منذ ما يقرب من عقد من الزمن، كان على أى شخص يقود مركبته عبر نقاط التفتيش المنتشرة فى بغداد، الخضوع إلى الفحص من قبل جندى يوجه عصا من جهاز كشف أمنى إلى المركبة ويراقب الجهاز باهتمام ان كان الهوائى الخاص به يتحرك، اذا ما اشار الجهاز إلى السيارة فان من المفترض أنه كشف عن احتمال وجود قنبلة ولكن ثبت أنهم أجهزة وهمية .
وقد ثبت ذلك من سنوات، حتى قبل عام 2013 عندما أدين بريطانيان فى محكمتين منفصلتين بتهم الاحتيال لبيعهما هذه الأجهزة الكاشفة.
هذه الأجهزة، والتى بيعت تحت مسميات مختلفة بآلاف الدولارات لكل جهاز، يبدو انها استندت إلى منتج يباع عادة بسعر 20 دولارا بزعم انه يكشف عن كرات الغولف.
ومع ذلك واصلت الحكومة العراقية استخدام هذه الأجهزة التى أنفقت عليها نحو 60 مليون دولار برغم تحذيرات قيادات الجيش الأمريكى واثبات فشل الأجهزة فى الكشف عن التفجيرات التى تحدث فى بغداد كل يوم تقريبا.
وتطلب الأمر وقوع انفجار ضخم راح ضحيته نحو 300 شخصا فى حى الكرادة فى الثالث من يوليو ليصدر رئيس الوزراء حيدر العبادى بحظر استخدام هذه الأجهزة.
السبب فى التأخير يعود إلى الفساد المستشرى فى الحكومة العراقية ،وسخر العراقيون من هذه الأجهزة منذ البداية ويقولون ان وضع الكثير من كولونيا بعد الحلاقة يكفى لتحريك مؤشر الجهاز.
الآن ثمة اتهامات بأن الشروع فى استخدام أجهزة المسح الجديدة التى تكشف عن المتفجرات كانت جزءا من المماحكات السياسية حول أى فصيل الجيش ام الشرطة سيتولى ضبط الأمن فى بغداد.
ومنذ حظر استخدامها، يعمد الجنود عند نقاط التفتيش إلى السماح للسيارات بالمرور وعادة ما يسألون عن أوراق تسجيل المركبة ورخص القيادة مع نظرة سريعة إلى داخلها.
ويقوم رجال المخابرات بزيهم المدنى بفحص السائقين والركاب ، كما تستخدم بعض الأحيان الكلاب البوليسية فى التفتيش لكن ثبت أنها تساهم فقط فى خلق ازمة مرورية خانقة.
وفى بعض الأماكن، لا تزال هذه الأجهزة تستخدم فى بعض نقاط التفتيش ببغداد والبصرة، ثالث أكبر مدينة بالعراق بعد نحو أسبوعين من تفجير بغداد.
كما كانت تستخدم فى جميع أنحاء مدينة النجف جنوبى بغداد بعد أسبوع من إصدار العبادى أمرا بإعادة العمل بها.
"عملية سحب هذه الأجهزة مستمرة، لكنها لا تزال تستخدم بعدة مناطق فى الوقت الراهن"، حسبما قال العميد سعد معن، المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية لأسوشيتد برس.
وقال إنه تم نشر سيارات جديدة مجهزة بماسحات ضوئية عند نقاط التفتيش الموجودة على الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة ، مضيفا أن كل هذا سيكون له تأثير إيجابى على الأمن فى بغداد .
ويقول مسؤولون إن الحافلة الصغيرة المحملة بالمتفجرات، التى استخدمت فى الهجوم الثالث من يوليو فى حى الكرادة وسط بغداد، بدأت رحلتها من محافظة ديإلى وسارت 50 كيلومترا نحو العاصمة.
ومرت السيارة على ست نقاط تفتيش على الأقل، معظمها تستخدم أجهزة الكشف عن المتفجرات.
ويقول المحققون إن السيارة كانت تحمل 250 كيلوغراما من المتفجرات.
وبعد أربعة أيام من تفجير الكرادة، فجر ثلاثة انتحاريين مرقدا شيعيا فى مدينة "بلد" شمإلى بغداد ما أسفر عن مقتل 37 شخصا.
كما هزت سلسلة تفجيرات صغيرة العاصمة، ما أسفر عن مقتل نحو عشرين شخصا.
وعندما بدأت قوات الأمن العراقية لأول مرة استخدام جهاز "إيه دى إي-651"، رفضها قادة الجيش الأمريكى والبريطانى فى العراق لأنها عديمة الفائدة ونصحوا الحكومة بالتوقف عن استخدامها.
وفى مواجهة انتقادات متزايدة، أمر رئيس الوزراء السابق نورى المالكى بإجراء تحقيق فى فعالية هذه الأجهزة عام 2010. وكانت النتيجة غير حاسمة، واستمرت القوات فى استخدامها.
أدين اللواء جهاد الجابري، مدير مكافحة المتفجرات فى وزارة الداخلية، عام 2012 وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة تلقى رشوة من الشركات البريطانية المصنعة للأجهزة.
لكن القضية المرفوعة ضده لم تتناول فعالية تلك الأجهزة. يعتقد كثير من العراقيين أنه كان كبش فداء لحماية مسؤولين عراقيين بارزين من الملاحقة القضائية.
بعد انفجار 3 يوليو، أقال العبادى الضابط العسكرى المسؤول عن الأمن فى بغداد، وقبل استقالة وزير الداخلية محمد سالم الغبان الذى كان مسؤولا عن الشرطة.
كما أمر العبادى بتحقيق فى سبب ترك نحو 70 جهازا مزودا بماسحات ضوئية لاكتشاف المتفجرات استوردت العام الماضي فى مستودعات وزارة الداخلية ولم يتم نشرها.
كان الغبان يطالب منذ شهور بأن تعطى وزارته السيطرة الكاملة على الوضع الأمنى فى بغداد.
لكن العبادى رفض ذلك وأبقى على سيطرة الجيش على مقاليد الأمور هناك.
ونظرا لأن الغبان قريب من إحدى الميليشيات الشيعية القوية، فإن معارضيه كانوا يخشون من أن يهدف طلبه إلى السماح للميليشيات بالسيطرة على بغداد.
متحدثا إلى الأسوشيتد برس، اتهم حاكم الزاملي، رئيس لجنة الأمن والدفاع فى البرلمان العراقي، الغبان بالفشل عن قصد فى نشر أجهزة الكشف الأمنى، باعتبارها حيلة سياسية.
فى المقابل، قال الغبان إنه كان فى وضع حرج بشأن محاولات حماية بغداد.
وبعد إقالته، قال الغبان إن العبادى تجاهل مرارا مقترحاته لتعزيز الأمن، وشكا من أن الكثير من أجهزة الأمن والاستخبارات كانت مشاركة فى حماية بغداد.
وأضاف "كنت أريد الملف الأمنى كاملا فى أيدى وزارة الداخلية حتى يمكننا تحمل المسؤولية بشكل كامل.. وظيفتى أفرغت من المهام الحقيقية والأدوات والصلاحيات وأصبحت شرفية".
قيس عادل فرج، والد أحد ضحايا الكرادة، ألقى باللائمة فى التفجيرات على "الفساد والخيانة" بين قوات الأمن، مشيرا إلى أنه لا يثق فى أية تدابير أمنية جديدة فى العاصمة.
وأردف قائلا "مزيد ومزيد من التفجيرات ستعقب هجوم الكرادة.. هذه الحكومة لن تحافظ أبدا على أمن البلاد أو حتى بغداد فقط".