على أطراف الصحراء فى إقليم خراسان الشمالى بشمال شرق إيران، وبالقرب من أكبر مكمن للبوكسايت تحت الأراضى الإيرانى، يقبع مجمع لإنتاج الألومنيوم هللت له الحكومة على الملأ باعتباره جزءا أساسيا فى مساعيها لزيادة الإنتاج من هذا المعدن.
غير أن هذا الموقع، الذى لا يبعد كثيرا عن مدينة جاجرم يضم أيضا منشأة سرية أقامها الحرس الثورى الإيرانى، تنتج مسحوق الألومنيوم لاستخدامه فى برنامج إيران الصاروخى، وذلك وفقا لما قاله مسئول سابق فى الحكومة الإيرانية، وأظهرته وثائق تتعلق بالمنشأة أطلع المسئول رويترز عليها.
ويستخلص مسحوق الألومنيوم، من البوكسايت ويعد مكونا رئيسيا فى صناعة وسائل الدفع التى تعمل بالوقود الصلب لإطلاق الصواريخ.
وقال المسئول السابق، إن إيران بدأت إنتاج المسحوق للاستخدام العسكرى قبل أكثر من خمس سنوات، وكان المسئول السابق رئيسا للعلاقات العامة ومندوب الشئون البرلمانية فى مكتب نائب الرئيس للشئون التنفيذية، وهو المكتب الذى كان يشرف فى ذلك الوقت على بعض السياسات الاقتصادية.
وقال المسئول السابق واسمه أمير مقدم، إنه زار المنشأة غير المعروفة مرتين، وإن الإنتاج كان مستمرا عندما رحل عن إيران فى العام 2018.
وقد بدأ إنتاج مسحوق الألومنيوم فى إيران للاستخدام فى الصواريخ، وهو الأمر الذى لم يسبق نشر شيء عنه من قبل، فى ظل العقوبات الدولية التى تهدف لمنع المساعى الإيرانية للحصول على تكنولوجيا متطورة لصناعة الأسلحة.
وتعتبر الولايات المتحدة وحلفاؤها، قدرات إيران الصاروخية تهديدا للمنطقة وللعالم.
واطلعت رويترز على أكثر من عشر وثائق تتعلق بمشروع مسحوق الألومنيوم، والمعنيين به بتواريخ مختلفة من 2011 إلى 2018. وإحدى هذه الوثائق رسالة موجهة للزعيم الإيرانى الأعلى آية الله على خامنئى من أحد قادة الحرس الثورى وصفت الدولة الإيرانية شقيقه بأنه أبو برنامج الصواريخ الإيراني.
وفى الرسالة وصف محمد طهرانى، مقدم منشأة جاجرم، بأنها "مشروع لإنتاج وقود الصواريخ من مسحوق معدني" وقال إنها تلعب دورا كبيرا فى "تحسين قدرة البلاد على الاكتفاء الذاتى فى إنتاج الوقود الصلب للصواريخ".
ولا تحمل الرسالة تاريخا، لكن يبدو من الإشارات الواردة فيها لأحداث أنها ترجع لعام 2017.
وردا على استفسارات من رويترز، قال على رضا مير يوسفى المتحدث باسم البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة فى نيويورك، "ليست لدينا معلومات عن هذه الادعاءات ولا عن صحة الوثائق".
وقال مير يوسفى، "نحن نؤكد مجددا أن إيران ليست لديها أى نية لإنتاج رؤوس حربية أو صواريخ نووية". وتصر إيران منذ فترة طويلة أن برنامجها الصاروخى مخصص للأغراض الدفاعية فقط.
ويشرف الحرس الثورى على برنامج الصواريخ الإيراني. ولم يرد مكتب العلاقات العامة بالحرس الثورى على أسئلة عندما تم الاتصال به هاتفيا للتعليق على فحوى هذا التقرير. ولم يرد محمد طهرانى مقدم على طلبات للتعليق. ولا تربطه صلة قرابة بأمير مقدم المسؤول السابق الذى ذكر تفاصيل البرنامج لرويترز.
ولم يرد مكتب الزعيم الأعلى خامنئى، ومكتب الرئيس حسن روحانى، على استفسارات رويترز.
ومن المحتمل، أن يؤدى ما كشفه أمير مقدم عن برنامج مسحوق الألومنيوم إلى زيادة التدقيق من جانب واشنطن فى الجهود الإيرانية لإنتاج الصواريخ.
