يبدو أن سياسة "التجويع" أصبحت سلاحا رئيسيا لدى المليشيات المسلحة فى الدول العربية التى تشهد أزمات واضطرابات أمنية، فبعد حصار القوات النظامية والميليشيات المسلحة لبلدة مضايا السورية وتجويع أكثر من 20 ألف سورى، يعيش الآن سكان مدينة الفلوجة فى محافظة الأنبار غرب العراق، كارثة إنسانية نتيجة للنقص الحاد فى المواد الغذائية وحليب الأطفال والأدوية من جراء الحصار المفروض عليها.
وتفرض قوات الجيش العراقى مدعومة بمليشيات مسلحة منذ أكثر من عام، حصارا خانقا على محيط المدينة الخارجى، تمهيداً لاقتحامها وسط قصف عنيف تشهده بشكل يومى، فى حين يتعرض السكان إلى حصار داخلى من قبل عناصر تنظيم "داعش" الإرهابى المسيطرين عليها.
وأكد المرصد العراقى لحقوق الإنسان، فى تقرير له، أن "مدينة الفلوجة تعيش منذ أسابيع وضعا إنسانيا صعبا بسبب الشح فى الغذاء فى ظل الحصار المفروض عليهم من قبل تنظيم "داعش"، الذى يحاول استخدامهم دروعاً بشرية أمام قصف القوات الحكومية".
ويمنع التنظيم العوائل من الخروج إلى مدن أكثر أمنا، ويستخدمهم دروعا بشرية، ما تسبب بوفاة 15 شخصا خلال الفترة من 24 ينايرالماضى حتى الثلاثين منه.
وقال المرصد: "هناك ما يقارب الـ100 ألف مدنى محاصر الآن فى مدينة الفلوجة، وهم أمام احتمالين الأول تعرضهم لخطر كبير جراء العمليات العسكرية، أو تعرضهم للقتل والتعذيب من قبل عناصر تنظيم "داعش".
ولفت إلى أن "الأطفال وكبار السن يعيشون أوضاعا صعبة جدا، بسبب عدم توفر الغذاء والدواء وأبسط متطلبات العيش، مما يستدعى وقفة جادة من قبل الحكومة العراقية وأصدقائها فى المجتمع الدولى لمساعدة المدنيين على تجاوز محنتهم التى يمرون بها".
ونقل المرصد عن جمال الفلوجى، الطبيب فى مستشفى الفلوجة، قوله: إن "أطفالا ونساء ورجالا من كبار السن فارقوا الحياة فى المستشفى بسبب نقص المواد الغذائية والطبية، وإن هذه الوفيات جاءت لدى كبار السن الذين يعانون من الأمراض المزمنة".
وأضاف: أن "المجاعة التى يعانيها سكان مدينة الفلوجة وضواحيها أدت إلى إصابة هؤلاء الأطفال بأمراض عديدة لم نتمكن من إسعافهم جراء الحصار المفروض"، واصفا معاناة سكان الفلوجة بـ"الإبادة البشرية".
ودعا المرصد العراقى لحقوق الإنسان "الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والمنظمات الدولية إلى أخذ دورها الإنسانى لمساعدة المدنيين الذين يرزحون تحت وطأة القتال، ومساعدة الأطفال الذين يعانون من نقص فى الغذاء والدواء".
وبحسب القانون الدولى الإنسانى، فإن "الحصار لفئة معينة من السكان وتدمير منازلهم وممتلكاتهم بشكل ممنهج، ومنع الغذاء عنهم بغية إبادتهم، يعتبر جريمة ضد الإنسانية وتدخلا فى الاختصاص الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، ويعتبر من أخطر الجرائم على المستوى القانونى الدولى".
وقال المعاون الطبى العامل فى مستشفى الفلوجة، معاذ النعيمى، عبر اتصال هاتفى مع صحيفة "الخليج أونلاين": إن "مدينة الفلوجة تمر هذه الأيام بأزمة إنسانية كبيرة بسبب الحصار المفروض عليها، حيث لا غذاء ولا دواء يدخلها"، لافتاً إلى أن "ما هو موجود من غذاء مدخر، بدأ ينفد إن لم يكن قد نفد".
وأضاف: أن "عشرات الحالات التى تعانى من سوء التغذية والتسمم الغذائى نتيجة لتعفن الغذاء المخزون، الذى يكون بعضه منتهى الصلاحية، ترد بشكل يومى إلى المستشفى"، مشيراً إلى أن "الأطفال لهم النصيب الأكبر من هذه الحالات، وخاصة حديثى الولادة نتيجة لانعدام الحليب من مدة".
من جانبها قالت المواطنة (أم إبراهيم): إن "لديها طفليها يعانيان من إسهال شديد بسبب تناولهما الخبز المتعفن وأوراق الأشجار من شدة الجوع، وإن أعراض الجفاف بدت واضحة عليهما"، لافتة إلى أنها "لم تجد سوى هذا الخبز والأوراق طعاما لها ولأبنائها منذ أكثر من شهر".
وأعربت عن خشيتها من حصول مضاعفات مرضية تزيد من سوء حالة ابنيها المتدهورة يوما بعد يوم.
بدوره، طالب رئيس مجلس محافظة الأنبار، صباح كرحوت، الحكومة العراقية والقوات الأمنية بفتح ممرات آمنة للأهالى المحاصرين داخل مدينة الفلوجة للخروج منها.
وقال فى تصريح صحفى سابق له: "إن أهالى الفلوجة يعيشون أوضاعا قاسية ومأساوية، بسبب شح المواد الغذائية والمستلزمات الطبية ومشتقات الوقود فى المدينة، وذلك لصعوبة وصولها إليهم، نتيجة للحصار المفروض من قبل القوات الأمنية فى محيط مدينة الفلوجة".
وحذر كرحوت من حدوث كارثة إنسانية ومجاعة غير مسبوقة للأهالى المحاصرين داخل الفلوجة، كما دعا القوات الأمنية إلى فتح ممرات آمنة للأهالى لتسهيل مهمة خروجهم من المدينة.