يعد تراجع سعر صرف الليرة التركية مؤشرا لا يكذب على مدى التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد في الوقت الراهن ونذيرا بضياع كامل للقدرات الاستراتيجية للدولة التركية التى بنيت على امتداد عقود قبل وصول أردوغان وجماعته للحكم ، فقبل خمسة أعوام من الآن كان الدولار الأمريكى يباع 1.7 ليرة تركية ، اما الآن فيباع الدولار الأمريكي بـ 6ر8 ليرة تركية ، لكن الخبراء يقولون ان السياسات الطائشة للنظام الحاكم في تركيا كانت العامل الاكثر تدميرا لمنظومة التصنيع الدفاعى التركية.
ووفقا لخبراء اقتصاديات الدفاع .. يدلل انحراف تركيا – هبوطا – عن منحنى الارتفاع العالمي للانفاق الدفاعي والتسلحي خلال العام 2020 مقارنه بالعام 2019 على تداعى سياسات أردوغان و فشله فى ادارة احد اخطر قطاعات اقتصاد الدولة التركية الاستراتيجية ، كذلك يشي المنحنى العام للانفاق الدفاعى التركى بتراجعات مأساوية مرتقبة مغلفة بسحب سوداء من التردى الاقتصادى و الجمود السياحى و تداعيات جائحة كورونا على حركة التجارة و السفر العالمية.
وطبقا للبيانات الصادرة عن معهد استكهولم لابحاث السلام الدولى فقد بلغت قيمة الانفاق الدفاعى فى تركيا خلال العام 2019 نحو 20.4 مليار دولار امريكى بزيادة نسبتها 5.8 % عن ان حجم الانفاق العسكرى التركى فى العام 2018 وهى نسبة الارتفاع الاقل فى الانفاق الدفاعى فى تاريخ تركيا .
يأتى ما حدث فى 2020 على خلاف ما شهدته الفترة ما بين العام 2010 و حتى 2019 حيث زاد الانفاق الدفاعى لتركيا بنسبة 84 فى المائة مقارنة بالعقد السابق / 2000 – 2010 / اذ بلغ الانفاق العسكرى و الدفاعى التركى 4ر20 مليار دولار بنهاية العام 2019 على نحو ما تمت الاشارة اليه ، كما شهدت الفترة ما بين عامى 2017 و 2018 المعدل الابطأ لنمو الانفاق على الدفاع فى تركيا اذ لم تتجاوز نسبة نمو انفاقها الدفاعى 27 فى المائة وكان ذلك مؤشرا اوليا على ما ينتظر هذا القطاع الاستراتيجي من انهيارات محتملة غدت واقعا فى العام 2020 و من المتوقع تفاقمها فى العام 2021 وما يليه .
و كذلك شهدت الفترة ما بين عامي 2018 و 2019 تراجعا فى معدل نمو الانفاق الدفاعى فى تركيا الى نسبة اقل بلغت 8ر5 فى المائة طبقا للبيانات الصادرة عن معهد ستوكهولم لابحاث السلام فى الشرق الاوسط الذى قدر حجم الانفاق العالمى على الدفاع خلال العام 2019 بنحو 9ر1 تريليون دولار امريكى وهو المعدل الانفاقى العالمى الاعلى الذى يتم تسجيله خلال الاعوام العشرة الماضية وهو ما يؤكد مجددا انحراف تركيا عن منحنى التصاعد في الانفاق الدفاعي العالمي .
و يقول خبراء اقتصاديات التسلح ان الحكومة التركية و شركات انتاج السلاح التركية بات عليها فى العام 2020 ومنذ العام 2019 سداد اثمان مشرياتها و مدخلاتها الانتاجية بما يفوق 30 فى المائة ارتفاعا عما كانت تسدده فى العام الماضى وذلك بسبب تدهور العملة التركية وهو ما يؤثر على خطط التطوير والتوسع الانتاجى الدفاعى .
كما تعجز الخزانة التركية حاليا عن توفير الذخائر الذكية التى اعتاد الاتراك على استخدامها فى معاركهم ضد الاكراد و شن الهجمات على معاقل الاكراد فى سوريا و شمال العراق و جنوب تركيا .
فعندما توغلت القوات التركية فى شمال سوريا بزعم ملاحقة الميليشيات الكردية فى اكتوبر من العام 2019 فرضت بلدان عديدة فى العالم نظام عقوبات و حظر على تعاملات السلاح مع تركيا سواء توريدا او استيرادا و فى مقدمة تلك الدول جاءت فرنسا و فنلندا و النرويج و السويد و جمهورية التشيك و هولندا و اسبانيا و المانيا وكان ذلك بمبادرة عاجلة منها ردا على التوغل التركى وفى الرابع عشر من اكتوير من العام 2019 وافقت دول الاتحاد الاوروبى على الحد من صادرات اسلحتها الى تركيا برغم عضوية تركيا فى حلف شمال الاطلنطى الامر الذى ادانته تركيا بشدة وعزز من وقعه شطب الولايات المتحدة لتركيا من قائمة البلدان المشاركة فى برنامج انتاج المقاتلات / اف – 35 / اعتبارا من العام 2020 برغم هشاشة الاسهام التركى فى بناء تلك المقاتلة .
