حذر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من أن حل الدولتين، الذى كان وسيظل المنطلق الأساسى والوحيد للوصول إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، يتعرض لتهديدات غير مسبوقة.
جاء ذلك، فى كلمة "أبو الغيط" أمام الاجتماع العاشر لمجلس أمناء "مؤسسة ياسر عرفات" الذى انعقد اليوم الخميس بمقر الجامعة العربية بحضور لفيف من الشخصيات السياسية الفلسطينية والعربية .
وأكد أبو الغيط ضرورة الحفاظ على حل الدولتين فى مواجهة الزحف الشرس من جانب قوى الاستيطان الإسرائيلى بهدف تقويضه للأبد.
وأشار إلى أن هذا كان هو المُحرك الرئيس وراء حالة الإجماع الكاسح التى توفرت لقرار مجلس الأمن رقم (2334) فى ديسمبر من العام الماضى، وخاصة بما يمثله هذا القرار من قيمة سياسية قانونية، تُمكِّن مرة أخرى من فتح مجال للعمل السياسى والقانونى وصولاً إلى المساءلة القضائية.
ولفت إلى أن بعض القوى فى المجتمع الدولى صارت أكثر إدراكاً بخطورة الوضع، مشيرا فى هذا السياق إلى مخرجات مؤتمر باريس الذى عُقد فى يناير الماضى، والتى أكدت على صياغة موقف دولى جماعى يُجدد الالتزام الراسخ بحل الدولتين كسبيل وحيد لإنهاء الصراع.
ونوه أبو الغيط بما جاء فى البيانُ الختامى للمؤتمر بعدم الاعتراف بشرعية الإجراءات الأحادية التى يُقدم عليها أى طرفٍ استباقاً للتسوية النهائية، بما يعكس الإدانة الكاملة والصريحة للأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية.
وأكد أبو الغيط أهمية مُتابعة هذا الزخم الذى تولد على الصعيد الدولى، والبناء عليه من أجل تكثيف الضغوط على الحكومة الإسرائيلية وإشعارها بأنه لا بديل عن العودة لطاولة التفاوض لحل الصراع.
ونبه أبو الغيط إلى أن القضية الفلسطينية تمرُ بمنعطف خطير، بعد أن كادت الأحداث العاصفة والنوازل الخطيرة التى ألمت بالمنطقة خلال الأعوام الستة المنصرمة أن تُحيلها إلى مرتبة ثانية على الأجندة الدولية.
وقال أبو الغيط أن إسرائيل كانت الرابح الأكبر جراء هذه التطورات، حيث وظفت حكومة نتنياهو حالة الانشغال الإقليمى والدولى بما يجرى فى المنطقة من تغيرات غير مسبوقة، لكى تدفع قُدماً بأجندتها الاستيطانية والتوسعية، وتُمعن فى سياساتها العُنصرية فى الضفة الغربية.
وأشار أبو الغيط إلى أن الحكومة الإسرئيلية صارت، على ما نرى جميعاً، أسيرةً بالكامل لتيارات اليمين المُتطرف وقوى الاستيطان، ولم تعد تتقن سوى فنون المراوغة والتسويف وإضاعة الوقت، وكيف تمكنت من إفشال مساعى الإدارة الأمريكية السابقة لاستئناف العملية السلمية ووقف الاستيطان.
وأكد أن هذا التعنت الإسرائيلى، الذى يحتمى بمنطق القوة وحدها ولا شيء آخر، صار مكشوفاً للجميع، ومعروفاً للكافة، وهو لا يُمثل تهديداً للفلسطينيين وحدهم، ولا حتى للعرب، وإنما يضرب مصداقية المُجتمع الدولى فى الصميم، كما يُسهم فى تعزيز قوى التطرف والإرهاب والعُنف فى المنقطة، بل وفى العالم.
وحذر أبو الغيط من أن انسداد الأفق السياسى أمام الشعب الفلسطينى، الذى وُلد نحو 20 فى المئة من أبنائه بعد انتفاضة الأقصى، لن يكون من شأنه سوى دفع الشباب الفلسطينى إلى نبذ سياسة الاعتدال والوقوع أسرى للأفكار الراديكالية والأجندات المتطرفة.
