قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية ينعقد في أجواءٍ عالمية وإقليمية متوترة ليس من قبيل المبالغة أو التهويل القول بأن العالم يعيش أوضاعاً لم يجربها منذ أربعة عقود، فلأول مرة منذ سنوات طويلة يعود الحديث عن الحرب النووية كاحتمالٍ وارد الحدوث ولأول مرة منذ سنوات نرى المنافسة بين القوى الكبرى، وقد انتقلت إلى مرحلة الصراع بكل ما ينطوي عليه ذلك من تبعات يعانيها العالم بأسره وليس فقط أطراف المنافسة أو الصراع.
وأضاف أبو الغيط في كلمته أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أن العالم جرب من قبل صراعات القوى الكبرى، وما يصحبها من استقطاب حاد، وانقسام الدول إلى معسكرات وأحلاف غير أن عالمنا اليوم ليس هو عالم القرن العشرين؛ إذ تضخمت شبكة العلاقات والاعتماد المتبادل والتجارة البينية والاتصال بين الدول على نحو غير مسبوق كما ظهر عدد من القضايا التي لا يمكن علاجها أو التعامل معها سوى في إطار متعدد الأطراف، وعبر عمل مشترك تنخرط فيه دول العالم كافة تلك هي القضايا الخطيرة التي تخص مستقبل الإنسانية بأسرها مثل التغير المناخي ونزع السلاح والأوبئة والتصدي للفقر وغيرها.
واستطرد إن الدول النامية والأسواق الناشئة، ومن بينها الكثير من دولنا العربية، تعاني للأسف أكثر من غيرها في مناخ عالمي كهذا فالتراجع الاقتصادي، وما يرتبط به من مظاهر التضخم والتقلب الخطير في أسعار السلع الأساسية وبخاصة الغذائية، ينعكس ولا شك على الاستقرار الاجتماعي، ويضع صعوبات وتحديات مضاعفة أمام عمل الحكومات من أجل حماية الفئات الأضعف.
وفي تقديري أن هذه التحديات المُستجدة تفرض على دول المنطقة العربية إيلاء أهمية أكبر للتفكير الاستراتيجي في التعامل مع الكوارث والأزمات والأوضاع الطارئة، وقد رأينا جميعاً ما سببته كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا قبل شهر من دمار هائل.
وبرغم تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية من الدول العربية إلى سوريا، وأيضاً إلى تركيا، بحسب أبو الغيط، وهو ليس بغريب على المروءة العربية ويعكس عمق رابطة الإخوة في العروبة والتي تتجاوز أي خلاف سياسي، موضحا أنه برغم تدفق هذه المساعدات، فإن الحاجة تشتد إلى آلية عربية جماعية للتعامل مع الكوارث، بل إلى استراتيجية عملية للتعامل مع الأزمات الخطيرة ذات التأثير الممتد.
وأشار إلى الاستراتيجية العربية لتحقيق الأمن الغذائي، والتي تبنتها قمة الجزائر في نوفمبر من العام الماضي والتي تُعالج أزمة خطيرة متفاقمة يُعاني منها عدد من الدول العربية على أكثر من مستوى، فهناك الصومال الذي ضربه الجفاف لأربع سنوات متوالية، وصار الملايين من سكانه من النازحين، وهناك اليمن وسوريا اللذان يعيش قسم كبير من سكانهما على المعونات الغذائية، وهناك أوضاع غذائية هشة في دول عربية أخرى، كما أن ارتفاع أسعار الحبوب أدى إلى ضغوط إضافية على الدول المستوردة لها، وهذه الأوضاع تفرض علينا جميعاً التعامل مع استراتيجية تحقيق الامن الغذائي العربي، لا باعتبارها ترفاً وإنما ضرورة مُلحة لمواجهة أوضاع تؤثر على استقرار المنطقة بأكملها.
