تحيى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة " اليونسكو" غدا الذكرى الخامسة لليوم الدولى لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين 2018 تحت شعار " تعزيز التعاون الإقليمى لإنهاء الإفلات من العقاب للجرائم والاعتداءات ضد الصحفيين فى العالم العربي" .
ويهدف هذا الحدث إلى تحديد الخطوات التى ينبغى اتخاذها والتدابير الملموسة من أجل تعزيز المكافحة ضد الإفلات من العقاب فى ما يتعلق بالجرائم والاعتداءات ضد الصحفيين فى العالم العربي، على أن تدرج هذه المسألة فى إطار الجهود العالمية المبذولة لتعزيز حقوق الإنسان الأساسية٠
ففى خلال السنوات الـ 12 الأخيرة (2006 – 2017)، قتل ما يقارب 1010 صحافيين وهم يؤدون عملهم بنقل الأخبار والمعلومات إلى القراء والمشاهدين ، ويشكل هذا الرقم ما يوازى معدل وفاة صحافى كل 4 أيام، وفى 9 حالات من أصل 10 يبقى الفاعل بلا عقاب. فإن الإفلات من العقاب يؤدى إلى مزيد من جرائم القتل كما أنه دليل على تفاقم الصراع وعلى تداعى القانون والأنظمة القضائية. لذا تخشى اليونسكو أن يؤدى الإفلات من العقاب إلى زعزعة مجتمعات بكاملها من جراء إخفاء انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان والفساد والجرائم. فى هذا الصدد يطلب من الحكومات والمجتمع المدنى والإعلام وكل المعنيين بدعم سيادة القانون أن ينضموا إلى الجهود العالمية لإنهاء مشكلة الإفلات من العقاب.
وستقوم اليونسكو غدا الجمعة بتنظيم مؤتمر إقليمى للاحتفال بهذه المناسبة فى العاصمة اللبنانية بيروت ، وذلك بمشاركة ممثلين من الدول الأعضاء واللجان الوطنية لحقوق الإنسان والجهاز القضائى ووسائل الإعلام وأعضاء المجتمع فى العالم العربي، لا سيما فى الدول التى شهدت عدداً كبيراً من حالات قتل الصحفيين خلال السنوات الأخيرة.
وبسبب عواقب الإفلات من العقاب بعيدة المدى خاصة فى ما يتعلق بالجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 163/ 68 فى عام 2013 الذى تم فيه إعلان يوم 2 نوفمبر من كل عام يوما عالميا لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين. ويحث هذا القرار الدول الأعضاء على اتخاذ تدابير جازمة لوضع حد لثقافة الإفلات من العقاب. وقد تم اختيار هذا التاريخ كذكرى لمقتل صحافيين فرنسيين فى جمهورية مالى فى 2 نوفمبر 2013.
وقد أشار أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة فى رسالة له بهذه المناسبة ، إلى أنه فى فترة لا تكاد تتجاوز عقدا من الزمن، قتل ما يزيد على 1000 صحفى وهم يؤدون عملهم الذى لا غنى عنه. وفى 9 من كل 10من الحالات، تبقى القضية دون حسم ولا يخضع أحد للمحاسبة . وغالبا ما تكون الصحفيات أكثر تعرضا للاستهداف، لا بسبب التقارير التى يعددنها فحسب، وإنما أيضا بسبب كونهن إناثا، ويشمل ذلك تعرضهن لخطر العنف الجنسي.
وأضاف غوتيريش ، أنه قد قتل فى هذا العام وحده ما لا يقل عن 88 صحفيا. وتعرض ألوف عديدة أخرى من الصحفيين للاعتداء أو المضايقة أو الاحتجاز أو السجن بتهم مزيفة ودون مراعاة الأصول القانونية الواجبة. وهذا وضع شنيع ولا ينبغى أن يصبح هو الوضع الاعتيادى الجديد. ذلك أنه عندما يستهدف الصحفيون فإن المجتمعات تدفع الثمن ككل.
