تحتفل موريتانيا اليوم الثلاثاء بالذكرى الـ 57 للاستقلال، وبدأت الاحتفالات التى شهد فعالياتها رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز برفع العلم حيث تحتضنها للمرة الأولى مدينة كيهيدى بجنوب موريتانيا.
ويكتسى الاحتفال بهذه الذكرى هذا العام، أهمية خاصة حيث سيرفع للمرة الأولى العلم الجديد الذى تبناه الموريتانيون خلال استفتاء دستورى فى الخامس من أغسطس الماضى، ويتميز بخطين أحمرين يرمزان للشهداء الأبرار الذين ضحوا بدمائهم فى ساحة الشرف دفاعا عن الأرض والعرض.
وسيرتفع هذا العلم الجديد على أنغام النشيد الوطنى الجديد كذلك، الذى يتميز هو الآخر فى الكلمات واللحن.
وتمثل ذكرى الاستقلال ذكرى عزيزة على قلوب جميع الموريتانيين، وهى مناسبة فريدة لاستعراض الخطوات الكبرى التى قطعتها البلاد على طريق التنمية والازدهار.
وفى هذا الإطار شهدت موريتانيا فى السنوات الأخيرة تطورا كبيرا فى مختلف المجالات انعكس بشكل إيجابى على حياة المواطنين خاصة الفئات الهشة.
وانطلاقا من الرؤية الثاقبة لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، والتى تعمل حكومة الوزير الأول المهندس يحى ولد حدمين على ترجمتها إلى توجهات استراتيجية حاسمة، فإن التوجه الذى رسمته الدولة يتمثل فى أن يكون القطاع الخاص هو محرك النمو الاقتصادى، لذلك كان هذا التوجه محددا أساسيا لدى صياغة الاستراتيجية التنموية الجديدة للبلد: استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك 2016-2030.
وسيؤدى تنفيذ هذه الاستراتيجية إلى زيادة الدور المنوط بالقطاع الخاص فى تطوير الاستثمارات الخصوصية من خلال ظهور شركات موريتانية أكثر تنافسية، وكذلك تحفيز الشركات الأجنبية على اختيار بلادنا لاستثماراتها المباشرة.
وقد عرف مناخ الأعمال فى موريتانيا تحسنا مشهودا خلال الفترة الماضية، جاء ثمرة لإصلاحات متتالية، حيث يثبت تصنيف ممارسة الأعمال (دوينغ بيزنس) Doing Business الذى تشرف عليه مجموعة البنك الدولى تقدم بلادنا بخطوات ثابتة لتحسين نتائجها خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.
وللنتائج التى تضمنها التقرير الجديد لهذا التصنيف الصادر فى 31 أكتوبر الماضى دلالات خاصة، فمن حيث ترتيبها تقدمت البلاد بعشر رتب هذه السنة مقابل ثمانى رتب فى التقرير الصادر قبل سنة، ومن حيث عدد الإصلاحات تم تحقيق خمسة إصلاحات مقابل أربعة قبل ذلك، وهاتان النتيجتان توثقان تتالى الإصلاحات فى مناخ الأعمال فى البلاد بوتيرة متسارعة.
ومن ناحية أخرى، فإن حصول موريتانيا على درجة قدرها 50,88% له دلالته الخاصة أيضا على تجاوز منتصف الطريق الذى سيقود لتوفير مناخ أعمال يضاهى أحسن الممارسات العالمية فى مجال اهتمامات هذا التصنيف.
وقد تجسدت هذه الإصلاحات فى خطوات متعددة ومتنوعة لامست مختلف جوانب اهتمامات المستثمرين من إصلاحات قانونية وتوفير بنى تحية وطاقة وفى هذا الإطار تمت مضاعفة الإنتاج من الطاقة الكهربائية عشر مرات كما تم إنشاء شباك موحد خاص بتوفير الطاقة ذات الجهد المتوسط خاص بالنسبة للمستثمرين مما يوفر عليهم الوقت والمال.
وفى مجال قطاع البنى التحية تم تحقيق إنجازات معتبرة من خلال مضاعفة الطرق المعبدة وكذلك توسعة الموانئ وأخرى فى طور الإنشاء.
