ذكرت وكالة أنباء (بلومبرج) الأمريكية أن الدعوات للتدخل العسكرى الأمريكى فى فنزويلا متنامية وكان آخرها من السناتور ماركو روبيو، حتى أن الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية لويس ألماجرو قال مؤخرا إنه لا يستبعد الخيار العسكرى.
وقالت الوكالة -فى مقال للرأى بثته اليوم الأربعاء- إنه بقدر ما يعتبر نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مدمرا لفنزويلا وشعبها؛ إلا أن الرد العسكرى، خاصة إذا كان من قبل الولايات المتحدة، غير واقعى وقد يكون أشد تدميرا، لذا يتعين على الدول المجاورة لفنزويلا وشركائها الديمقراطيين خارج النصف الغربى من العالم إيجاد حل آخر.
وأشارت إلى أن مأساة فنزويلا عميقة وتحيط بها إحصاءات مذهلة وقصص مروعة، فعلى مدار خمس سنوات فقط انكمش الاقتصاد بمعدل النصف، وازداد التضخم بشكل جنونى لما يقرب من مليون فى المئة مما أدى إلى دفع 9 من كل 10 فنزويليين دفعا للوقوع في براثن الفقر فى الوقت الذى يترنح فيه النظام الصحى وافتقرت فيه المستشفيات إلى الطواقم العاملة وأبسط الاحتياجات الأساسية.
وتابعت أن مادورو لم يفعل سوى أن يضاعف قمعه وبطشه، وباتت حكومته الآن تتعقب المواطنين عبر بطاقات الهوية الالكترونية وتهدد كل من يجول بخاطره فكرة التمرد بحرمانه من الوصول إلى الطعام والدواء الخاضعين لسيطرتها، ولجأ النظام كذلك إلى اعتقال ليس المعارضين فحسب؛ وإنما أيضا أفراد من الطبقة العسكرية والبيروقراطية فى ظل تقارير متزايدة عن عمليات تعذيب وقتل داخل السجون.
وأكدت أنه مع تعمق المأساة، وما تبعها من موجة الهروب الجماعى، تقدر الولايات المتحدة أن هناك 2.4 مليون فنزويلى هربوا من الدولة على مدار السنوات الأربع الماضية، وهو ما يمثل 7% من سكان الدولة الواقعة فى أمريكا الجنوبية.. وتقدر بعض المنظمات غير الحكومية أن ما يصل إلى 4 ملايين فنزويلي هربوا من بلدهم وباتوا يشكلون غالبية طالبى اللجوء فى الولايات المتحدة وإسبانيا.
وقالت (بلومبرج) إن المآسى الاقتصادية والسياسية والإنسانية هى كلها أسباب تدعو إلى دفع عملية تحول سياسى فى فنزويلا؛ لكن التدخل العسكرى الأمريكى ليس هو السبيل لتحقيق ذلك، إذ أن فنزويلا ليست جرينادا أو بنما اللتين غزتهما الولايات المتحدة في آخر أيام الحرب الباردة، فهى فى حجم العراق مرتين، وتترنح الآن على حافة الهاوية، وأى غزو يتطلب إعدادات على مستوى مواز، وهو ما يعنى غزوا بقوة يزيد قوامها على 100 ألف جندى.
وأضافت أنه من غير المرجح أن يتم الترحيب بالقوات الأمريكية، حيث أظهر استطلاع للرأى فى فبراير الماضى أن غالبية الفنزويليين، حتى المعارضين، يعارضون غزوا أمريكيا.. ورأت الوكالة أن أى وجود عسكرى أمريكى سيؤيد ويخدم فكرة مؤامرات الاستعمار التى يروج لها مادورو علنا.
وتابعت "إنه إذا دخلت القوات الأمريكية فنزويلا فسيتعين عليها البقاء لوقت طويل، حيث أن شبكات الكهرباء وأنظمة الصرف الصحى والمستشفيات والمدارس والبنى التحتية الأساسية متهالكة، ناهيك عن أن مئة ألف من الفنزويليين مسلحون وينضوون تحت لواء عصابات (كوليكتيفو)، التى يرجح أن تكشر عن أنيابها معلنة العصيان حال انهيار نظام مادورو".
