تضمنت الوثائق الحكومية البريطانية التى رفعت عنها السرية قبل أيام فى الأرشيف الوطنى البريطانى، محضرا عن نائب الرئيس السورى رفعت الأسد الذى كان يحتفظ بهذا المنصب لكنه يعيش فى المنفى بين إسبانيا وفرنسا.
وذكرت صحيفة الحياة اللندنية، اليوم الاثنين، أن محضر اللقاء يروى عن لقاء جمع رفعت الأسد بسياسى بريطانى فى عام 1990، يأمل بأن يعود إلى سوريا مستغلا اضطرار أخيه حافظ الأسد إلى الانفتاح على الغرب فى إطار تأقلمه مع بدء انحسار نفوذ الاتحاد السوفيتى الذى كان لفترات طويلة حليفا أساسيا لحافظ الأسد.
وينقل المحضر عنه قوله "إنه لن يعود إلى دمشق ما لم تتم إعادة تنصيبه فى منصبه القيادى السابق، ويسمح له بأن يعود معه عدد من الضباط الذين تبعوه إلى المنفى" وهو ما لم يستجب له حافظ الأسد، كما يبدو، لمطالب شقيقه الذى كان جرده منذ عام 1984 من قوته العسكرية الأساسية "سرايا الدفاع" ونفاه إلى خارج سوريا بمنصب نائب الرئيس حيث تبعه عدد من قادة الوحدات العسكرية الموالية له، وما زال رفعت حتى اليوم يعيش فى المنفى ( خسر منصب نائب الرئيس عام 1998)، لكن المحضر البريطانى يعيد التذكير بحقبة الصراعات داخل أسرة الرئيس الأسد، مشيرا إلى علاقات رفعت بزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، فى رد كما يبدو على محاولات الرئيس السورى شق المنظمة وقلبها ضد زعيمها.
تلقى وزير الخارجية البريطانى دوجلاس هيرد وتشارلز باول (السكرتير الخاص لرئيس الوزراء مارجريت تاتشر) فى إبريل 1990 رسالة من النائب فى البرلمان البريطانى جوليان أمرى تضمنت محضرا لاجتماع عقده مع نائب الرئيس السورى خلال عطلة نهاية أسبوع شهر مارس 1990 فى إسبانيا. وجاء فى رسالة النائب البريطانى: "ذهبت لرؤية رفعت الأسد خلال نهاية الأسبوع فى البانوس، قرب ماربيا، حيث يملك عقارا وكان يحاول منذ بعض الوقت أن يرتب لقاء.
وكتب النائب البريطانى ملاحظات عن المناقشات التى جرت بأن هناك الكثير الذى يمكن بريطانيا من القيام به للتأثير فى الوضع السورى فى المقابل، إذا سمح لرفعت الأسد بأن يعود، وفق شروطه، مؤكدا أن هذا يمكن أن يخفف من تشدد النظام البعثى فى دمشق وربما يضعف ما وصفها بـ"المافيا المؤيدة" للسوفيت التى ما زالت تحيط بحافظ الأسد، داعيا لتشجيع الأمريكيين والمصريين والإسرائيليين المهتمين بأن "يسألوا ما إذا كان سيساعد استدعاء الرئيس حافظ الأسد لشقيقه رفعت للعودة بوصف ذلك بادرة على تغيير التفكير أو السياسة فى دمشق".
وأرفقت رسالة النائب البريطانى إلى رئيسة الوزراء البريطانية ووزير الخارجية بمحضر حمل عنوان "ملاحظات فى شأن لقاء بين نائب الرئيس السورى رفعت الأسد والنائب جوليان أمرى يوم السبت 31 مارس 1990 فى البانوس قرب ماربيا من الساعة 8 مساء حتى منتصف الليل".
وأضاف المحضر "عقدت لقاء مع نائب الرئيس استمر ساعتين (محادثة مترجمة) تلاه عشاء. كان (رفعت الأسد) يطلب اللقاء منذ بعض الوقت. لم يكن لديه شىء جديد ليقوله. اعتقد بأنه ببساطة كان تواقا لإبقاء خط الاتصال مفتوحا.