وقال أبو الغيط " لقد وُعد الفلسطينيون بأن السياسة والتفاوض هما السبيل إلى نيل الحقوق، واليوم لم يعُد واضحاً إلى أين يُفضى هذا الطريق فى ظل غياب أى استعداد لدى إسرائيل فى الانخراط فى عملية تفاوضية جادة تقود فى النهاية إلى إقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة وعاصمتها القُدس الشرقية".
وأكد أبو الغيط أهمية الاجتماع السنوى العاشر لمؤسسة ياسر عرفات فى رحاب جامعة الدول العربية، معتبرا أن تواصل جهود هذه المؤسسة، بل وتوسع نشاطها ومجالات اهتمامها، هو رسالة وفاء للزعيم الراحل الشهيد ياسر عرفات، وعنوان الاعتراف بدوره الرائد كقائد استثنائى ومُلهِم للشعب الفلسطينى فى أصعب وأعقد مراحل نضاله من أجل الحُرية والاستقلال.
وقال أبو الغيط "إن الأمم العتيدة ذات التاريخ أبداً لا تنسى أبناءها البررة، وبُناتها المؤسسين، وأن فلسطين، ولا شك، أمةٌ مكتملة الأركان، وشعبٌ يعرف قيمة البطولة الوطنية ويحتفى بها ويُخلدها، لتصير ذكرى متُجددة تُلهم أجيالاً وأجيالاً من الفلسطينيين الذى يحملون بين جوانحهم سيرة هذا الزعيم الفذ نبراساً للعمل الوطنى، وتجسيداً لكل قيم التضحية والذوبان فى القضية، وإنكار الذات".
وأضاف أن اجتماع مجلس أمناء مؤسسة عرفات اليوم هو فرصة لاستحضار ذكرى الرجل وإرثه النضالى الذى طالما مزج بين المقاومة والسياسة فى براعة شهد له بها الجميع".
وتابع أبو الغيط " نحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذا المزيج على طريق نضالنا المُشترك من أجل تحقيق حُلم عرفات بإقامة دولة فلسطين المُستقلة وعاصمتها القدس الشرقية"، مضيفا "إن تماسكنا وثباتنا على المبدأ وإيماننا بعدالة القضية هو ما سيجعل هذا الحلم حقيقة عما قريبٍ".
ومن جانبه، أكد عمرو موسى رئيس مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية أهمية هذا الاجتماع الذى ينعقد فى ظروف بالغة الخطورة لمناقشة التطورات المحيطة بالقضية الفلسطينية والعالم العربى .وبدوره، أكد سفير فلسطين لدى مصر ومندوبها الدائم بجامعة الدول العربية السفير جمال الشوبكى أن هناك تحديات خطيرة تمر بها القضية الفلسطينية على كافة الأصعدة فى ظل الاعتداءات المتوالية من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلى وتهربها من استحقاقات عملية التسوية .
كما أكد الشوبكى على أن القيادة الفلسطينية ستمضى قدما من أجل تفعيل مقررات مؤتمر باريس للسلام فى مجلس الأمن الدولى وملاحقة إسرائيل أمام محكمة الجنائية الدولية، منوها بأهمية قرار اليونسكو الخاص بعروبة القدس وقرار مجلس الأمن (2334) الخاص بتجريم الاستيطان الإسرائيلى وكذلك رفع العلم الفلسطينى فى مقر الأمم المتحدة باعتبارها خطوات داعمة للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية .
وشدد الشوبكى على إصرار الجانب الفلسطينى على مواصلة التحرك الدبلوماسى لتجاوز عقدة تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية.
ويناقش الاجتماع نشاط مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات والتقارير الخاصة بأوضاع المؤسسة، كما ستنظم المؤسسة ملتقى الحوار الثالث بعنوان "الإدارة الأمريكية الجديدة: التحديات عربيا وفلسطينيا".
يشار إلى أن مؤسسة ياسر عرفات مؤسسة مستقلة وغير ربحية تأسست بموجب المرسوم الرئاسى رقم 5 لعام 2007 والمرسوم المعدل لعام 2008 بهدف المحافظة على تراث الرئيس الراحل ياسر عرفات وتخليد ذكراه لدى الشعب الفلسطينى والشعوب العربية والصديقة والقيام بنشاطات خيرية وإنسانية واجتماعية وأكاديمية لخدمة الشعب الفلسطينى.