كشف مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذى يتخذ من واشنطن مقرا له، أن البنية التحتية العالمية للمياه تتطلب ضخ 22.5 تريليون دولار إضافية بحلول عام 2050، أي 114 مليار دولار سنويا، من أجل الوصول إلى بنية تحتية مستدامة للمياه وتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة 2030، كونها أحد أكبر التحديات العالمية في الوقت الحالي بسبب الأزمات المتعلقة بموارد المياه النظيفة التي تأثرت سلبيا بسبب تغير المناخ.
وأشارت المركز في دراسة له، نُشرت حديثا، إلى ضرورة تأمين مصادر تمويل جديدة من الولايات المتحدة وحلفائها في مجموعة السبع (G7) وأيضا الشركاء متعددي الأطراف، بالإضافة إلى المصادر التقليدية المحلية وإيجاد آليات تمويل مبتكرة لتمويل خدمات المياه والصرف الصحى إلى جانب المصادر الحالية المحلية من الضرائب والتعريفات والتحويلات والمنح من المانحين الدوليين أو المنظمات غير الحكومية.
واستعرضت الدراسة مبادرة إعادة بناء عالم أفضل (Build Back Better World (B3W، والتي جرى الإعلان عنها في مؤتمر G7 في يونيو2021، كأحد السبل التي يمكن من خلالها مواجهة تحديات البنية التحتية للمياه في جميع أنحاء العالم ومحاولة لتلبية احتياجات البنية التحتية للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل (LMICs).
وتركز المبادرة على أربعة محاور ذات أولوية وهي: المناخ والأمن الصحي والتكنولوجيا الرقمية والمساواة بين الجنسين وتقوم على جمع التمويل من وكالات المعونة لمجموعة السبع G7 ومؤسسات تمويل التنمية (DFIs)، بما في ذلك التنسيق بين الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ومؤسسة تحدي الألفية (MCC) ومؤسسة تمويل التنمية (DFC) لتحفيز الاستثمار الخاص لمشاريع البنية التحتية.
كما أطلقت الولايات المتحدة استراتيجية المياه العالمية عام 2017 للعمل مع البلدان الشريكة والجهات المعنية لتحقيق الأهداف المتعلقة بالمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والوكالات الأخرى، وقدمت الوكالة 450 مليون دولار لدعم برامج المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في عام 2020، ووفرت خدمات المياه النظيفة لحوالي 59.5 مليون شخص والصرف الصحى لأكثر من 44.6 مليون شخص منذ 2008 وحتى 2020.
كما حددت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية 21 دولة ذات أولوية عالية (HPCs) والتي تواجه تحديات وفرص المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية ومساعدتهم في إحراز تقدم أكبر في مواجهة هذه التحديات. وقامت مؤسسة تحدى الألفية (MCC) بتقديم 1.1 مليار دولار في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة في ديسمبر 2021، والتي تندرج في المجالات التالية: البنية التحتية للمياه والصرف الصحى والنظافة.
ومن الأمثلة على هذه المشاريع توقيع اتفاقية بين مؤسسة تحدي الألفية والسلفادور بقيمة 461 مليون دولار ولمدة خمس سنوات للحد من الفقر من خلال الاستثمار في المنطقة الشمالية، حيث جرى توصيل مياه الشرب لنحو 7600 أسرة منذ بداية المشروع وحتى الآن.
وأشارت الدراسة إلى التحديات الجسيمة التي تواجه المناطق الحضرية والريفية للحصول على المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي والنظافة، مشيرة إلى التفاوتات الواضحة في تغطية البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والنظافة فى المناطق الحضرية عن المجتمعات الريفية، إلا أن داخل المناطق الحضرية ما زالت هناك أحياء محرومة أيضا من الخدمات الأساسية.
وأرجعت الدراسة هذا الأمر إلى النمو السكاني الكبير في الأحياء الفقيرة على مستوى العالم بمعدل ستة ملايين شخص سنويا، معظمها في ثلاث مناطق فقط: أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشرق وجنوب شرق آسيا ووسط وجنوب آسيا.
