 فصلا، ويتولى تدريسهم 154309 مدرسين، ولذلك اهتمت الوزارة بالبنية التحتية لمؤسسات التربية وتوسعتها، حيث شهدت تطورا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ليرتفع عدد المؤسسات المنتفعة هذا العام بنسبة 66 % مقارنة بالعام الماضي.
وعن خطوات التحول الرقمي في المنظومة التعليمية، أشار الوزير إلى أن الوزارة بدأت مؤخرا اتخاذ خطوات ملموسة نحو الرقمنة، بدءا من تطوير البنية التحتية التكنولوجية وتدشين منصة رقمية تسمح بالتعليم عن بعد، ومنصة أخرى خاصة بتسجيل الطلاب وبالمنح الدراسية، وإطلاق برنامج نموذجي لبطاقة الخدمات الرقمية للطلاب والذي تم تطبيقه في أربع مؤسسات تعليمية وجاري تعميمه بالمؤسسات الأخرى، فضلا عن تطوير الوسائل التعليمية الحديثة وتطوير التلفزة التربوية، وإنتاج الوسائط التعليمية الرقمية، ومواصلة ربط المؤسسات التربوية بشبكة الإنترنت وتجهيزها بالوسائل اللازمة، واستكمال عمليات رقمنة منظومة الإدارة من خلال نظام معلوماتي شامل للمنظومة التربوية.
وقال السلاوتي "لكن تظل هناك مشكلة تتعلق بتوفير شبكات الإنترنت بجميع المؤسسات التعليمية، وهو ما تعمل الوزارة حاليا على تجاوزها من خلال إقرار مشروع يموله البنك الدولي لربط جميع المؤسسات التربوية والتي يصل عددها إلى 6134 مؤسسة بشبكة الإنترنت"، مضيفا "أن المدارس الحكومية تغطي جميع المناطق بالجمهورية التونسية، وبعضها يعاني من الكثافة الطلابية خاصة في المناطق الساحلية، والبعض الآخر يعاني من ندرة الطلاب، فهناك على سبيل المثال إحدى المدارس بها ثلاثة طلاب فقط ورغم ذلك لا يمكننا إغلاقها، وهناك أيضا 562 مدرسة لا يتجاوز عدد طلابها 50 طالبا في المرحلة الابتدائية، وتقوم الوزارة بتوفير المعلمين والكتب وكل ما تحتاجه هذه المدارس من مستلزمات، ولذلك فالوزارة لديها خطة لتعديل الخريطة المدرسية لدمج هذه المدارس الصغيرة".
وعن إضراب بعض المعلمين في بداية العام الدراسي الحالي للمطالبة بالتعيين وجهود حل هذه الأزمة، أوضح الوزير أن المدارس مرت بأزمة حقيقية مع مطلع العام الدراسي بسبب هذه الاحتجاجات، غير أن الوزارة توصلت لاتفاق يقضي بتوقيع عقود عمل لهم لمدة عامين، وبالتالي انتهت الأزمة وعاد المدرسون لممارسة عملهم، وانتظام الدراسة بجميع المدارس على مستوى الجمهورية، مؤكدا حرص الوزارة على استقرار الأوضاع داخل المؤسسات التعليمية.
وعن خطة الوزارة للحد من أزمة التسرب من التعليم، أوضح الوزير أن تونس تعاني بالفعل من تسرب عدد كبير من الطلاب من التعليم، خاصة في مرحلتي الإعدادية والثانوية، حيث بلغ عدد المتسربين حوالي 100 ألف طالب سنويا وذلك على مدار السنوات العشر الماضية، مضيفا أن الوزارة قامت بدراسة أسباب هذه الأزمة وتوصلت إلى عدة عوامل منها أن العديد من المدارس تعاني من نقص الأنشطة النوعية، إضافة إلى معاناة الطلاب بالمناطق الريفية من نقص وسائل التنقل وهو ما تسعى الوزارة للتغلب عليه من خلال اقتناء 96 حافلة لتأمين النقل المدرسي ضمن برنامج التعاون التونسي الإيطالي.
وأشار إلى أن الوزارة بدأت تنفيذ تجربة جديدة لعودة المتسربين من التعليم إلى المدارس من جديد تحت مسمى مدرسة "الفرصة الثانية"، حيث تم تدشين ثلاث مدارس في مناطق مختلفة، موضحا أن فلسفة التجربة تقوم على إخضاع المنقطعين عن الدراسة لدورات تأهيلية وتدريبية متنوعة بهدف تطوير مهاراتهم ليتم بعد ذلك إلحاقهم بالمدارس مرة أخرى لمن يرغب في ذلك، ومن لم يرغب يتم توجيهه إلى مراكز التدريب المهني، وهي تجربة لاقت نجاحا كبيرا خلال الفترة الماضية.