يجلس عبدو شيخو فى مكتبة "هنار" فى مدينة القامشلى فى شمال شرق سوريا محاطاً برفوف خشبية عليها عشرات النسخ من رواية "ثلج"، أولى الروايات الأجنبية المترجمة إلى اللغة الكردية فى سوريا بشكل علنى.
بعد معاناة طويلة وصل خلالها الأمر إلى سجنه فى سوريا نتيجة حيازته كتابا باللغة الكردية، يعمل شيخو (29 عاما) اليوم فى مشروع "هنار"، أى رمان باللغة العربية، الهادف إلى ترجمة الروايات والمؤلفات العالمية إلى اللغة الكردية.
ويقول شيخو "هدف مشروعنا اليوم تحرير اللغة والثقافة والفولكلور الكردى وحمايتها من الإندثار عبر ترجمة الكتب العالمية إلى اللغة الكردية".
ويضيف "سنضع ثقلنا فى ترجمة لا الأدب فحسب وإنما أيضا الفلسفة والفكر (...) حتى يتمكن الأكراد من قراءة الأدب العالمى بلغتهم الأم".
وأطلق مشروع "هنار" قبل شهرين بمبادرة شخصية وتمويل فردى من بعض المتطوعين والكتاب الأكراد ووافقت عليه الإدارة الذاتية الكردية، وعلى أساسه تم إنشاء المكتبة التى حملت اسم المشروع نفسه.
وترجم العاملون فى المشروع حتى الآن أربعة كتب من اللغات الفرنسية والانجليزية والعربية، صدر منها كتاب "ثلج" للفرنسى ماكسانس فيرمين، على أن تصدر الكتب الثلاث الأخرى تباعا وهى "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" لعبد الرحمن الكواكبى ومسرحية "جلجامش" لفراس السواح و"My Name is Aram" للكاتب الأميركى وليام سارويان.
وحاول العاملون فى المشروع وفق شيخو، التواصل مع كاتب رواية "ثلج" للحصول على حق الترجمة "لكننا لم نفلح" حتى الآن.
قبل إندلاع النزاع فى العام 2011، عانى الأكراد الذين يشكلون أكثر من عشرة فى المائة من سكان سوريا، من التهميش على مدى عقود، حتى إن عددا كبيرا منهم كان محروماً من الجنسية السورية.
على مدى عقود، لم تكن اللغة الكردية لغة رسمية، ولم تكن تدرس فى المدارس، وكان ممنوعا نشر أى كتاب بالكردية. وبالتالى، لم يكن هناك وجود لدور نشر ومراكز ثقافية ومدارس كردية.
الأغانى والفلكلور
ويروى شيخو "دخلت السجن لثلاثة أشهر فى دمشق العام 2009، وكادوا أن يقوموا بفصلى من الجامعة لأنهم وجدوا معى كتبا باللغة الكردية".
ويضيف "لغتنا وثقافتنا كانت ممنوعة علينا من حزب البعث المتسلط... كانوا يريدون صهر الأكراد وثقافتهم".
وتصاعد نفوذ الأكراد منذ العام 2012 بعد انسحاب قوات النظام تدريجيا من مناطقهم. وقد أعلنوا إدارة ذاتية مؤقتة فى ثلاث مناطق فى شمال البلاد هى الجزيرة (محافظة الحسكة)، وعفرين وكوبانى (فى محافظة حلب).
واتخذت هذه الإدارة سلسلة إجراءات أبرزها إدخال اللغة الكردية إلى المناهج الدراسية، وإعادة الاسماء الكردية الاصلية إلى القرى والبلدات.
ونتيجة التهميش على مدى العقود الماضية، لم تعد هناك إلا قلة قليلة من الكتاب باللغة الكردية. لذلك اتخذ قرار الترجمة من لغات أخرى.
ويشرح الكاتب حسين زيدو (45 عاما) لوكالة فرانس برس "لم يتسن للأكراد عبر تاريخهم الطويل فى الشرق الأوسط نيل حقوقهم الثقافية والاجتماعية والسياسية"، ما أسفر على سبيل المثال عن "وجود قلة قليلة تكتب باللغة الكردية فى مجال الأدب".
ويعمل مالفا على (37 عاما)، وهو أحد مؤسسى مشروع "هنار"، فى الجزء الخاص بحماية الفولكلور الكردى. ويخصص وقته فى توثيق وجمع القصص المحكية والأغانى الكردية القديمة التى يتداولها السكان، فى كتب وأقراص مدمجة.
وتتطلب هذه المهمة جهودا وأبحاثا مضنية وفق على الذى يوضح "سنقوم بداية بجمع كل القصص التى رويت فى المنطقة وبعدها الاغانى الفولكلورية".
ويهدف المشروع على حد قوله أيضا إلى اغناء القاموس الكردى عبر إضافة كلمات ومصطلحات لم يستخدمها الاكراد إلا شفهيا.
"ليلى والذئب"
ومنذ إنشاء الإدارة الذاتية، بدأت المؤسسات الثقافية الكردية بالظهور تدريجياً. وانتشرت المجلات الأدبية والثقافية والتاريخية وغيرها باللغة الكردية، وبينها مجلة "سورمَي" التى تعنى "النبيذ الأحمر" بالعربية.
وانطلقت هذه المجلة الثقافية فى العام 2008 باللغة العربية إلا انها أجبرت على التوقف نتيجة ضغوط السلطات السورية، لتستأنف الصدور مجددا فى العام 2015.
وباتت تصدر حاليا كل شهرين من مدينة القامشلى وتوزّع باللغتين العربية والكردية فى مدن الإدارة الذاتية وبينها كوبانى ومنبج. وتعنى المجلة بنشر أبحاث ودراسات لكتاب أكراد.
ويشرح عضو هيئة التحرير فى المجلة عباس موسى (31 عاما) "نسعى لتقديم شيء مختلف ومتنوع للوسط الثقافى فى ما يتعلق بالفكر والثقافة الكرديين اللذين لم ياخذا نصيبهما فى السابق".
ويوضح أن الهدف من طرح المواضيع الدقيقة باللغة الكردية إظهار أن هذه اللغة "ليست ضعيفة".
ويسلط العدد الأخير من المجلة الضوء على قضية "اللغة والهوية".
ويقول موسى "اللغة هى أول ما يجدر بنا حمايته، فاللغة الكردية لم تأخذ فرصتها برغم أنها تمثل هوية شعب كما هى حال العربية والسريانية أيضاً".
وبالإضافة إلى عملها كمحررة فى مجلة "سورمى"، تعمل بهار مراد (39 عاما) على ترجمة قصص الاطفال من اللغة الانجليزية إلى اللغة الكردية.
فى مكتبها فى مقر المجلة، تشير بهار بيدها إلى قصة "فلة والأقزام السبعة" أو Snow white التى ترجمتها من اللغة الانجليزية إلى الكردية. وتقول إن هدفها رؤية "الاطفال يقرأون قصصهم بلغتهم الأم".
وتضيف وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة "طلب منى بعض الأطفال أن أترجم لهم قصة ليلى والذئب".