في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تحظى كعادتها باهتمام دولي غير مسبوق، تسود حالة من الترقب في أرجاء القارة الأفريقية انتظارا لما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الرئاسية في ساحل العاج في ظل تزايد التوقعات بفوز الرئيس المنتهية ولايته، الحسن واتارا ، وسط أجواء من التوتر والاحتقان تخيم على المشهد السياسي في البلاد.
وكانت ساحل العاج، الواقعة غرب القارة السمراء، قد شهدت السبت الماضي انتخابات رئاسية "مثيرة للجدل" تنافس فيها واتارا مع المرشح المستقل كواديو كونان بيرتان، بعد إعلان مرشحي المعارضة، الرئيس الأسبق هنري كونان بيدييه، ورئيس الوزراء السابق، باسكال أفي نغيسان، مقاطعتهما للعملية الانتخابية رغم عدم انسحابهما رسميا من الانتخابات.
ويعقد هذا الاقتراع الرئاسي في ظل مشهد سياسي محتقن حيث أثار قرار واتارا الترشح لولاية رئاسية جديدة جدلا واسعا على الساحة السياسية، وأدى لاندلاع اضطرابات وأعمال عنف داخل البلاد أدت إلى سقوط نحو 30 قتيلا خلال الأشهر القليلة الماضية.
وجاء قرار المعارضة مقاطعة الاقتراع اعتراضا على ترشح واتارا لولاية رئاسية ثالثة واتهامها المفوضية الانتخابية المستقلة والمجلس الدستوري "بالتبعية" للسلطة، وبالتالي بالعجز عن ضمان اقتراع نزيه وعادل.
ودعت المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات و"العصيان المدني"، وأعلنت في بيان رسمي أمس عدم اعترافها بانتخابات 31 أكتوبر مطالبة بإنهاء حكم واتارا، وداعية إلى مرحلة انتقالية مدنية من أجل تهيئة الظروف لانتخابات نزيهة وشفافة. كما دعت المعارضة إلى حالة من التعبئة العامة للتصدي لطموحات واتارا للفوز بولاية ثالثة، دون ذكر تفاصيل حول أشكال هذه التعبئة.
ويتطلع واتارا للفوز بولاية جديدة معتمدا على أدائه الاقتصادي الجيد الذي تبناه على مدار العشر سنوات الماضية في دولة تعد أكبر منتج للكاكاو في العالم، ونجحت في أن تصبح من جديد المحرك الاقتصادي لغرب إفريقيا الفرنكفونية بعد عشر سنوات من النمو القوي. كما يستند واتارا إلى إنجازاته الملحوظة كـ "رجل بناء" أعاد بناء البنية التحتية للبلاد، ويؤكد أنه في حالة إعادة انتخابه سيعيد التركيز على السياسة الاجتماعية حيث لايزال 40% من السكان يعيشون تحت خط الفقر.
ومع عدم وجود بيانات رسمية حول نسبة المشاركة في الاقتراع الرئاسي، والذي يعد مؤشرا مهما لمدى نجاح العملية الانتخابية، اختلفت الأراء حول معدلات الإقبال على اللجان الانتخابية في مختلف أنحاء البلاد حيث أكدت بعض المصادر الحكومية ارتفاع معدلات المشاركة بصورة ملحوظة بينما تفيد المعارضة أنها لم تتعد نسبة الـ 10%.
وفي ظل هذا المشهد المضطرب والملبد بالغيوم، تتزايد المخاوف من اندلاع أزمة جديدة في البلاد على غرار الأزمة التي شهدتها عقب الانتخابات الرئاسية في 2010 وأدت إلى سقوط ثلاثة آلاف قتيل بعد رفض لوران غباغبو، رئيس البلاد السابق، الإقرار بهزيمته أمام الحسن واتارا.
