كثفت السلطات الفرنسية منذ مطلع العام الجاري، تحركاتها لمواجهة التطرف الديني من بوابة أئمة المساجد الموفدين من دول خارجية، حيث أعلنت باريس أنها ستنهي برنامج "الأئمة المستقدمين" من بلدان مثل تركيا والمغرب، والجزائر، بحلول 2024، فيما شدد الرئيس إيمانويل ماكرون، فبراير الماضي، على أن "فرض قيود على الأئمة الموفدين أمر مهم لكبح النفوذ الأجنبي واحترام قوانين الجمهورية".
وفي الثاني من أكتوبر الجاري أعلن ماكرون أنه «اتفق مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية»، على أن ينتهي "في غضون 6 أشهر على الأكثر" من إعداد برنامج شامل لتدريب الأئمة داخل فرنسا، في إطار خطة الاستغناء عن أئمة الخارج الذين يوجد منهم حالياً 300 تقريباً.
ونشرت صحيفة الرؤية تقريرا يكشف أن صحف فرنسية عدة احتفت بهذا التوجه الجديد ورأت فيه خطوة لمنع انزلاق فرنسا نحو مزيد من الانعزالية والتطرف الديني، تساءلت صحف ومواقع أخرى عن مدى إمكانية نجاح ماكرون في تطبيق خطته وتوفير أئمة بمواصفات فرنسية خالصة.
وسلط موقع "لا نوفيل ريبوبليك" الفرنسي الضوء على أزمة تكوين الأئمة في داخل فرنسا، مشيراً إلى أن الكثير من المساجد في فرنسا تتوزع حسب تبعيتها إلى بلدان أخرى.
وأوضح الموقع في مقابلة مع أحد الأئمة، أن مسألة تدريب وتأطير الإمام ليست أمراً بالسهولة التي يتصورها الكثير من الفرنسيين، حيث يتطلب الأمر نحو 4 أعوام من الدراسة، فيما لا تتوافر فرنسا على مدارس ومعاهد دينية لتأطير العدد الكافي للاستغناء عن استقبال أئمة الخارج.
ووفقاً للإمام صلاح مرابطي فإن مسجد مدينة تور، على سبيل المثال، يرتبط بجامع باريس الكبير، والذي أرسل له إماماً تلقى تكوينه الديني في الجزائر كما حصل على تدريب في جامعة السوربون بباريس حول العلمانية والمجتمع الفرنسي، من أجل أن يتمكن من تلبية دور الإمام المنوط به في فرنسا.
وحول الاشتراطات التي تخطط السلطات الفرنسية لوضعها لتمويل المساجد عبر تحمل كل مسجد تكاليف إمامه، قال مرابطي إن الأمر يبدو صعب المنال بالنسبة لهم حيث يكلف نحو 5 آلاف يورو شهرياً.
ولفت إلى أن غياب الأئمة المؤهلين معرفياً وفكرياً يمكن أن يفتح الباب أمام ظاهرة «شيخ غوغل» أي أولئك الذين يتصدرون للإمامة اعتماداً على معلومات وتدريبات سريعة عبر الإنترنت، ما يجعلهم عرضة للزلل والانحراف.
وحول الأخطاء التي تقود الأئمة إلى الانزلاق في مستنقع التطرف، أوضح مرابطي أن هناك البعض ممن يرتكبون أخطاء نتيجة الحماس لجلب أتباع جدد، مؤكداً أن من يتحولون إلى التطرف يدخلون ضمن دائرة مرضى الانفصام الشخصي، مشدداً على أهمية عمل الإمام على تكريس قيم الاندماج الاجتماعي.
أجندة تركيا
في المقابل، أعرب رئيس مؤتمر أئمة فرنسا الإمام حسن الشلغومي عن تأييده لتدريب وتأهيل الأئمة داخل فرنسا، موضحاً في مقابلة سابقة مع إذاعة «مونت كارلو» الفرنسية أن على باريس أن تأخذ قراراً صارماً بالاعتماد على الكفاءات المحلية من الأئمة الموجودين داخل الأراضي الفرنسية.
وأكد الإمام أن فرنسا لا تعاني شحاً في أعداد الأئمة، قائلاً «أعيش في فرنسا منذ 25 عاماً ولدينا فائض من الأئمة داخل البلد».
وشدد الشلغومي على أنه من واجب السلطات الفرنسية أن تقف في وجه محاولات بعض الدول، خصوصاً تركيا، غزو قطاع الأئمة وتغذيته بأفكار الإسلام السياسي الموجهة لخدمة مصالحها الخاصة التي تتنافى مع مصلحة الجالية المسلمة في فرنسا.