مع نهاية الحرب العالمية الثانية، لجأ الحلفاء لملاحقة القادة النازيين والفاشيين السابقين لإجبارهم على المثول أمام العدالة عقب توجيه تهم لهم بالتسبب في اندلاع نزاع عالمي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
أمام هذا الوضع، لم يتردد عدد كبير من مجرمي الحرب النازيين في مغادرة ألمانيا، بحثاً عن ملاذ آمن بمناطق أخرى من العالم.
في الأثناء، عثر هؤلاء النازيون على ضالتهم بالجزء الآخر من المحيط الأطلسي، حيث مثّلت دول جنوب القارة الأمريكية أفضل مكان بالنسبة إليهم.
وعلى حسب تقديرات ألمانية، فرّ نحو 9 آلاف من النازيين نحو القارة الأميركية عقب نهاية الحرب العالمية واستقر ما بين 1500 و2000 منهم بالبرازيل وما بين 500 و1000 آخرين بالتشيلي، بينما فضّلت النسبة الأكبر منهم الأرجنتين فاستقر 5000 منهم بها.
ومنذ قرون ارتبطت الأرجنتين بالدول التي اعتمدت أنظمة ديكتاتورية بأوروبا خلال القرن العشرين، حيث استعمرت إسبانيا هذه الدولة اللاتينية واستقر عدد كبير من الإسبان بها وتحولت الإسبانية للغتها الرسمية، ومن جهة ثانية هاجر الكثير من الألمان والإيطاليين واستقروا بالأرجنتين فشكلوا بها مجتمعات وارتبطوا بعلاقات وثيقة مع سكانها.
أيضا، تواجد رئيس الأرجنتين المستقبلي خوان بيرون (Juan Perón) خلال السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية بإيطاليا التي عمل بها كملحق ومبعوث عسكري أرجنتيني فواكب النجاحات العسكرية النازية وأبدى إعجابه الشديد بشخصية الدوتشي الإيطالي بينيتو موسوليني.
وعلى الرغم من حفاظ بلادهم على موقف الحياد بالنزاع العالمي، ساند أغلب الأرجنتينيين ألمانيا النازية فتعرضت الجالية اليهودية بالأرجنتين للعديد من المعاملات السيئة بسبب انتقال الشعور المعادي لهم من ألمانيا نحو الأرجنتين، كما تزامن ذلك مع رفض السلطات الأرجنتينية حينها استقبال المهاجرين اليهود القادمين من أوروبا. أيضا، لجأت الأرجنتين لإقتناء كميات هامة من السلاح الألماني خوفاً من نزاع عسكري محتمل مع البرازيل.
وحاولت التدخل لعقد صلح ينهي الحرب العالمية الثانية قبل أن تجبر على الانضمام لصفّ الحلفاء سنة 1944 بعد تعرضها لضغوطات أميركية.
ومع نهاية هذه الحرب واستسلام ألمانيا، اتجه الجنرال خوان بيرون منذ توليه الرئاسة سنة 1946 لاستقطاب نسبة كبيرة من قادة فرق الأس أس والمسؤولين النازيين السابقين نحو بلاده واضعاً بذلك شبكة كاملة لمنح هؤلاء أموالا وهويات مزورة للسفر نحو الأرجنتين. ومن خلال كل ذلك، آمن بيرون حينها بإمكانية قيام بلاده بعملية مشابهة لتلك التي قادها السوفيت والأميركيون لنقل العلماء الألمان، حيث توقّع الرئيس الأرجنتيني اندلاع حرب عالمية ثالثة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية بعد سنوات قليلة فاتجه لتزويد بلاده بالخبرة العسكرية والسياسية الألمانية المعادية للشيوعية لتكوين جيش قوي ومنح الأرجنتين مكانة هامة بالحرب المحتملة.
وبسبب ذلك، استقبلت الأرجنتين عدداً من كبار المجرمين النازيين ووفرت لهم هويات مزورة ووظائف ورواتب كالطبيب جوزيف منجليه (Josef Mengele) الملقب بملاك الموت والمسؤول عن تجارب أجريت على البشر، حيث استقر الأخير بالأرجنتين قبل أن ينتقل لاحقا نحو الباراغواي والبرازيل.
سنة 1955، أزيح بيرون من الرئاسة عقب انقلاب ناجح ليبتعد بذلك عن السياسة قرابة 20 عاماً، ويعود مجددا لرئاسة البلاد سنة 1973.
ومع رحيل بيرون خلال تلك الفترة، فقد النازيون السابقون بالأرجنتين سندا هاما لتبدأ بذلك عملية ملاحقتهم.
وبينما وافقت الأرجنتين على تسليم عدد منهم من أمثال غيرهارد بوهن (Gerhard Bohne)، وقع البعض في يد الموساد الإسرائيلي، حيث اعتقل عملاؤه ببيونس آيرس المسؤول النازي السابق أدولف آيخمان (Adolf Eichmann)، الذي انتحل شخصية ريكاردو كليمنت (Ricardo Klement)، لمحاكمته وإعدامه شنقا بسجن الرملة مطلع شهر حزيران/يونيو 1961.