ويقول المسئول الإيرانى السابق، الذى يعيش الآن فى فرنسا، إنه غادر إيران فى 2018 بعد أن وجهت إليه اتهامات بإثارة القلاقل فى أعقاب تصريحات علنية أدلى بها عما يقول إنه فساد بعض المسئولين الحكوميين.
وقال إنه يريد فضح البرنامج لأنه يعتقد أن طموحات إيران الصاروحية ليست فى مصلحة الشعب الإيراني.
وتفرض الولايات المتحدة، عقوبات واسعة على إيران منها عقوبات تستهدف قطاع المعادن فى إيران وبرنامج الصواريخ الباليستية، ومن هذه العقوبات قيود على العمليات فى قطاع الألومنيوم الإيرانى والصفقات المرتبطة به.
كما تستهدف العقوبات الحرس الثورى والأطراف الثالثة، التى تقدم دعما ماديا أو تبرم صفقات معينة مع الحرس الثوري. ولوزارة الخزانة الأمريكية دور أساسى فى إدارة هذه العقوبات.
وسئل متحدث باسم وزارة الخزانة الأمريكية، عما إذا كان ما توصلت إليه رويترز عن إنتاج مسحوق الألومنيوم للأغراض العسكرية، يمثل انتهاكا للعقوبات، فقال "وزارة الخزانة تأخذ أى تقارير عن أى تصرف يحتمل أن يكون خاضعا للعقوبات على محمل الجد، وفى حين أننا لا نعلق على أى تحقيقات محتملة فنحن ملتزمون باستهداف أولئك الأشخاص الذين يدعمون النظام الإيرانى وأنشطته الخبيثة فى مختلف أنحاء العالم فى إطار صلاحياتنا".
وقد فرضت الأمم المتحدة، قيودا على أنشطة إيران فيما يتعلق بالنشاط فى مجال الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية. وقال متحدث إن من غير الواضح ما إذا كانت الأنشطة الخاصة بمسحوق الألومنيوم التى كشفت عنها رويترز تعد انتهاكا لهذه القيود.
وقال خوسيه لويس دياز المتحدث باسم إدارة الأمم المتحدة للشئون السياسية وبناء السلام، إن "مجلس الأمن لم يوضح ما إذا كانت قدرة إيران على إنتاج مسحوق الألومنيوم للاستخدام فى الدفع الصاروخى لا تتفق مع التدابير المقيدة".
قال مايكل إيلمان مدير برنامج عدم الانتشار النووى والسياسة النووية فى المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فى واشنطن، إن إنتاج مسحوق الألومنيوم للاستخدام فى الدفع الصاروخى سيتيح لإيران قدرة أكبر على التحكم فى سلسلة الإمدادات وجودتها.
ووفقا للوثائق المتعلقة ببرنامج مسحوق الألومنيوم، التى اطلعت عليها رويترز، تتولى شركةإيران ألومينا إدارة منشأة جاجرم. وهذه الشركة تابعة لمؤسسة المناجم وتنمية وتحديث الصناعات المنجمية الإيرانية وهى الشركة القابضة المملوكة للدولة فى قطاع المناجم والتعدين. ولم ترد الشركة ولا المؤسسة على طلبات للتعليق.
ويقول موقع شركة إيران ألومينا الإلكترونى، إنها تدير منجما للبوكسايت ومنشأة لإنتاج الألومنيوم فى مجمع يقع على مسافة عشرة كيلومترات تقريبا إلى الشمال الشرقى من جاجرم.
ويتم تحويل مادة البوكسايت إلى الألومينا، التى تستخدم فى إنتاج معدن الألومنيوم، ويصنع مسحوق الألومنيوم من المعدن.
ويستخدم المسحوق فى منتجات شتى من الطلاء إلى الإلكترونيات إلى الألواح الشمسية والألعاب النارية.
وبسبب خواصه التفجيرية، يعد مسحوق الألومنيوم أيضا عنصرا رئيسيا فى وسائل الدفع بالوقود الصلب المستخدمة فى إطلاق الصواريخ، وعند مزج المسحوق بمادة تحتوى على الأكسجين تنطلق كمية هائلة من الطاقة.
وفى 2010 أضافت الحكومة البريطانية، شركة إيران ألومينا إلى قائمة الكيانات الإيرانية التى تعتقد أنها قد تستخدم بضائع مشتراة لأغراض عسكرية أو لأسلحة الدمار الشامل.