واستطرد قائلا " يساورنى القلق البالغ من ازدياد عدد الاعتداءات ومن سيادة ثقافة الإفلات من العقاب، ومن ثم فإننى أناشد الحكومات والمجتمع الدولى توفير الحماية للصحفيين وخلق الظروف التى يحتاجونها لمزاولة عملهم. وأود أن أغتنم مناسبة هذا اليوم لأحيى الصحفيين الذى يؤدون عملهم كل يوم بالرغم مما يتعرضون له من ترهيب ويتهددهم من أخطار. فعملهم - وعمل من قضى من زميلاتهم وزملائهم - يذكرنا بأن الحقيقة لا تموت أبدا. وكذلك يجب ألا ينطفئ وهج التزامنا بالحق الأساسى فى حرية التعبير. إن كتابة التقارير الصحفية ليس جريمة". ودعا غوتيريش إلى أن نقف معاً دفاعا عن الصحفيين من أجل الحقيقة والعدالة.
فى الوقت نفسه أشارت أودرى أوزلاى المديرة العامة لليونسكو ، فى رسالة مماثلة بهذه المناسبة ، إلى أن اليونسكو ستستهل حملة جديدة فى يوم 2 نوفمبر باستخدام الوسم #الحقيقة_لا_تموت لزيادة الوعى العام بمسألة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين. وترمى هذه الحملة إلى التشجيع على نشر مقالات كتبها صحفيون قتلوا فى أثناء أداء عملهم أو مقالات لتخليد ذكراهم.
وأشارت إلى أن المنظمة أعدت مجموعة أدوات لهذا الغرض لكى تستخدمها وسائل الإعلام التى ترغب فى المشاركة فى الحملة. وقالت " تقع علينا مسؤولية الحرص على عدم إفلات مرتكبى الجرائم ضد الصحفيين من العقاب، وتهيئة ظروف عمل آمنة للصحفيين ومواتية لتنمية الصحافة الحرة التى تتسم بالتعددية ، ولن يسعنا بناء مجتمعات منصفة ومسالمة تصبو حقاً إلى المستقبل إلا بتحقيق هذه الشروط الضرورية".
فى سياق متصل ، يشير تقرير اليونسكو عن "الاتجاهات العالمية على صعيد حرية التعبير وتطوير وسائل الإعلام" لعامى 2017 – 2018 ، إلى ازدياد فى الاعتداءات والمضايقات التى تتعرض لها الصحفيات ، ولا سيما عبر الإنترنت. وقد بات التصدى لهذه الأخطار المحددة التى تتعرض لها الصحفيات ، وسائر العاملين فى هذا المجال أمراً ملحاً. وخلال العقد الماضي، لم تجر إدانة مرتكبى الاعتداءات ضد العاملين فى وسائل الإعلام سوى فى إطار قضية واحدة من أصل عشر قضايا، الأمر الذى يثير القلق.
ويؤكد التقرير أن الإفلات من العقاب يشجع مرتكبى الجرائم وتكون له، فى الوقت عينه، آثار رهيبة على المجتمع ككل، بما فى ذلك الصحفيين أنفسهم. وتشير الحقائق والأرقام الصادرة عن اليونسكو إلى أنه فى خلال الـ 12 الأخيرة ( 2006- 2017) قتل ما يقرب من 1010 صحافيين ، وأن 9 من أصل 10حالات قتل صحفيين لا تزال غير محلولة. وأن 93 % من حالات قتل الصحفيين هى لصحفيين محليين، و7% فقط من المراسلين الأجانب. وأن 93 % من الصحفيين الذين قتلوا هم من الرجال، بينما 7% منهم من النساء.
