يعد الإنجاز الأساسى لاتفاق إيران النووى، هو إبقاء طهران على مسافة ليست بالقليلة من امتلاك أسلحة نووية، لكنه الآن يتلاشى.
وتمحورت العديد من القيود التى فرضها الاتفاق الموقع فى 2015 على الأنشطة النووية الإيرانية حول هدف واحد: تمديد الوقت الذى قد تحتاجه طهران لإنتاج كمية من المواد الانشطارية الكافية لصنع قنبلة نووية واحدة، إذا قررت ذلك، من شهرين أو ثلاثة أشهر لعام على الأقل.
وتقول إيران على الدوام إنها لم تسع أبدا لامتلاك أسلحة نووية ولن تفعل، وقالت منذ فترة طويلة إن أنشطة التخصيب هى لأغراض مدنية بما يشمل الطاقة النووية والاستخدام فى المشروعات البحثية فى المستقبل.
وبدأت طهران العام الماضى فى تقليص التزاماتها تدريجيا بالقيود المفروضة بموجب الاتفاق ردا على قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بسحب بلاده من الاتفاق فى مايو 2018 وإعادة فرض العقوبات الأمريكية مما أدى إلى خفض حاد فى صادرات قطاع النفط الحيوى لإيران.
وأظهرت تقارير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية التى تراقب تطبيق الاتفاق أن تلك الخطوات التى أقدمت عليها طهران مؤخرا أدت لخفض الوقت الذى يفصل إيران عن امتلاك سلاح نووى قليلا على الرغم من أنها ما زالت بعيدة عن تحقيق قفزات على هذا الطريق.
لكن انتهاكات الاتفاق كانت كافية لتدفع الدول الأوروبية الموقعة عليه إلى تفعيل آلية فض المنازعات مما طرح احتمال عودة العقوبات الدولية من الأمم المتحدة على إيران بعد رفعها بموجب الاتفاق.
* ما الذى فعلته إيران؟
خالفت إيران الكثير من القيود الأساسية فى الاتفاق لكنها قالت إنها ستواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفتشيها. وفرض الاتفاق على إيران أكثر أنظمة التفتيش والتحقق صرامة فى العالم وهى ملتزمة بالانصياع لذلك حتى الآن.
- اليورانيوم المخصب: يحد الاتفاق من مخزون إيران من اليورانيوم المخصب إلى 202.8 كيلوجرام وهو ما يقل عن نصف الكمية التى كانت تنتجها فى كل فصل قبل توقيعه مع القوى العالمية. كما يشكل أيضا قدرا ضئيلا من الأطنان التى كانت بحوزتها. وكان ذلك البند أول ما خالفته إيران العام الماضى وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تلك المخالفة فى الأول من يوليو ، ويقول التقرير الفصلى الأحدث الصادر عن الوكالة فى نوفمبر تشرين الثانى إن المخزون وصل إلى 372.3 كيلوجرام وبالطبع تتزايد الكمية منذ ذلك الحين.
- مستوى التخصيب: يحد الاتفاق من درجة نقاء المواد الانشطارية التى يمكن لإيران تخصيب اليورانيوم إليها عند 3.67 بالمئة وهو ما يقل كثيرا عن مستوى 20 بالمئة الذى كانت طهران تقوم به قبل الاتفاق ومستوى تصنيع الأسلحة البالغ 90 بالمئة. خالفت إيران ذلك الحد فى الثامن من يوليو تموز. ومنذ ذلك الحين ظل مستوى التخصيب مستقرا عند ما يصل إلى 4.5 بالمئة.
- أجهزة الطرد المركزي: يسمح الاتفاق لإيران بإنتاج اليورانيوم المخصب من خلال نحو خمسة آلاف جهاز طرد مركزى فقط من الجيل الأول (آي.آر-1) فى مفاعل نطنز. ويسمح الاتفاق أيضا لها بتشغيل عدد صغير من أجهزة الطرد المركزى الأكثر تقدما والأسرع إنتاجا وذات الكفاءة الأعلى دون تكديس اليورانيوم المخصب. وكان لدى إيران نحو 19 ألف جهاز طرد مركزى قبل الاتفاق.
أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى 25 سبتمبر أن إيران بدأت التخصيب بأجهزة طرد مركزى متطورة لكن بعدد يقل كثيرا عن أجهزة الجيل الأول. وأعادت إيران تشغيل خطين كانت قد فككتهما بموجب الاتفاق كما قامت بتركيب سلاسل أصغر من طرازات أخرى. وإذا بدأت تلك السلاسل الجديدة فى العمل فمن المرجح أن يزيد إنتاج إيران من اليورانيوم المخصب. ولم تخالف الجمهورية الإسلامية بعد الحد المسموح به من أجهزة الطرد المركزى من الجيل الأول فى نطنز.
- فوردو: يحظر الاتفاق أنشطة التخصيب فى فوردو، وهو موقع بنته إيران سرا داخل جبل وكشفته أجهزة مخابرات غربية فى 2009. ويسمح الاتفاق بوجود أجهزة طرد مركزى هناك لأغراض أخرى مثل إنتاج النظائر المستقرة. واستأنفت إيران أنشطة التخصيب فى ذلك الموقع فى التاسع من نوفمبر لكن بعدد محدود فحسب من أجهزة الطرد المركزى من الجيل الأول.
* ما مدى قرب إيران من امتلاك قنبلة الآن؟
قللت الانتهاكات من الوقت المطلوب لامتلاك سلاح نووى قليلا لكن تقديرات ذلك تتفاوت حاليا. كما يعتقد العديد من الدبلوماسيين والخبراء فى المجال النووى إن التقديرات الأولية التى حددت تلك المدة بعام كانت متحفظة.
وأحجم دبلوماسى أوروبي، كان قد حدد الوقت اللازم لإيران لامتلاك سلاح نووى من قبل بأنه 12 شهرا، عن تقديم تقدير جديد لكنه قال إن الخطوات التى تتخذها إيران حاليا "لها تأثير خطير".
وأشار دبلوماسى آخر لبيان من وزير الخارجية الفرنسى قبل أيام قال فيه إن امتلاك إيران قنبلة نووية قد يستغرق ما بين عام وعامين لكن لم يتضح إن كان يقصد المواد المشعة اللازمة أم السلاح نفسه.
وقال ديفيد أولبرايت، وهو مفتش أسلحة سابق للأمم المتحدة وينتهج موقفا متشددا حيال إيران، إن طهران يمكنها خلال ما بين خمسة وعشرة أشهر تكديس 900 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب لمستوى 4.5 بالمئة بالمعدل الحالى للإنتاج. وهذا الكم إذا خضع لمزيد من التخصيب قد ينتج 25 كيلوجراما من اليورانيوم المخصب لمستوى تصنيع الأسلحة والمطلوب لقنبلة واحدة.
* ما الذى تحتاج إيران للقيام به؟
حتى إذا راكمت إيران كمية كافية من المواد الانشطارية فإنها ستكون فى حاجة لتصنيع قنبلة، وستكون صغيرة على الأرجح حتى تستطيع تحميلها على صواريخها الباليستية. ولم يتضح بعد الوقت الذى قد تستغرقه تلك الخطوة لكن إنتاج ما يكفى من المواد الانشطارية يعتبر على نطاق واسع أكبر عقبة أمام تصنيع سلاح نووي.
وتعتقد أجهزة المخابرات الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كان لديها فى وقت من الأوقات برنامج أسلحة نووية أوقفته فيما بعد. وهناك أدلة تشير إلى أن إيران حصلت على تصميم لسلاح نووى وقامت بأنشطة متنوعة متعلقة بتصنيع سلاح من هذا النوع.
وقالت ثلاثة مصادر حكومية أمريكية إن خبراء من المخابرات الأمريكية يعتقدون أن إيران لم تبد بعد أى نية لتمزيق الاتفاق النووى بالكامل ويستندون فى ذلك إلى استمرار طهران فى السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول لمنشآتها النووية المعلنة.