وأكد النائب البريطانى، أن رفعت الأسد بدأ بالحديث عن آماله الكبيرة بحدوث تغيير أساسى فى سياسة سوريا فى أغسطس 1990، مشيرا أن آماله أجهضت لقد أجهضت ولم يتغير الوضع تغيرا كبيرا منذ ذلك الوقت باستثناء التحسن فى العلاقات بين سوريا ومصر، مرجحا بأن التحسين هو حملة علاقات عامة بين كل من القاهرة ودمشق.
وتابع المحضر ناقلا عن رفعت الأسد: "فى سوريا نفسها الوضع يتدهور لأسباب عدة. الوضع الاقتصادى يسوء ولا يمكن تحسينه من دون الابتعاد عن سياسة التحكم فى السوق، فلبنان يستهلك قدرات سوريا ورجالها، عودة الأردن إلى الحكم البرلمانى تطرح أسئلة محرجة فى دمشق، التأييد السوفيتى يتراجع فى شكل واضح، وما زالت موسكو ترسل السلاح لكنها قلصت فى شكل كبير الدعم المادى والمعنوى، وهذا أمر يصبح جليا، الدعم السعودى يبدو أيضا أنه فى تراجع، ما زال هناك أمل بالدعم الأمريكى".
وشرح المحضر ما يعنيه بالدعم الأمريكى: "رفعت الأسد لا يعتقد بأن المبادرات الأخيرة للرئيس الأمريكى السابق جيمى كارتر تمت بناء على تعليمات من واشنطن، فقد كان لكارتر دوما علاقة شخصية جيدة مع حافظ الأسد. هو، أى كارتر، يعتبر كامب ديفيد أكبر إنجازاته ويريد أن يستكملها بترتيب اتفاق بين سوريا وإسرائيل، لا شك فى أنه تشاور مع كل من مصر وإسرائيل بالإضافة إلى واشنطن قبل ذهابه إلى دمشق".
وتابع التقرير: "بالانتقال إلى وضعه الخاص، قال رفعت الأسد إنه أوضح للرئيس الأسد الذى اعتقد بأنه ما زال على اتصال به أنه لن يعود إلى دمشق ما لم يتم إعادة تنصيبه فى منصبه القيادى السابق، ويسمح له بأن يجلب معه عددا من الضباط الذين تبعوه إلى المنفى. إذا ما كان له أن يعود فإحدى أولى خطواته ستكون الدعوة إلى حوار فورى مع إسرائيل. فى تقويمه، حافظ الأسد فى وضع لا يختلف كثيرا عن وضع تشاوشيسكو ( رئيس رومانيا السابق) وقادة آخرين مؤيدين للسوفيت فى أوروبا الشرقية وإثيوبيا. ربما يريد الانعطاف وتبنى اتجاه مؤيد للغرب لكن ذلك سيكون صعبا عليه ويتطلب اقتناعا من الدول الأخرى المعنية. هو، رفعت الأسد، إذا ما سمح له بالعودة، وفق شروطه، سيكون فى وضع أفضل لإقناع دول أخرى فى المنطقة بأن تحول حافظ الأسد حقيقى. حتى الآن، لا يبدو أن هناك تغييرا فى هذا الاتجاه من دمشق. فى ظل هذا الوضع ليس أمامه (رفعت الأسد) من خيار سوى انتظار التطورات".
وتابع النائب البريطانى فى محضر اللقاء: حديثنا خلال العشاء كان أكثر عمومية (اللقاء الأول كان ببساطة عبر مترجم). رفعت يعرف السوفيت معرفة جيدة. يعتقد بأنهم لا بد أن يتراجعوا نحو عمقهم السلافى السوفيتى حيث سيبقون قوة عسكرية لا يستهان بها. يفترض أنهم قد يبقون أيضا على علاقات مهمة مع تلك الأراضى "المستعمرة" التى سيكون عليهم تركها، فى إشارة إلى الدول المتحالفة معهم.
واختتم النائب البريطانى محضره: «جاء إلي رفعت الأسد بعد ظهر اليوم التالى لتوديعى. سألنى عن علاقتى بياسر عرفات. عندما قلت له إننى لم أقابله قط، قال إنه سأل فقط لأنه اعتقد بأننى يمكن أن أطلب إرسال تحياتى له كونه سيأتى لرؤية رفعت الأسد فى مساء اليوم ذاته. (فهمت أن حافظ يدعم جماعة فلسطينية منافسة لمنظمة التحرير الفلسطينية لذلك فإن منظمة التحرير تحاول خطب ود رفعت الأسد).