وعلى مستوى الإطار القانونى تمت صياغة مدونة للاستثمار شملت العديد من الضمانات والمزايا والحوافر للمستثمرين، وعلى مستوى الموارد البشرية تم افتتاح العديد من المدارس والمعاهد العليا ومراكز التكوين المهنى لتخريج يد عاملة متخصصة وماهرة، كما تم إنشاء جهاز مكلف بترقية الاستثمار يضم شباك موحد يمكن من إنشاء الشركات فى ظرف لا يتجاوز 48 ساعة هو الثالث عربيا والخامس إفريقيا، كما تم إنشاء شباك موحد على مستوى الميناء يمكن هو الآخر من تسريع إنجاز تخليص البضائع مما سيمكن من تقليل التكاليف والزمن بالنسبة للزبناء.
ولتجاوز عقبة ضيق السوق المحلية تم توقيع اتفاقية مع المنطقة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (أكثر من 300 مليون) ستشكل سوقا ضخمة بالنسبة للمستثمرين فى بلادنا.
وقد مكنت هذه الجهود من جلب العديد من الاستثمارات حيث توجد 8 وحدات صناعية بعضها انطلق والبعض سينطلق قبل نهاية السنة، ومن نماذج هذه الوحدات شركة صناعة أنابيب المياه قادرة على تغطية حاجة البلد من هذه المادة وهى استثمار وطنى اجنبى مختلط، كما توجد 3 وحدات لإنتاج حديد البناء ستغطى 60% من احتياجات البلد، كما توجد 3 وحدات صناعية جديدة فى مجال المواد الغذائية (المعجونات الغذائية) ستغطى 90% من الاحتياجات.
وفى المجال السياحى سيبدأ العمل قريبا فى فندق "شيراتون " اسنيم بعد دخول مستثمرين جدد كمساهمين فى هذه المنشأة، وكذلك هناك مركب سياحى ثانى على شاطئ نواكشوط عبارة عن استثمار أجنبى يضم فندقيين احدهما 4 نجوم والثانى 5 نجوم بالإضافة إلى 52 فيلا.
كما أن توقيع العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات بين الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعى ومستثمرين محليين وأجانب قبل أيام خلال الملتقى الاستثمارى حول الثروة الحيوانية فى موريتانيا يشكل تأكيدا على نجاعة وإيجابية هذه الإصلاحات وقدرتها على جلب المستثمرين.
وتعزيزا لتلك المكتسبات، تبنت الدولة استراتيجية تعتمد على ثلاثة مرتكزات مترابطة ويعزز بعضها البعض وتشكل بحد ذاتها أهدافا استراتيجية لخلق نمو شامل من شأنه أن يخلق الازدهار الذى يخدم الجميع.
ويتمثل المرتكز الاستراتيجى الأول فى النهوض بنمو قوى ومستدام وشامل، ويتعلق الأمر بخلق الظروف الملائمة للنمو الاقتصادى المنشود عبر تحولات هيكلية تساعد على بروز وتوطيد قطاعات تخلق الثروة وفرص العمل، التى من شأنها أن تضمن الاندماج الاجتماعى وتلبى الطلب الداخلى وخاصة من خلال المبادرة الخصوصية والإبداع؛ وكذلك تحسين القدرات فى مجال التصدير وجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
أما المرتكز الاستراتيجى الثانى فهو تطوير رأس المال البشرى والنفاد إلى الخدمات الاجتماعية القاعدية ويهدف هذا المرتكز بوجه خاص إلى تطوير رأس المال البشرى عبر النهوض بجودة التعليم والصحة والنفاذ الواسع للخدمات الاجتماعية الأخرى وتعزيز الحماية الاجتماعية.
ويتمثل المرتكز الاستراتيجى الثالث فى تعزيز الحوكمة الرشيدة بكل أبعادها، وسيعزز هذا المرتكز جميع أبعادها، خاصة عبر توطيد دولة القانون والديمقراطية، والوئام الاجتماعى والإنصاف والأمن واحترام حقوق الإنسان وفاعلية التسيير الاقتصادى والمالى والبيئى وكذا تعميق اللامركزية.
وقد اعتمدت الدولة لضمان نجاح مختلف السياسات، سياسة لمحاربة الفساد تهدف إلى تكريس مبدأى الشفافية والوضوح للحد من مجالات الهدر المالى وتفعيل الإيرادات، وتقوية إجراءات الضبط والرقابة الداخلية فى المواقع التى يتوقع حصول الفساد فيها.
وهكذا تتواصل مسيرة البناء برؤية مستنيرة وخطى ثابتة وتعاون وثيق مع الشقاء والأصدقاء..