يتفاقم الوضع الإنساني في اليمن يوماً بعد يوم في ظل استمرار الصراع المسلح منء نحو 19شهراً وسط دمار واسع تتسع رقعته كل يوم .
وفقد الشعب اليمني الابتسامة والأفراح ، وبات يعيش بموطن تدمره الحرب ويحرقه السلاح ، وأصبح الناس بين مشرد وضحية وجائع مثقلين بالجراح، تشظت الأجساد وعم الجوع واُنتزعت الأرواح ، والساسة عجزوا عن إنقاذ وطنهم ولا يجيدون سوى النباح ، وذهبت العديد من الفرص السياسية لوقف الحرب أدراج الرياح، وتحول القادة إلى أشباح .
كارثة إنسانية
ويشهد اليمن كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل بالعصر الحديث ؛ نتيجة الحرب وقد تحطمت معظم الطبقة المتوسطة لتدخل مربع الفقر في ظل عجز الأطراف المتصارعة عن دفع أجور العاملين مع مؤسسات وقطاعات الحكومة لنحو ثلاثة أشهر ، فيما فقد 70%من العاملين في القطاعات الخاصة وظائفهم جراء إغلاق أوتدمير الشركات والمصانع ومعظم القطاعات الخاصة وفقاً لتقارير الأمم المتحدة .
وقالت منظمة اليونيسف، بأن طفلاً واحداً يموت كل عشر دقائق في اليمن نتيجة الجوع أو الأمراض ، والتي يمكن الوقاية منها مثل الإسهال وسوء التغذية وإلتهاب الجهاز التنفسي في ظل تدهور حاد بالخدمات الصحية .
وأوضحت اليونيسف ،بأن نحو 2.2 مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد ، ويحتاجون إلى العناية العاجلة ، وحوالي نصف مليون طفل منهم يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم ، كما يعاني 1.7 مليون طفل يمني من سوء التغذية الحاد المتوسط مشيرةً إلى أن هذه الأرقام تمثل زيادة كبيرة تصل إلى 200 بالمئة مقارنة بعام 2014 ، موضحة ً بأن أعلى معدلات سوء التغذية الحاد تظهر بين أطفال محافظات الحديدة وصعدة وتعز وحجة ولحج ، حيث تحتوي هذه المحافظات الخمس على أكبر عدد من حالات سوء التغذية الحاد الوخيم في اليمن .
ووصل عدد النازحين في اليمن جراء الصراع إلى أكثر من ثلاثة ملايين ومئة ألف شخص من بينهم مليونان ومئتا ألف مشردون داخلياً وفقاً لتقارير مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة .
مأساة
وتصف "فاطمة الاغبري" الناشطة الحقوقية الوضع في اليمن بالمأساة ؛ نتيجة تفشي الجوع وسقوط 10ألف مدني جراء الحرب مؤكدةً أن عدد الذين هم بحاجة لمساعدات غذائية بلغ 14,1مليون يمني ، ويعجز الدعم الإنساني لليمن عن تغطية هذا العدد الكبير .
وأشارت الأغبري، أن حجم الدمار كبير ، وتضررت المنشآت الحكومية والخاصة ومنازل المدنيين جراء الحرب ويحتاج إعادة ما تدمر عشرات السنوات، موكدةً أن اليمن أصبح على بعد خطوة من مجاعة تضرب معظم المناطق وسيصعب السيطرة عليها وكانت مجاعة مديريات الساحل بمحافظة الحديدة غرب اليمن مجرد مؤشر للمجاعات التي تنتظر اليمن في حال استمر الصراع .
وأوضحت الأغبري، أن الحرب تسببت بتدهور حاد بالخدمات الصحية وتعرض أخرى للدمار ، وتوقف عشرات المستشفيات في ظل جهود تبذلها عدد من المنظمات لإحتواء الانهيار في القطاع الصحي ، لكن تظل الجهود محدودة ولا تغطي كافة احتياجات الناس الطبية والصحية .