وتوضح الإحصائيات أن نسبة حالات قتل الصحفيين حسب المناطق ، جاءت على النحو التالى : 33.5% فى المنطقة العربية ؛ 26 % فى آسيا ومنطقة المحيط الهادىء؛ 22.9% من أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي؛ 11.6% من أفريقيا ؛ 4% من أوروبا الوسطى والشرقية ؛ 2.5% من أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
وكشف تقرير منظمة مراسلون بلا حدود ، عن أنه بحلول الأول من أكتوبر 2018، كان ما لا يقل عن 56 صحفياً قد لقوا حتفهم فى مختلف أنحاء العالم بسبب نشاطهم الإعلامي، ناهيك عن أكثر من اثنتى عشرة حالة أخرى لا تزال قيد التحقيق من قبل منظمة مراسلون بلا حدود، هو ما يعكس سجلاً مأساوياً يتجاوز الحصيلة الإجمالية لعام 2017، الذى شهد مقتل ما مجموعه 55 صحفياً محترفاً. كما يلاحظ أن أكثر من نصف قتلى 2018 سقطوا فى مناط الحرب حتى الآن. بينما شهدت سنة 2017 أقل عدد من القتلى فى أوساط الإعلاميين منذ 14 عاماً، ولكن تبدو الحصيلة مختلفة تماماً هذا العام.
ويقول "كريستوف ديلوار" الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود ، فى هذا الصدد بتقرير المنظمة ، "بينما نحن على وشك كشف النقاب عن نصب الصحفيين القتلى خلال عام 2018 فى مايو، من المهم الإشادة بكل أولئك الرجال والنساء الذين لقوا حتفهم أثناء إجراء تحقيقات أو تغطية أحداث فى مناطق الحرب".
وأضاف ديلوار، أن هذا العدد المروع للقتلى يذكرنا بالحاجة الملحة لتعزيز حماية الصحفيين، مؤكداً فى الوقت ذاته دعوة منظمة مراسلون بلا حدود إلى تعيين ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة، حيث تحظى مبادرتنا هذه بدعم متزايد من الدول إلى جانب 130 جهة فاعلة من وسائل إعلام ومنظمات ونقابات فى مختلف أنحاء العالم.
ميدانيا ، شهدت أفغانستان أكبر عدد من الصحفيين القتلى خلال العام الجاري، حيث لقى 13 صحفياً مصرعهم فى البلاد حتى الآن. ففى يوم 30 أبريل 2018 وحده، قتل ما لا يقل عن 10 فاعلين إعلاميين : 9 من بينهم مصور وكالة فرانس برس على إثر عملية تفجير مزدوجة فى كابول، فى ما اعتبر الهجوم الأكثر دموية من بين الهجمات التى استهدفت الصحافة فى أفغانستان منذ سقوط طالبان عام 2001؛ وبعدها بساعات قليلة، تم اغتيال "أحمد شاه" الذى كان يعمل فى هيئة الإذاعة البريطانية، حيث أطلق عليه النار مجهولون فى مدينة خوست (شرقى البلاد).
ومنذ بداية العام، قتل ما مجموعه 29 صحفياً (52%) فى مناطق الحرب أو النزاعات المسلحة. فبالإضافة إلى أفغانستان، سجلت حصيلة مهولة فى اليمن بما مجموعه 5 قتلى، علماً أن الصحفيين عندما لا يلقون حتفهم تحت وابل القنابل والقذائف فى هذا البلد الذى يقبع فى المرتبة 167 (من أصل 180 دولة) على التصنيف العالمى لحرية الصحافة ، فإنهم يرزحون داخل السجون، حيث يتعرضون لشتى أنواع سوء المعاملة. وهى الحالة التى تنطبق على الصحفى اليمنى "أنور الراكان" الذى ظل رهينة لدى الحوثيين لمدة عام تقريباً، حيث تم إطلاق سراحه وهو على وشك الموت، ليلفظ أنفاسه الأخيرة يوم 2 يونيو. ووفقاً لشهادة أسرة أنور الراكان، فإن هذا الأخير كان فى وضع صحى متدهور بسبب ما تكبده من جوع وتعذيب ومرض أثناء الاحتجاز، وهو ما تأكد من خلال صور نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث ظهر جسد الصحفى هزيلاً وشاحباً. هذا ولا يزال الحوثيون يحتجزون ما لا يقل عن 10 صحفيين ، حيث يبقى مصيرهم جميعاً مجهولاً بشكل تام، علماً أن الحصيلة مرشحة للارتفاع.
