"مع القوة العظمى تأتى مسئولية عظمى.. لكن القوة العظمى كذلك تجذب الحسد والغضب والأعداء، هذا أمر تتعلمه الصين متأخرا فى باكستان".. بتلك العبارة استهلت دورية فورين بوليسى" الأمريكية مقالة تحليلية نشرتها تفند فيها أسباب تزايد حدة استهداف المشروعات والمنشآت والمواطنين الصينيين في باكستان خلال الآونة الأخيرة، من جانب "تنظيمات إرهابية محلية"، بدءا من الجماعات الجهادية كـ"تحريك طالبان باكستان" وحتى الانفصاليين في إقليمي بلوشستان والسند.
لطالما كانت الصين هدفا للمسلحين الباكستانيين، لكن مؤخرا تزايدت وتيرة الهجمات ضد الأهداف الصينية، والتي من المرجح أن تعاني معها الأخيرة، بحسب التحليل، الذي أعدّه الخبيران: عبد الباسط، الباحث المتخصص في شئون آسيا الوسطى، وزميل المركز الدولي للعنف السياسي والإرهاب في جامعة "نانيانج" التقنية بسنغافورة، ورافائيلو بانتوتشي، الباحث المتخصص في شئون الصين ووسط آسيا والإرهاب، الزميل المشارك لمعهد الخدمات المتحدة الملكي في بريطانيا.
قبل عشرة أيام، نفّذت حركة "جيش تحرير بلوشستان" الانفصالية هجوما انتحاريا استهدف سيارة تُقل مواطنين صينيين في منطقة جوادر، اختلفت الأطراف في تقدير عدد الضحايا، لكن الشيء الواضح هو أن ذلك كان رابع هجوم كبير يستهدف الصينيين في باكستان هذا العام، كما أنه يؤكد التصاعد المقلق لاستخدام التفجيرات الانتحارية من جانب الحركة، التي تتعقب أهدافا صينية مهمة في باكستان بشكل متكرر، تضمنت القنصلية الصينية في كراتشي في نوفمبر 2018.
وفي أبريل الماضي، وقع الهجوم الأعنف ضد الصينيين في باكستان، حيث قُتل تسع مهندسين وخبراء صينيين كانوا يعملون في مشروع سد داسو بإقليم بختونخوا، إثر تفجير حافلتهم، في حادث لم تعلن أي جهة مسئوليتها عنه إلى الآن، وقبلها بنحو ثلاثة أشهر، نجا السفير الصيني في باكستان، نونج رونج، من تفجير نفذته "تحريك طالبان باكستان" في أحد الفنادق بمدينة كويتا.
ويقول تحليل "فورين بوليسي" إن تزايد عدد الجهات التي تعلن مسئوليتها عن تلك الهجمات، يوضح "الطبيعة التصاعدية للمشكلة التي تواجهها الصين في باكستان"، مشيرا إلى أن الأخيرة أصبحت "عالم مصغرا لحقيقة أكبر سيكون على الصين التعامل معها عالميا"، وهي أنها ستجلب غضب المنظمات الإرهابية كلما برزت على الساحة الدولية كقوة عظمى، وتبدو رغبة الصين في الانخراط مع طالبان الأفغانية محاولة لاستباق مثل تلك المشكلات في أفغانستان الجديدة.
لكن، وبحسب عبد الباسط وبانتوتشي، تفوق المشكلة كثيرا قدرة قادة طالبان على السيطرة عليها، فبينما كان موقف المنظمات الجهادية من الصين متأرجحا في السابق ويميل أحيانا لإمكانية أن تكون حليفا محتملا " كما قال أسامة بن لادن قبل هجمات 11 سبتمبر" كونهما يتشاركان العداء للولايات المتحدة، أصبحت الصين الآن ثاني أكبر اقتصاد بالعالم وتتجه لأن تكون الفاعل الأبرز في جوار أفغانستان، وهو ما يجلب لها توترا من المحتمل أن يتزايد، لاسيما مع الفراغ الذي يتركه الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، سواء من الناحية الأمنية، أو من زاوية غياب "الشيطان الأمريكي" عن المشهد بالنسبة للإرهابيين، وهو ما يعني تحول أنظارهم صوب عدو جديد.
غير أن تلك الأسباب ليست وحدها ما يؤجج عداء المسلحين في وسط آسيا لبكين، فالنسبة للجماعات الانفصالية في السند وبلوشستان، تعد الصين قوة استعمارية جديدة تغتصب مواردهم وتتشارك مع عدوهم الأول، الحكومة الباكستانية، بما يعمّق بشدة تدهور ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما أكدته "جبهة تحرير بلوشستان" في بيان لها بعد عملية ضد مواطنين صينيين في كراتشي.
على جانب آخر، يظهر تصاعدٌ ملموس في السرديات الدعائية الموجهة ضد الصين، ترتبط في الغالب باضطهاد أقلية الأويجور المسلمة في إقليم شينجيانج، وهو ما يستدعي غضب الجماعات الجهادية التي طالما كانت تُبدي عداء أقل للصين من الذي كانت تظهره للولايات المتحدة والغرب، خصوصا مع بروز خطاب لبعض شيوخ المجاهدين مثل أبو ذرّ البورمي، والذي يربط سردية "عداء الصين للمسلمين" بتلك التي تعتبرها قوة استعمارية جديدة.
دأب البورمي، منذ العام 2015، على وصف الصين بالقوة الاستعمارية الجديدة القادمة، وبعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، قال: "ينبغي أن يعلم المجاهدين الآن أن عدو الأمة القادم هو الصين، التي تطور أسلحتها يوما بعد يوم لمحاربة المسلمين"، وأنه بعد "انتصار طالبان في أفغانستان.. ستكون الصين هدفنا المقبل".
يشير تحليل "فورين بوليسي" إلى تردد أصداء ذلك الخطاب العدائي للصين بين الجماعات الجهادية في إندونيسيا، خاصة وأن منطقة شينجيانج الصينية كانت محورا للنقاش بين أطراف المجتمع الجهادي العالمي، لكنه لم يوجه موارده أبدا لفعل أي شيء حيال ذلك، ورغم أنه ليس من الواضح ما إذا كان ذلك الأمر قد تغير، لكن المؤكد هو أن تلك السردية المناهضة للصين تزداد حدة بين تلك الجماعات، وأن قضية الأويجور لم تعد تلك القضية الهامشية بينهم.
يخلص التحليل إلى أن تلك الجماعات تسعى في النهاية إلى إيصال رسالة سياسية لجذب الانتباه لقضيتهم، وأن وسيلتهم لتحقيق ذلك هي أعمال العنف، إذ يعزز كل هجوم يرتكبوه من رسالتهم، إضافة إلى مساعدتهم في التجنيد والتمويل وغير ذلك، فباستهداف قوة عظمى كالصين، يضمن الجهاديون والانفصاليون المتطرفون والحركات الجهادية الأخرى ذلك الانتباه، ومع زيادة مشروعات الصين في باكستان وشراكتها مع الحكومة هناك، من المرجح أن تصبح الأهداف الصينية في باكستان (وحتى أفغانستان وما أبعد من ذلك)، أكثر جاذبية للاستهداف.