نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تحقيقا حول ما وصفته بـ"إخفاقات الأمن البلجيكى" فى رصد الاعتداءات الإرهابية، التى شهدتها باريس فى هذا التاريخ وراح ضحيتها العشرات من المواطنين الفرنسيين والأجانب.
وجاء فى الصحيفة ذاتها أنه فى أعقاب هذه الهجمات، أجرت هيئة مراقبة الشرطة البلجيكية تحقيقاً يرمى إلى تحديد مكامن الخلل فى تتبع تحركات عدد من أعضاء الخلية الإرهابية المنفذة للعملية، بمن فيهم صلاح عبد السلام ذو الأصول المغربية، إذ وصلت إلى خلاصة مفادها أن جهاز الأمن البلجيكى لم يتعامل بالجدية اللازمة فى التعامل مع عدد من التحذيرات والمعلومات التى كانت بحوزته وتهاون فى تتبع أثر منفذى الهجمات رغم الشكوك التى كانت تحوم حولهم.
وذكر تحقيق "لوموند" المبنى على تقرير سرى لهيئة مراقبة الشرطة البلجيكية، أن جملة من المعطيات، التى كانت متوفرة لدى بلجيكا خلال الأشهر الثمانية عشر، التى سبقت هذه الهجمات فى باريس، وهى معلومات تركز على ثلاثة أعضاء من هذه الخلية بقيادة تنظيم داعش الإرهابى.
ويتعلق الأمر بالبلجيكى من أصل مغربى عبد الحميد أباعود، أحد الرؤوس المدبرة للهجمات، والذى قتل فى مداهمة تمت فى ضاحية "سان دوني" الباريسية، إضافة إلى إبراهيم عبد السلام، الذى فجر نفسه فى مقهى "كونطوار فولتير"، وشقيقه صلاح، عضو المجموعة الوحيد الذى لا يزال على قيد الحياة والمتهم الرئيسى فى قضية هجمات 13 نوفمبر، التى ستبدأ الأربعاء 8 سبتمبر 2021 بباريس.
يكشف التقرير الذى وسم بـ "السرى للغاية" أنه قبل 16 شهرا من هجمات نوفمبر 2015، تلقت محققة من خلية "الإسلام" فى قسم مكافحة الإرهاب فى الشرطة القضائية الفدرالية ببروكسيل معلومات مفادها أن شقيقين متطرفين يخططان للانضمام إلى تنظيم "داعش" فى سوريا.
لتسارع الشرطية عقبها مباشرة إلى إعلام رؤسائها شفوياً، وتم التعرف على الأخوين (صلاح وإبراهيم عبد السلام)، وهما فرنسيان من أصل مغربى ولدا ببلجيكا ويعيشان فى حى "مولينبيك" فى العاصمة البلجيكية بروكسيل، وهما فى نفس الوقت صديقا الطفولة للإرهابى البلجيكى عبد الحميد أباعود، المنسق لهجمات نوفمبر الذى كان فى سوريا آنذاك
وحسب "لوموند" فإن التقرير الاستخباراتى أشار إلى أن أول خلل تمثل فى عدم إعداد تقرير عن هذه المعلومات، أى لم يتم تدوينها فى سجل مكتوب، خاصة وأن المحققة التى تلقت المعلومة قد اتصلت تلقائياً بهيئة مراقبة الشرطة البلجيكية بعد الهجمات للإبلاغ عن هذا الأمر، لكن رغم ذلك لم يتم إجراء أى تحقيق أو إعداد تقرير حول الموضوع من قبل الشرطة.
تذكر الصحيفة أنه بعد أسبوع من الهجمات على مقر مجلة "شارلى إيبدو" الساخرة بالعاصمة الفرنسية، اقتحمت القوات الخاصة البلجيكية شقة بمنطقة والون، وقد تمت هذه العملية بسبب مخاوف من أن تمر الخلية الإرهابية التى تم التنصت عليها إلى العمل الميدانى قريباً، وقد توفى خلال العملية إرهابيان بلجيكيان عائدان من سوريا.
وخلال هذه العملية، يكشف التقرير أنه تم العثور على العديد من الأسلحة، وتم تحديد الجهة التى أصدرت الأوامر لهذه الخلية قبل أيام قليلة، وتبين أن عبد الحميد أباعود كان يقود العملية من اليونان، وبعد أن نجا بصعوبة من الاعتقال فى أثينا فى 17 يناير 2015، تمكن من العودة إلى سوريا.
والخلل الآخر الذى تشير إليه صحيفة "لوموند" نقلا عن التقرير الأمنى البلجيكى هو أنه بعد أقل من أسبوعين من الهجوم على "شارلى إبدو"، استقل إبراهيم عبد السلام طائرة إلى إسطنبول، ثم عبر إلى سوريا، وقد استفاد من هذه الإقامة القصيرة ليحضر تدريبات عسكرية ويلتقى بصديقه أباعود، وتم تصويره وبثه فى شريط على الإنترنت تضمن لقطات من فرنسا يظهر فيها الأخوان عبد السلام يطلقان الرصاص على حائط، ويقولان: "هذا من أجل فرانسوا هولاند". وقبل 11 شهراً من 13 نوفمبر، وعلى الرغم من المعلومات المترابطة، فإن شرطة مكافحة الإرهاب الفدرالية البلجيكية لم تكتشف مغادرة إبراهيم عبد السلام إلى سوريا، وبالتالى منعه من ذلك واعتقاله.
فى العشرين من شهر فبراير 2015، تم إدراج إبراهيم ضمن قائمة "سوريا" لهيئة التنسيق لتحليل التهديدات. لكن الغريب فى الأمر" وفق توصيف الصحيفة، أنه لم يتم التحقق لتأكيد تصريحاته، كما أن الأشياء التى تم العثور عليها أثناء التفتيش تم الاحتفاظ بها فى منطقة شرطة بروكسيل الغربية.
وتضيف "لوموند"، "بناء على طلب مكتب المدعى العام الفدرالي، تم فحص هاتف إبراهيم عبد السلام بطريقة سطحية، وبعد عدة أشهر لم يتم التوصل إلى أى نتيجة".
تذكر اليومية الفرنسية أن لجنة التحقيق البلجيكية أثارت فى تقريرها عدداً من الاختلالات الخطيرة فى تدبير هذا الأمر، أبرزها أن الهاتف لم يتم العثور عليه لعدة أشهر إلى أن تم اكتشافه فى مبنى شرطة بروكسيل الغربية بعد عام واحد من الهجمات فى نوفمبر من 2016 وتم فحصه من جديد.
وباستخدام برمجيات أقوى من تلك المستخدمة فى المرة الأولى، تمكن محققون متخصصون من استعادة محادثة محذوفة على "فيسبوك" بين إبراهيم عبد السلام وعبد الحميد أباعود تعود إلى 1 يوليو من سنة 2014، أى قبل أكثر من ستة أشهر من مشروع "فيرفيرس" الإرهابى وإقامة إبراهيم عبد السلام فى سوريا.