والغرض من هذه القائمة، هو تنبيه التجار الذين يأملون بيع منتجات لهذه الكيانات إلى أنهم قد يحتاجون للتقدم بطلب للحصول على إذن بالتصدير، وتم سحب تلك القائمة فى 2017 فى أعقاب رفع عدد كبير من عقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى التى كانت سارية على إيران.
وسألت رويترز الحكومة البريطانية، عن إنتاج إيران مسحوق الألومنيوم للاستخدامات العسكرية، فقالت فى بيان "لدينا بواعث قلق كبيرة وقديمة عن برنامج الصواريخ الباليستية لدى إيران والذى يعمل على زعزعة استقرار المنطقة ويمثل تهديدا للأمن الإقليمي".
وأضاف البيان، أن قيام إيران بتطوير صواريخ باليستية ذات قدرة نووية، وما يتصل بها من تكنولوجيات "لا يتفق مع" قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 السارى منذ 2015 والذى يدعو إيران للإحجام عن الأنشطة المتعلقة بالصواريخ الباليستية المصممة للاستخدام فى الأسلحة النووية.
منذ فترة طويلة تستهدف الأمم المتحدة، الأنشطة الصاروخية الإيرانية فى إطار المساعى الرامية للحد مما يشتبه أنه برنامج نووى لدى إيران، وفى يونيو 2010 تبنى مجلس الأمن القرار رقم 1929 الذى قيد إنتاج إيران للصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية، ومنع الدول الأخرى من تزويد إيران بالتكنولوجيا أو المساعدة التقنية المتعلقة بهذه الصواريخ.
وفى سبتمبر 2010، اعترضت السلطات فى سنغافورة شحنة مكونة من 302 اسطوانة من مسحوق الألومنيوم فى طريقها إلى إيران، وكان منشأها الصين وفقا للجنة تابعة للأمم المتحدة تراقب الالتزام بقرار مجلس الأمن.
وقالت اللجنة فى تقرير صدر فى 2011، إن خبيرا فى الصواريخ الباليستية أبلغها أن محتوى الشحنة من مسحوق الألومنيوم عالى الجودة "مؤشر على أن الاستخدام النهائى المرجح هو الدفع الصاروخي".
ووفقا لما يقوله أمير مقدم، وتوضحه اثنتان من الوثائق التى أطلعت رويترز عليها، فقد كان العمل يجرى بحلول العام 2011 فى تجهيز منشأة جاجرم.
وإحدى الوثائق رسالة بتاريخ أكتوبر 2011 موجهة إلى الميجر جنرال حسن طهرانى مقدم، الذى كان آنذاك رئيسا للبرنامج الصاروخى بالحرس الثورى من مجيد قاسمى فايز أبادى العضو المنتدب لشركة إيران ألومينا فى ذلك الوقت.
وكتب قاسمى، يقول إنهم توصلوا بناء على أوامر الميجر جنرال إلى موقع يصلح للمشروع بالقرب من "مطار مهجور" على مقربة من مدينة جاجرم. وطلب قاسمى أيضا تمويلا قدره 18 مليون دولار من صندوق الثروة السيادى الإيرانى لبناء المصنع.
ولم تستطع رويترز، التحقق مما إذا كان الصندوق واسمه صندوق التنمية الوطنية الإيرانى قد ساهم فى المشروع، ولم يتسن التواصل معه للتعليق عن طريق الهاتف ولم يرد على طلب أرسل إليه عن طريق السفارة الإيرانية فى لندن.
وتتعلق بعض الوثائق التى اطلعت عليها رويترز، بتدخلات من أفراد الحرس الثورى ومسئولين إيرانيين لدى السلطات القضائية بالنيابة عن قاسمى توضح المشروع السرى ودوره فيه.
وكان قاسمى، قد اعتقل فى إيران فى 2015 باتهامات بالفساد، فيما يتصل بتعاملات مالية مرتبطة بشركة إيران ألومينا وفقا لما ورد فى الوثائق. وقال أمير مقدم إن السلطات أفرجت فيما بعد عن قاسمى دون توجيه اتهامات إليه.
ولم يرد قاسمى على طلبات للتعليق. ولا تربط حسن طهرانى مقدم الرئيس السابق المتوفى لبرنامج الصواريخ فى الحرس الثورى الإيرانى صلة قرابة بأمير مقدم. ولم يتسن الاتصال بشقيقه محمد طهرانى مقدم القائد فى الحرس الثورى للتعليق.