وعلى مستوى الدول الأفريقية ، فقد شهدت القارة مقتل صحفيين اثنين فى الصومال. بينما فى جمهورية أفريقيا الوسطى، لا يزال الغموض قائما حول قضية اغتيال 3 صحفيين روس فى 31 يوليو ، حيث طرحت العديد من علامات الاستفهام حول مقتلهم على أيدى مسلحين مجهولى الهوية، علماً بأن الصحفيين الثلاثة كانوا يحققون فى وجود مرتزقة تابعين لشركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة والمعروفة أيضاً بأنشطتها فى سوريا. أما مرافقهم، فقد اختفى فى ظروف غامضة ولم يتم التعرف على هويته الحقيقية حتى الآن. وإذا كانت سلطات جمهورية أفريقيا الوسطى ونظيرتها الروسية قد فتحت تحقيقاً فى الحادث، فإنها لم تقدم بعد أية معلومات تشير إلى هوية مرتكبى هذه الجريمة. وقد قتل صحفيان محترفان فى كل من باكستان وفلسطين وسوريا منذ بداية العام الجاري. صحيح أن عدد المراسلين القتلى فى سوريا قد انخفض مقارنة بالعام الماضي، الذى سجل سقوط 9 صحفيين محترفين ضمن ضحايا النزاع، لكن هذا التراجع يجب ألا يحجب عن الأنظار المخاطر المتزايدة التى يتعرض لها الصحفيون- المواطنون السوريون أثناء محاولتهم لتوثيق الأحداث فى سياق النزاع، حيث قتل منهم 6 بالإضافة إلى معاون إعلامى منذ يناير 2018.
وفى الضفة الأخرى من العالم، يعتبر المكسيك الذى يحتل المرتبة 147 من تصنيف مراسلون بلا حدود البلد، الأخطر على الصحافيين فى القارة الأمريكية. ففى 2018 قتل 5 صحافيين بشكل فظيع وتم تهديد 14 آخرين بالموت منذ بداية هذه السنة. "البارتو اسكورسيا" أحد هؤلاء الصحافيين، ولقد تلقى عدة تهديدات على خلفية تحقيق أعده حول الجيش الالكترونى الذى يستهدف الصحافيين فى المكسيك. وقد ساعدته مراسلون بلا حدود على ضمان سلامته خارج حدود بلاده. ومثّل الأمر مساعدة مباشرة تقوم بها المنظمة فى بلدان أمريكا اللاتينية لدعم الصحافيين وأحيانا عائلاتهم للهروب من التهديد.
إن الإفلات من العقاب يغذى حلقة مفرغة، إذ يتشجع مرتكبو الجرائم ضد الصحفيين عندما يرون الآخرين يفلتون من العقاب . وبقاء الاعتداءات المرتكبة ضد الصحفيين من دون عقاب إنما يوجه رسالة سلبية للغاية مفادها أن نقل "الحقيقة المربكة" أو "الآراء غير المرغوب فيها" من شأنه أن يضع الأشخاص العاديين فى ورطة. وإضافة إلى ذلك، يفقد المجتمع الثقة بنظامه القضائى الذى يتعين أن يحمى الجميع من الاعتداءات التى تطال حقوقهم. ومرتكبو الجرائم ضد الصحفيين يتشجعون بالتالى عندما يدركون أنهم قادرون على مهاجمة أهدافهم من دون أن يضطروا إلى المثول أمام العدالة أبدا . ودعا التقرير إلى أنه لا يمكن فصل مكافحة الإفلات من العقاب عن الدفاع عن الحريات الأساسية مثل حرية التعبير وحرية الصحافة والوصول إلى المعلومات.
وإذ تعد هذه الحريات لبنات بناء المجتمعات المستنيرة ومجتمعات المعرفة الحقيقية فإن مكافحة كل ما يعيق ممارستها يندرج مباشرة فى إطار أنشطة المنظمة الشاملة لتحقيق التنمية المستدامة.