و يعد منتجو نظم الدفاع فى تركيا من القطاعين العام و الخاص ومصدريها هم أكبر خاسر جراء تلك السياسات الاردوجانية الطائشة و العدائية للشرق الاوسط و للعالم ، فقد تأسس اتحاد المصدرين الاتراك بمعرفة الحكومة التركية فى العام 1993 كمظلة جامعة تضم 95 الف مصدر تركى يمثلون سبع و عشرين قطاعا اقتصاديا و انتاجيا رئيسى و 61 قطاعا تكميليا . ويقع على عاتق الاتحاد مسئولية وضع استراتيجيات النهوض بالصناعة و التصدير المصنع فى تركيا و الاهتمام بجوانب و انشطة البحوث و التطوير . و تنسيق التعاون بين المنتجين و المصدرين و اجهزة الدولة التركية وفى مقدمتهم منتجو و مصدروا المنتجات الدفاعية التى اغلقت سياسات اردوجان المتهورة ابواب اسواق العالم امام منتاجاتهم .
و يكشف التباين بين الارقام المحققه خلال الاشهر الثمانية الاولى من العام 2020 / 2ر1 مليار دولار / و بين ما كانت تطمح اليه الحكومة التركية / 2ر10 مليار دولار / بحلول العام 2023 عن عمق الهاوية التى سقطت فيها الصناعات الدفاعية و الاستراتيجية لتركيا بصورة مدوية بسبب سياسات اردوجان المتهورة التى فاقمت ازمة كورونا من تداعياتها ، فقد كان المخطط الاستراتيجى للنهوض بصناعات و صادرات الدفاع التركية يستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى لاحتياجات القوات المسلحة التركية من الاسلحة بنسبة 75 فى المائة بحلول العام 2023 ، و التركيز على الصناعات الدفاعية الفضائية التى تحقق مردودا ماليا مرتفعا وصولا به الى 9ر26 مليار دولار امريكى بحلول العام 2023 بعد ان بلغ 7ر6 مليار دولار فى العام 2018 .
يذكر أن منحنى تراجع الانفاق الدفاعي فى تركيا جاء متزامنها مع منحى تراجع الاداء الاقتصادى لتركيا منذ العام 2018 فوفقا للبيانات الرسمة الصادرة عن الحكومة التركية بلغت البطالة ذروة ارتفاعها فى يناير الماضى مسجلة 7ر14 فى المائة ، و الى طوابير العاطلين عن العمل ينضم ما متوسطة 366 الف تركى شهريا منذ بداية العام الماضى حتى بلغ عدد من فقدوا وظائفهم فى تركيا بنهاية الربع الاول من العام الجارى 7ر4 مليون تركى يمثل الشباب فيهم نسبة 7ر26 فى المائة وهى اعلى نسبة للبطالة و التردى الاقتصادى لتركيا منذ العام 1988 .
و مع ارتفاع التضخم فى تركيا لمستويات غير مسبوقة بلغت 20 فى المائة وارتفاع معدلات الفائدة الى ما بين 15 الى 16 فى المائة دون مستوى التضخم ، دفعت حالة الكساد التى يشهدها اقتصاد تركيا حاليا حكومتها الى تبنى سياسات تقشفية بالغة الحدة مع تقليص كافة اوجه الانفاق و الاستيراد . بما فى ذلك الاستيراد الدفاعى .
وبحسب المراقبين .. كان لكل تلك الاعتبارات الاقتصادية والمالية الصعبة التى تعيشها تركيا اثره السلبى على رؤية مخططيها الدفاعيين حول صفقات شراء الاسلحة المخطط ابرامها وقدرة الاقتصاد التركى على تحمل فواتيرها ، و بعيدا عن الاخبار الدعائية حول القدرات التصنيعية الدفاعية لتركيا و مناوراتها تقف مؤسسات الانتاج الدفاعى التركية على شفا حالة من الإفلاس و الشلل التام بسبب عجزها عن توفير موارد مالية تغطى فواتير استيرادها لمدخلات الانتاج من الخارج .
و بحسب البيانات الرسمية .. انخفض الناتج المحلى التركي في الربع الأخير من العام 2018 بنسبة 3 % ، ولا يزال هذا الاتجاه الانخفاضي سائدا إلى الآن في ظل تنامي معدلات الاستدانة للحكومة التركية بأسعار فائدة مرتفعة بلغت 17 فى المائة لأذون الخزانة العامة التركية لأجل عشرة اعوام ، و تشكل تلك الاعتبارات السياسية و المالية و الاستدانية فى مجملها عبئا طويل الاجل على الاقتصاد التركى تجعل من الصعب على هذا الاحتفاظ بمصداقيته فى المحافل الاستراتيجية و الدفاعية الدولية .