وأشارت إلى أن تجار المخدرات حولوا فنزويلا إلى نقطة عبور رئيسية إلى أوروبا والولايات المتحدة وهو ما يفاقم من مشكلة انعدام القانون.. ونظرا للانقسامات السياسية والاقتصادية وعدم وجود حكومة متماسكة تحل محل نظام مادورو فإن جهود إعادة إعمار الدولة ستتطلب عملية تستغرق وقتا طويلا، وأى فشل سيكون بمثابة شوكة تشعر الولايات المتحدة بوخزها.
وقالت الوكالة إنه نظرا لهذه المخاطر، دعا البعض إلى تشكيل قوة متعددة الجنسيات تشارك فى تحمل العبء؛ لكن جيران فنزويلا لا يرحبون بهذه الفكرة، إذ أظهرت استطلاعات الرأى فى هذه الديمقراطيات أنها ضد التدخل كما أن جيوش أمريكا اللاتينية لا تقبل أن تكون مجرد دسيسة لغزو الدول الاخرى، ويقتصر نشاطها خارج حدودها على بضع آلاف من قوات حفظ السلام فى هايتى والكونغو ونحو 400 جندى سلفادورى شاركوا فى تحالف غزو العراق فى عام 2003.
وأضافت أن التداعيات السياسية لغزو العراق على الولايات المتحدة عبرة وعظة لأى زعيم منتخب فى أمريكا اللاتينية يفكر في الإقبال على المشاركة فى خطوة مماثلة.
وأردفت "إن هذا لا يعنى أنه يجب ألا نفعل شيئا، فهذه المنطقة فى حاجة إلى أن تتجاوز مرحلة الحديث، وأن تنضم إلى الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبى وكندا وسويسرا وبنما بفرض عقوبات على قادة فنزويلا وتجميد أرصدتهم البنكية، بما يجعل الحياة شديدة الصعوبة على من يقودون هذه الدولة اليوم.. وأوضحت الوكالة أنه بوسع الدول اللاتينية أن تركن إلى زملائها فى كوبا التى مازال يثق فيها الفنزويليون لدفع التغيير، كما أنه يتعين على هذه الدول إثارة المسألة مع الصين التى هى حاليا الممول الرئيسى لنظام مادورو".
وأوضحت الوكالة أن أمريكا بوسعها زيادة المساعدة لاولئك الهاربين من الديكتاتورية فى فنزويلا.. مشيرة إلى أنه حتى الآن قدمت إدارة ترامب ما يقل عن 70 مليون دولار كمساعدات إنسانية، ورفضت تقريبا نصف طلبات اللجوء التى تقدم بها الفنزويليون.
وأكدت الوكالة أنه يتعين على أمريكا أن تدفع مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين لتصنيف مأساة فنزويلا كـ "أزمة لاجئين" لتوفر الحماية القانونية للهاربين من جحيمها على أن تقدم بعد ذلك المساعدات لهؤلاء المنكوبين.. وأشارت الوكالة إلى أنه إذا أخذنا سوريا مثالا فإن دعم مليون لاجئ يتطلب ما يتراوح بين 3 و 5 مليار دولار سنويا وهو ثمن وإن كان يبدو مذهلا؛ غير أنه أقل بكثير مما أنفقته الولايات المتحدة فى تدخلها عسكريا فى العراق وأفغانستان.
وقالت إن مأساة فنزويلا لا تلحق الضرر بمواطنيها فحسب؛ بل إنها بدأت فى تمزيق النسيج الاقتصادى والاجتماعى والسياسى فى عديد من الدول المجاورة لها وبدلا من دفع إجراءات عسكرية غير بناءة وعفا عليها الزمن يجب على جيران فنزويلا بدء إجراءات إنسانية ومالية ودبلوماسية صعبة ولكن لا مفر منها بهدف تحقيق التغيير الاقتصادى والسياسى واستغلال الثروات الجماعية للمنطقة.