الحل السياسي
ويواصل المبعوث الأممي لليمن "إسماعيل ولد الشيخ" جهوده في محاولة الوصول لحل سياسي حيث قدم ولد الشيخ خارطة لحل سياسي تضمنت تعيين نائب رئيس جديد ، وتشكيل حكومة وفاق وطني لقيادة المرحلة الانتقالية والإشراف على استئناف الحوار السياسي وإكمال المسار الدستوري ومن ثم وصولاً إلى إجراء الانتخابات ، كما تتضمن الخارطة تشكيل لجان عسكرية وأمنية تشرف على الانسحابات ، وتسليم الأسلحة في صنعاء والحديدة وتعز ، كما ستعنى هذه اللجان بمهمة ضمان إنهاء العنف العسكري والإشراف على سلامة وأمن المواطنين ومؤسسات الدولة .
ورحبت الإمارات على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية "أنور القرقاش" بالخارطة ، كما رحبت بها الكويت خلال زيارة للمبعوث الأممي لها ، ويظل موقف السعودية غامضاً بشان الخارطة ، ولكن في لقاء جمع ولي ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بالمبعوث الأممي ولد الشيخ أكد له دعمه الكامل لجهوده .
وقد وافق الحوثيون وحليفهم الرئيس السابق على الخارطة بعد تدخل عماني لإقناعهم بالخارطة ، فيما رفضها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي واصفاً إياها بالمفخخة ، واشترط هادي تعديل الخارطة لقبولها وقدم التعديلات التي يريدها للمبعوث الأممي .
وشكل الحوثيون وحليفهم صالح حكومة في صنعاء قبل أسابيع وسط تنديدٍ دولي لهذه الخطوة التي وصفتها عدد من الدول بالإجراءات المعرقلة للحل السياسي .
العقبات وامكانية التوافق
ويقول "عبدالوهاب الشرفي" الكاتب والمحلل السياسي ، أن خارطة ولد الشيخ هي أكثر الصيغ التي قدمت خلال مشوار التفاوض في الملف اليمني قرباً للحل ، تحتاج لنقاش حول عدد من نقاطها وصولاً لتعديلها بشكل أمثل ، و يمكن أن تكون صيغة حل للشأن اليمني .
وأشار الشرفي، أن العراقيل التي تواجه الخارطة هي عدم توفر الإرادة السياسية للحل حتى الآن لدى الأطراف ، وبالتالي لا يمكن لأي صيغة أن تكون حلاً طالما يوجد من لايريد عدم وجود حل باليمن.
واعتبر الشرفي، أن تشكيل حكومة بصنعاء لا يعرقل العملية السياسية وجهود الخارطة كون جميع الحكومات ستنتهي في حين وافق الجميع على الخارطة ، و ستشكل حكومة وحدة وطنية ، وقد وافق الحوثيون والرئيس السابق علي صالح على الخارطة .
وترى "حمامة الصنوي" وهي ناشطة سياسية، بأن الخارطة يمكن نجاحها لا سيما وأنها تحظى بدعم دولي كبير .
وتشير الصنوي، أن تشكيل حكومة بصنعاء ورفض الرئيس هادي للخارطة تمثل تهديدات للخارطة ، لكن من الممكن نجاحها في ظل توفر نية لدى الأطراف بالحل السياسي منوهةً أن المخاوف من جانب حكومة الرئيس هادي تتمثل بنزع السلاح وإلغاء فترة حكم الرئيس هادي حيث ستنقل صلاحياته الى النائب الذي سيتم التوافق عليه .
وأكدت الصنوي، بأن فشل الخارطة يعني مرحلة صراع عسكري جديدة لم يعد الشعب قادراً على تحملها ، ويجب على الأطراف اليمنية التفكير بجدية لإنجاح حل سياسي ينهي معاناة الناس ويوقف الدمار