حشدت أكثر من 260 من المنظمات غير الحكومية والهيئات المجتمعية طاقاتها ونفوذها في طلب تقدمت به إلى 25 من المدراء التنفيذيين لبنوك عالمية وإقليمية كبرى تدعوهم فيها بوقف تمويل خط أنابيب نفط شرق أفريقيا EACOP، وأرجعت المنظمات في طلبها سبب الرفض للأضرار البيئية التي ينطوي عليها المشروع الذي يقطع مسافة، يقترب طولها من 1500 كيلومتر، في قلب واحدة من أكثر مناطق العالم ثراءً في تنوعها البيئي.
ويرى مراقبون أنه في عصر تتمتع فيه مثل تلك الهيئات بنفوذ عالمي واسع النطاق، فإن اجتماع هذا العدد الضخم من المنظمات البيئية والحقوقية والمجتمعية، في وثيقة واحدة لن يسمح لمديري المصارف الكبرى أن يديروا ظهورهم لمطالبها أو أن يصموا آذانهم عن سماع دعواها.
كانت حكومة أوغندا أعلنت الأسبوع الماضي أنها تتوقع بدء إنشاء خط الأنابيب، الذي ينقل النفط الخام من حقولها المكتشفة حديثاً في 2006 إلى ميناء تانجا التنزاني، بالتعاون مع شركة النفط الفرنسية العملاقة "توتال" ونظيرتها الصينية CNOOC المملوكة للدولة، "في القريب العاجل".
خط أنابيب النفط الخام لشرق أفريقيا، الذي يفترض أن يمتد بطول 1445 كيلومتراً لينقل الخام من أراضي أوغندا المغلقة إلى ميناء تانجا التنزاني، سيكون في حال تنفيذه أطول خطوط أنابيب النفط الخام الثقيل المعالج حرارياً على مستوى العالم.
وتصل الاحتياطات النفطية المقدرة في أوغندا إلى ستة مليارات برميل ويستقر معظمها في حوض "صدع ألبرتين" غربي البلاد وعلى مقربة من حدودها مع جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتبدو حكومة أوغندا ليست في عجلة من أمرها فيما يتعلق باستخراج النفط الخام من باطن الأرض، فقد أرجئ الإنتاج بمستويات تجارية في ضوء إصرار الحكومة على أن يتم أولاً تشييد معمل تكرير وخط أنابيب لنقل الخام، وذلك في إطار سياسة رسمية واضحة تستهدف استغلال الموارد الطبيعية لتغذية وتعزيز التصنيع في البلاد.
وقد تكون أوغندا محقة في قرارها، إذ يكفي الأخذ في الحسبان عامل وحيد يتمثل في انهيار أسواق النفط في عام 2020 تحت وطأة وباء كوفيد- 19، والإغلاق العام الذي أوقف العديد من مشروعات الطاقة الهيدروكربونية، كما شُطبت أصول نفط وغاز طبيعي قدرت بعشرات من المليارات من الدولارات. وعاودت أسعار النفط انتعاشها بقوة في عام 2021 ليزيد سعر برميل النفط على 60 دولاراً، غير أن الترقب مازال سيد الموقف حتى تطمئن الصناعة أن هذا الصعود مستدام وغير مؤقت. كما أن فترة الوباء شهدت تسارعاً في نهج التحول نحو مصادر طاقة أقل تلوثاً وأكثر تواؤماً مع البيئة.
كما أن هناك عوامل أخرى تدعو للتأخر، منها بروز دور المنظمات البيئية والمجتمعية على الساحة العالمية بما يصعب من مهام إيجاد تمويل لمشروعات مناجم فحم جديدة أو محطات توليد طاقة. فالمخاوف البيئية تتضافر مع القلق من الافتقار إلى الحوكمة، وهو أمر لا تهتم به المؤسسات الأوغندية ولا تقيم له وزناً.