وأضاف أن حالة خفض التصعيد والتهدئة النسبية التي تشهدها النزاعات والأزمات الإقليمية، بدرجات متفاوتة، تمنحنا فُرصةً للعمل بجدٍ من أجل مساعدة الدول في التوصل إلى التسويات السياسية المطلوبة من أجل إنهاء الأزمات القائمة، موضحا إن الحفاظ على سلامة التراب الوطني والوحدة السياسية لهذه الدول العربية العزيزة علينا جميعاً، من دون تدخلاتٍ في شئونها أو تعدٍ على سيادتها واستقلالها، هو هدف عربي نسعى إليه جميعاً، ونعمل له، ونحض عليه.
وشدد أن القضية الفلسطينية تواجه تحدياً خطيراً في الفترة الأخيرة باعتلاء حكومة إسرائيلية يمينية سُدة السلطة، موضحا إنها حكومة يقوم برنامجها على الاستيطان لا السلام وعلى التوسع والضم وليس التسوية أو الحل، ومن بين رموز هذه الحكومة من يُجاهر علناً برفض حل الدولتين، بل وبتصفية الفلسطينيين وضم أراضيهم.
ولم يكن مستغرباً على حكومة هذا هو برنامجها المعلن، بحسب الامين العام، وهؤلاء هم المعبرون عنها والناطقون باسمها، أن تتورط في إشعال الموقف في الأراضي المحتلة على نحو ما تابعنا جميعاً خلال الفترة الماضي موضحا إن الحكومة الإسرائيلية تُشجع ثقافة خطيرة من الإفلات من العقاب والاعتداء على الفلسطينيين بين مواطنيها، وقد شاهد العالم كله جريمة إحراق المنازل والممتلكات التي مارسها مستوطنون أعماهم التطرف والكراهية في "حوارة"، ورأينا هذا كله يجري تحت سمع وبصر، بل وبحماية من الحكومة اليمينية.. في طقسٍ بغيض ووحشي يعود بنا إلى ممارسات العصور الوسطى.. وفي تجرد كامل من كل معاني القانون والإنسانية.
وأوضح ان الدول العربية أمام تحدٍ حقيقي لأن استمرار مثل هذه الممارسات يجر المنطقة كلها إلى هاوية من التطرف والعنف.. وأقول بكل صراحة إن على المجتمع الدولي، وكافة محبي وأنصار السلام في العالم، الاضطلاع بمسئولياتهم نحو لجم السلوك المتطرف الذي تباشره حكومة الاحتلال التي لا تكتفي بتقويض أي فرصة لتطبيق حل الدولتين، عبر التوسع في البناء الاستيطاني وشرعنة البؤر الاستيطانية وهدم البيوت.. وإنما تسعى أيضاً إلى إشعال حرب دينية، وقودها التطرف والكراهية.
وأشار إلى المؤتمر الدولي حول "القدس- صمود وتنمية" الذي انعقد بالجامعة العربية يوم 12 فبراير الماضي، بحضور عالي المستوى من القادة العرب، وكذا السادة الوزراء وكبار المسئولين، مؤكدا أن رسالة المؤتمر هي التضامن مع أهلنا الفلسطينيين الصامدين في القدس.
وشدد على أهمية أن يتحول هذا التضامن إلى برامج ملموسة للتنمية في القدس الشرقية التي يُريد الاحتلال إفراغها من سكانها عبر سياسة التهجير القسري، وحصار الوجود الفلسطيني لتغيير الميزان الديموغرافي في المدينة وتهويدها.
وقال إن شهر رمضان المُعظم على الأبواب وهو مناسبة للسلام والرحمة وذكر الله تتطلع فيه أفئدة المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين، محذرا أنّ إشعال الموقف في القدس، وبالتحديد في المسجد الأقصى والحرم الشريف، خلال شهر رمضان سيمثل عملاً استفزازياً للمسلمين في كل مكان وأن سعي عناصر متطرفة في حكومة الاحتلال لتغيير الوضع القانوني والتاريخي في البلدة القديمة وتخطيطهم لتحركات استعراضية لتسجيل المواقف لدى ناخبيهم .. لن يكون من شأنه سوى إلهاب المشاعر وتفجير الموقف وإشعال فتيل مواجهات دينية.