وتناولت الدراسة مدى إمكانية دعم مصادر التمويل في الولايات المتحدة وشركائها في مجموعة الدول السبع لأهداف التنمية بتقديم مجموعة من الأدوات والآليات التي تعزز قدرة حكومات البلدان النامية والمجتمعات المحلية على الحفاظ على الاستثمارات فى مجال معالجة تحديات البنية التحتية للمياه على المدى الطويل، من خلال تفعيل الصناديق الحكومية المتجددة التي توفر التمويل الثابت لمشاريع البنية التحتية للمياه، وخلق بيئة قوية لضمان بناء وصيانة البنية التحتية للمياه دوريا وبشكل سليم، وتوفير التقنيات المبتكرة لمشروعات المياه المستدامة.
وتناولت الدراسة عددا من الخطوات الفورية التي يجب أن تُتخذ من أجل مواصلة التوسع في توفير مرافق مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي واستدامتها في المناطق النائية والفقيرة ومنها صيانة وتطوير البنية التحتية التي تربط مصادر المياه النظيفة فى المجتمعات الريفية وكذلك ربط المناطق الريفية الموجودة على السواحل والمعرضة جغرافيا للتصحر.
وسلطت دراسة مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية الضوء على الفوائد الهائلة التي يمكن أن تحصل عليها مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى من دعم إنشاء صناديق تمويل برامج البنية التحتية لمياه الشرب في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وهي "آلية تقدم قروض طارئة يتم سدادها للصندوق مع استحقاق المشروع وتحقيق الدخل"، حيث أنها تدعم تمويل مشاريع المياه بالعملة المحلية وتستفيد من أسواق رأس المال المحلية التي تدعمها خبرة مجموعة الدول السبع وبالتالي تطوير الأسواق على المستوى المحلي وإيجاد خيارات مبتكرة للقطاع الخاص لتمويل البنية التحتية خارج النظام الحكومي المركزى، وتتمتع صناديق التمويل الاجتماعى بقدرتها على بناء أساس قوي لتطوير البنية التحتية للمياه على المستوى المحلي.
وأشارت إلى وجود صندوقين في الولايات المتحدة (SRFs) لتمويل برامج البنية التحتية لمياه الشرب وكذلك وكالة حماية البيئة (EPA) لتقديم قروض منخفضة الفائدة لمشاريع المياه عالية الجودة للمجتمعات المحرومة في الولايات المتحدة بشروط تمويل مرنة ومساعدات فنية وشراكات.
ونوهت الدراسة بأنه يجب تشجيع القطاع الخاص أيضا على المشاركة في الاستثمار في البنية التحتية للمياه والصرف الصحي نظرا للتكاليف الهائلة لنقص المياه على الاقتصاد العالمي، حيث توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن 40% من سكان العالم يعيشون في مناطق تعاني من ضغوط مائية بسبب زيادة عدد السكان والتغيرات المناخية أدت إلى نقص في إمدادات المياه.
وأشارت الدراسة إلى الدور الهام الذي تقوم به مؤسستي USAID و DFIs في تقديم الخبرة اللازمة والدعم الفني لمشاريع البنية التحتية المتعلقة بالمياه للحكومات عن طريق تقديم الاقتراحات بشأن الإصلاحات التنظيمية وجمع البيانات ونشرها وبناء القدرات ودراسات الجدوى وقياس الأثر البيئي والاجتماعي للمشاريع المختلفة.
وتعد التكنولوجيا المبتكرة أيضا جزءا مهما من تحقيق بنية تحتية مائية مستدامة وفعالة مثل تقنية UVC-LED لتطهير المياه إلى تكنولوجيا توليد الغاز الحيوي واستعادته في محطات معالجة مياه الصرف الصحي، بالإضافة إلى تقنيات تحسين تنقية المياه، بما في ذلك تقنية النانو وتكنولوجيا الأنابيب النانوية الصوتية وتكنولوجيا التحفيز الضوئي. وكذلك تحليل أنظمة المياه من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) لجمع البيانات حول جودة المياه واكتشاف المشكلات وتحليلها وطرح الحلول الممكنة وتقييم الأداء.
واختتمت الدراسة بأن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تقوم، من خلال استراتيجيتها العالمية للمياه، بدور رائد في التوسع في استخدام التقنيات المبتكرة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لنقل المعرفة والتكنولوجيا من خلال شراكات مع الحكومات المحلية والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والوصول إلى المجتمعات الريفية عن طريق استخدام المرافق الصغيرة كبديل أكثر نظافة وصحة عن الخزانات والآبار التي توفر المياه حاليًا للمجتمعات الريفية منخفضة الدخل.