وفي هذا السياق ، يرى فرانسيس لالوبو، خبير الشئون الأفريقية في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بفرنسا "ايريس"، أن إعلان واتارا ترشحة لفترة ولاية رئاسية ثالثة يعد نقطة تحول حاسمة في المشهد السياسي في ساحل العاج والذي كان يشهد توترا ملحوظا منذ عدة أشهر بسبب تفاقم الخلاف بين واتارا وحلفائه السابقين، غيوم سورو وهنري كونان بيدييه، فضلا عن الخلاف بين الرئيس السابق لوران جباجبو والنظام الحالي. وأوضح لالوبو أن خبر ترشح واتارا لولاية رئاسية جديدة زاد من حالة الاحتقان وعدم الثقة بين المعارضة ومؤسسات الدولة مثل مفوضية الانتخابات والمجلس الدستوري، مشيرا إلى أن دعوة مرشحي المعارضة إلى مقاطعة العملية الانتخابية دون انسحابهما من السباق الانتخابي يحمل ظاهريا شيئا من التناقض، غير أن المرشحين هدفا بذلك التأكيد على احترامهما للقواعد الانتخابية التي فرضها الدستور ولكنهما على قناعة بعدم استيفاء الشروط اللازمة لإجراء انتخابات نزيهة بقدر ماهي سليمة وذلك لثلاثة أسباب، أولها ترشح واتارا "غير الدستوري" من وجهة نظرهما، وتحفظهما على الهيكل الحالي لمفوضية الانتخابات فضلا عن هيكل المجلس الدستوري.
والواقع أن المشهد الحالي في ساحل العاج يتشابه كثيرا مع المشهد في غينيا، الواقعة في غرب أفريقيا، والتي شهدت مؤخرا انتخابات رئاسية مثيرة للجدل أيضا أسفرت عن فوز الرئيس، ألفا كوندي، بولاية رئاسية ثالثة وسط اضطرابات وتوتر حاد وخلافات على نزاهة الاقتراع.
وعلى غرار المشهد في ساحل العاج، أثار قرار ترشح كوندي لولاية جديدة احتجاجات واسعة داخل غينيا قتل فيها عشرات المدنيين خلال عام، في دولة تكثر فيها الخلافات العرقية والمواجهات السياسية الدامية فضلا عن تفشي الفقر.
ويرى الخبير، جيل يابي، في حوار مع معهد "ايريس" الفرنسي أن أسباب اندلاع التوتر والعنف في هاتين الدولتين، الواقعتين في غرب أفريقيا، لايعود فقط إلى ترشح الرؤساء المنتهية ولايتهم للفوز بولاية جديدة، بل ترجع بالأساس إلى ضعف المؤسسات الانتخابية التي تتكون من ممثلي الأحزاب السياسية أكثر من خبراء مستقلين ومعروفين.لافتا إلى أن المفوضيات الانتخابية المكونة بهذا النمط يصعب عليها تنظيم انتخابات تتسم بالمصداقية والشفافية.
ويُحمل "يابي" الفاعلين السياسيين في هاتين الدولتين مسئولية عدم تجديد الممارسات السياسية، والتي أدت بدورها إلى شخصنة السلطة وضعف المؤسسات. فعلى سبيل المثال في ساحل العاج يرى الخبير الفرنسي أن جزءا كبيرا من المسئولية في الوضع السياسي المضطرب حاليا يقع على عاتق القادة القدامى مثل بدييه، ولوران جباجبو، وجيوم سورو إلى جانب الرئيس واتارا.
وبنظرة شاملة إلى هذه المنطقة المتوترة الواقعة في غرب أفريقيا، والتي تعاني بالفعل من خلافات قبلية واضطرابات دائمة نتيجة الهجمات الإرهابية المستمرة في منطقة الساحل فضلا عن تداعيات "انقلاب مالي" الذي وقع اغسطس الماضي، يبدو المشهد مثيرا للقلق خشية من وقوع انتكاسة جديدة قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع في المنطقة، والتي قد تعبر الحدود الجغرافية لغرب أفريقيا وتمتد لسائر أرجاء القارة السمراء. لذلك يجمع الخبراء على أن الأسابيع القليلة القادمة ستكون حاسمة وفاصلة في مستقبل ساحل العاج، والتي ستؤثر بدورها على استقرار الأوضاع في المنطقة بأكملها.