وانصب تركيز عريضة الـ260 منظمة مجتمعية وغير حكومية إقليمية ودولية على إبراز التهديدات البيئية والاجتماعية التي يكتنفها مشروع خط أنابيب نفط شرق أفريقيا EACOP. فتنزانيا، تعد من بين أهم الملاذات المتبقية من الحياة البرية الأفريقية، وتخضع لمراقبة كثيفة من قبل أنصار وجماعات الحفاظ على البيئة.
برزت كيانات بيئية مهمة في قائمة الـ260 منظمة الموقعة على العريضة، من بينها منظمات "أصدقاء الأرض" الدولية، و"الوكالة الكاثوليكية للتنمية عبر البحار"، و"تمويل الإعمار"، و"سيرا كلوب"، و"جلوبال ويتنيس"، و"اللجنة الوطنية للاتحاد من أجل حماية الطبيعة" ICUN في هولندا، "بنك تراك"، و"المعهد الأفريقي لحوكمة الطاقة" AFIEGO، ومنظمة "التنمية الدولية الشاملة" IDI.
وقالت منظمة "التنمية الدولية الشاملة" في بيان على موقعها الإلكتروني "إن الوثيقة وجهت إلى ثلاثة مصارف مكلفة بتقديم المشورة المالية للمشروع- "ستاندارد بنك" و"موسسة سوميتومو ميتسو المصرفية" و"البنك الصناعي التجاري الصيني"- إضافة إلى 22 من البنوك الأخرى التي مولت شركتي "توتال" الفرنسية، وشركة النفط الصينية المملوكة للدولة CNOOC، وذلك وسط تكهنات بأن القرار الاستثماري الأخير، الذي يعهد للشركة الفرنسية توتال البدء في جمع رؤوس الأموال اللازمة للمشروع، بات وشيكاً."
تتناول العريضة بالوثائق "مخاطر المشروع على الشعوب والطبيعة في البلدان المتضررة وتأثيراته على المناخ العالمي، والتي تشمل: تأثيرات على حقوق الإنسان والإضرار بالسكان المحليين الذين سيرغموا على الانتقال من قراهم ومنازلهم بما يهدد قوت عيشهم ودخولهم ومعيشتهم؛ ومخاطر لا تحتمل بالنسبة لإمدادات المياه، والتنوع البيولوجي، والموائل الطبيعية؛ علاوة على إطلاق مصدر انبعاثات كربونية جديدة التي لم يثبت جدواها مالياً، فضلاً عن الأضرار المناخية غير المقبولة المصاحبة للمشروع."
وتستطرد الوثيقة قولها "إلى جانب الأضرار الحادة على المجتمعات المحلية وحقوقها، فإن خط أنابيب النفط يهدد واحدة من أهم المناطق العالمية في تنوعها البيئي وثراء حياتها البرية. ففي أوغندا يهدد المشروع أقدم وأوسع محمية طبيعية، "متنزه شلالات مورشيسون الوطني"، الذي سيفتح باطنه ويشق أراضي واسعة فيه لاستخراج النفط على نطاق واسع في وقت يتجه العالم نحو تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري... وفي تنزانيا، سيخترق خط الأنابيب النفطي مناطق بيئية مهمة شديدة التنوع والثراء من بينها "محمية بيهارامولا جيم"، ومنطقة "ويمبري ستيبي" الشهيرة بتنوعها البيئي الفريد."
يرى أنصار البيئة أن أوغندا ربما تحاجي بأنها كدولة فقيرة ونامية يتعين السماح لها بالانتفاع من ثرواتها الطبيعية وخلق قاعدة صناعية تساعد على تنمية الاقتصاد وتخلق المزيد من فرص العمل لمواطنيها، لكنهم يردون على تلك الذرائع بقولهم إن العالم يتغير ويهرول صوب التحول والابتعاد عن الوقود الأحفوري، مؤكدين أن ذلك هو الواقع الاقتصادي لتلك السلع التي فقدت بريقها ولم تعد تتمتع بأفضلية.