توضح الرسائل التى اطلعت عليها رويترز، أن شركة إيران ألومينا أجرت مباحثات مع شركة صينية تناولت الحصول على معدات، والشركة الصينية التى ورد اسمها فى الوثائق هى شركة الانشاءات والهندسة الخارجية الصينية للصناعات المعدنية غير الحديدية المعروفة اختصارا بالأحرف الانجليزية إن.إف.سي.
وفى الرسالة المؤرخة فى أكتوبر 2011، الموجهة لرئيس برنامج الصواريخ بالحرس الثورى كتب قاسمى العضو المنتدب لشركة إيران ألومينا يقول "اتباعا لتعليماتك توصلنا إلى اتفاق مع السيد لى شياو فنج ... لتوريد جزء من الآلات والمعدات المطلوبة عن طريق شركة إن.إف.سى الصينية" من شركة ألمانية وشركة يابانية. وتضمن موضوع الرسالة عبارة "مسحوق الألومنيوم".
وطبقا لما ورد فى رسالة، بعث بها لى شياو فنج بعد شهرين إلى قاسمى فقد كان المسؤول الصينى يشغل منصب مساعد الرئيس ومدير الشؤون القانونية بشركة إن.إف.سي.
ولم يتضح من الوثائق، المصدر الذى اشترت منه شركة إيران ألومينا فى النهاية المعدات التى استخدمتها، ولم تتمكن رويترز من التعرف على الشركتين الألمانية واليابانية المشار إليهما فى الرسالة. ولم يتسن الاتصال بمسؤول الشركة الصينية لي.
وقالت وزارة الشؤون الخارجية الصينية، ردا على أسئلة عن شركتى إن.إف.سى وإيران ألومينا إنها لا علم لها "بالوضع الذى تصفونه". وأضافت أن الصين تلتزم التزاما حرفيا "بالالتزامات الدولية فيما يتعلق بعدم الانتشار النووى بما فى ذلك القرارت التى يصدرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
وقالت إن.إف.سى لرويترز إنها "لم تصدّر أو تساعد أى طرف فى الحصول على أى تكنولوجيا أو معدات أو خدمات تتصل بإنتاج مسحوق الألومنيوم لأى غرض من الأغراض".
وقالت الشركة، إن نشاطها يقتصر على "مجالات الاستخدام المدني". وأضافت أنها تراعى القوانين واللوائح السارية فى الصين والدول المضيفة وتلتزم بالقرارات المعنية التى يصدرها مجلس الأمن.
ويقول موقع إن.إف.سى على الإنترنت، إن إيران من أسواقها ويتضمن نشرة إخبارية تصف مصنع الألومينا فى جاجرم بأنه "مشروع للتعديل التقنى تولته إن.إف.سي".
ولم ترد الشركة الصينية على أسئلة، عما إذا كانت قد قدمت معدات وتكنولوجيا وخدمات لشركة إيران ألومينا فيما يتصل بإنتاج مسحوق الألومنيوم.
قال مقدم المسئول السابق الذى يعيش الآن فى فرنسا لرويترز، إنه زار منشأة جاجرم مرتين فى 2015 وحضر عدة اجتماعات فى طهران بين مسئولى الحكومة ومديرى شركة إيران ألومينا.
وأضاف، أن مديرى الشركة كانوا "يطلبون إتاحة عملات أجنبية ويقولون إن مشروعهم العسكرى بحاجة للدعم الحكومى لتجاوز العقوبات".
ولم يرد مكتب نائب الرئيس للشؤون التنفيذية على طلبات للتعليق.
وفى أعقاب الاتفاق النووى، الذى أبرمته إيران مع القوة العالمية فى 2015 تم رفع الشروط السابقة التى كان مجلس الأمن يفرضها على نشاط الصواريخ الباليستية وأصبح قرار جديد سارى المفعول. ودعا القرار 2231 طهران إلى الإحجام عن النشاط المتعلق بالصواريخ الباليستية المصممة بقدرة على حمل الأسلحة النووية.
وتقول إيران، وبعض حلفائها إن صياغة هذا القرار لا تجعله ملزما.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، إن مجلس الأمن لم يؤكد أن إنتاج مسحوق الألومنيوم يخضع لهذا القرار لأن هذه المادة يمكن أن تستخدم فى وسائل الدفع فى الصواريخ التى لا تستخدم فى حمل أسلحة نووية.
وأضاف، أن أمانة الأمم المتحدة ليست فى وضع يتيح لها تأكيد ما إذا كان إنتاج المسحوق للأغراض العسكرية يقع ضمن اختصاص القرار السابق 1929.