فى الأزمات الاقتصادية يخسر الجميع تقريبا، على الأقل من حيث القيمة الإجمالية، ومع ذلك تفقد بعض الاقتصادات أكثر من غيرها، قد يكون هذا الاختلاف ضروريا لمواجهة الانتعاش وتقليل معاناة السكان ، وذلك مثل الذى حدث بين عامى 2008 و2013، ولكن خلال أزمة كورونا تظهر ألمانيا مرة أخرى الدولة التى تتعامل بشكل أفضل مع الركود.
يبدو أن هناك نوعين من البلدان فى أوروبا، البلدان التى تنمو أكثر خلال التوسعات ثم تفقد كل شىء فى فترات الركود مثل إسبانيا، وتلك التى تنمو بشكل معتدل ولكنها تتفوق عن ما حولها فى فترات الركود، مثل ألمانيا.
وترى صحيفة "الإكونوميستا" فى تقرير تحليلى نشرته على موقعها الإلكترونى أن "تحليل بيانات الدخل الفردى مع تعادل القوة الشرائية أكد أن ألمانيا تتجه نحو متوسط الاتحاد الأوروبى عندما تسير الأمور بشكل جيد لأن بقية البلدان تنمو بشكل أسرع، لذلك فإن الأزمة الصحية والاقتصادية الأفضل فى ألمانيا جعلت البلاد تحت حكم أنجيلا ميركل "الفائز" فى الأزمة.
وأشار التقرير إلى أنه تقريبا جميع التوقعات تراهن على ركود عميق (بين 6 و 8 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي) ، ولكن أكثر اعتدالا بكثير من جيرانها لليورو ، مع انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي قد يكون نصف ذلك في إيطاليا أو إسبانيا أو فرنسا.
ما هو السر؟
الأزمة الحالية لم تكن اقتصادية فقط ، بل صحية واقتصادية ، مما يجعل الخسائر أكبر ، وقال التقرير "لقد عادت ألمانيا للخروج من أزمة كورونا العالمية باعتبارها قصة نجاح بلا منازع ، كما أنها ستصبح نموذجا لكيفية التعامل مع الأوبئة فى المستقبل، فهى حتى الآن أقل دولة سجلت عدد الوفيات لكل مليون نسمة من أى عدد كبير من السكان فى الدول الصناعية، على سبيل المثال ، في إسبانيا ، كان هناك 508 حالة وفاة لكل مليون نسمة ، بينما كانت النسبة في ألمانيا 105.
وأكد التقرير أن قدرة ألمانيا الواسعة على إجراء اختبارات لكورونا بسرعة وبشكل موسع ، جعل أمر احتواء الفيروس أفضل بكثير عن الدول المجاورة لها، ، كان لدى ألمانيا بالفعل أكبر عدد من أسرة العناية المركزة من بين 22 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، والغالبية العظمى من هذه الأسرة لديها مراوح، مما ساهم فى أنها اصبحت أقل الدول التى عانت من اتخفاض فى الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 2.2% مقارنة ب5.3% فى فرنسا وإيطاليا، و5.2% فى إسبانيا.
فعرفت ألمانيا كيفية الاستجابة السريعة والشاملة لتفشى عدوى كورونا، وقبل كل شئ ،كان نظام الرعاية الصحية قادرا على تقديم مساعدات فورية ، حتى أن الفرق الطبية قامت بالتبرع ب 50 جهاز تنفس صناعى لإسبانيا فى مرحلة الذروة، بما فى ذلك وحدات العناية المركزة ، دون نقص فى عدد العاملين الطبيين، وقبل كل شئ لا يوجد أى نقص فى الاختبارات.
كما أن ألمانيا قامت بالمحافظة على نهج السياسة المالية، من خلال نشر موارد مالية كبيرة بسرعة لاحتواء الفيروس مما خلق أكبر استجابة مالية من بقية البلدان المتقدمة، وفى الوقت التى تفكر فيه إسبانيا فى رفع الضرائب، خفضت ألمانيا من القيمة المضافة لمحاربة الأزمة.
وأيضا حفاظ ألمانيا على نظام ضمان اجتماعى موحد ومتماسك للغاية ، خدم المواطنين فى عالم العمل، فهو يوفر مستوى عال من الحماية للقوى العاملة الألمانية، ويعلمل كأداة فعالة للتغلب على الصعوبات بين الموظفين والشركات.
وأيضا الشركات والنقابات المسئولة وطويلة الأمد، خاصة فى الشركات العائلية ، التى تعتبر العمود الفقرى للاقتصاد الألمانى ، فكان لديها شعور قوى بالمسئولية والثقة المتبادلة.
مستويات عالية من الثقة فى المؤسسات، فقال التقرير إن ثقة الألمان فى حكومتها وفى الخدمات العامة، إلى جانب حكمة الألمان ، وتعزيز التمويل الأسرى المستقر ، وتوفر الموارد لمواجهة فقدان مؤقت للدخل.
وتم الإعلان عن حزمة إضافية لعامي 2020 و 2021 بقيمة 130 مليار يورو (3.8 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي) تم الإعلان عنها في أوائل يونيو ، لتحفيز الطلب أثناء الانتعاش ، والذي يتضمن انخفاضًا مؤقتًا في ضريبة القيمة المضافة التي ستحفز الطلب المحلي.
ولكل هذه الأسباب ، سيصل معدل البطالة فى ألمانيا فى أسوأ الأحوال إلى 7% ، فى عام 2020، مقارنة بمعدلات البطالة المكونة من رقمين فى الدول الأخرى فى منطقة اليورو، وعلى الرغم من التدهور المالى، فإن مستوى الديون الألمانية يمكن ادارته بشكل أكبر بكثير من العديد من البلدان الآخرى، وستخرج ألمانيا أقوى من الأزمة ، بينما يمكن أن تترك اقتصادات الدول الأخرى ندوباً قبيحة.