قال جيمس كومى مدير مكتب التحقيقات الاتحادى فى معرض الامتناع عن طلب مقاضاة هيلارى كلينتون أن أسلوب تعامل وزيرة الخارجية السابقة مع البريد الالكترونى السرى اتسم "باستهتار شديد" وهو مسلك قال خبراء قانونيون أنه لا يصل إلى مستوى "الإهمال الجسيم" الذى يمثل تهمة جنائية بمقتضى قانون التجسس.
وقال كومى فى مؤتمر صحفى أمس الثلاثاء شرح فيه نتائج التحقيق وقراره "رغم وجود أدلة على انتهاكات محتملة للقوانين فيما يتعلق بالتعامل مع المعلومات السرية ففى رأينا أنه لا يوجد مدع يتصف بالحصافة سيقدم على رفع مثل تلك القضية."
واتفق عدد من خبراء القانون مع كومى فيما توصل إليه من استنتاج أنه لا توجد سابقة حديثة للاستناد إليها فى رفع الدعوى دون أدلة على التعمد أو الإهمال الجسيم وقالوا أن من الصعب إقناع هيئة محلفين بإدانة كلينتون بناء على المتاح من الأدلة.
وقالت لورى ليفنسون أستاذة القانون بكلية لويولا الحقوقية فى لوس أنجليس وهى مدعية اتحادية سابقا "الاستهتار الشديد لا يترجم بالضرورة إلى الإهمال الجسيم."
وأضافت "المرات الوحيدة التى شهدت فيها استخدام تلك القوانين حدثت فى مواقف كان الناس يعلمون فيها أنهم يفشون معلومات سرية أو أنهم أبدوا عدم مبالاة فعليا."
وقال كومى أن المحققين توصلوا إلى أن كلينتون تبادلت مع أطراف أخرى 110 رسائل بريدية تضمنت أسرارا حكومية وإنه كان من المفترض أن تكون هى والعاملون معها على دراية بسرية تلك المعلومات.
لكن على النقيض من حالات أخرى وصلت إلى المحاكم بموجب قانون التجسس لم يشر مكتب التحقيقات الاتحادى إلى أن كلينتون تعمدت تبادل أسرار حكومية مع أشخاص ليسوا مخولين سلطة الاطلاع عليها.
ويشترط القانون الذى يتضمن تهمة الإهمال الجسيم بمقتضى قانون التجسس والصادر عام 1917 أن تكون المعلومات "نقلت من مكانها الصحيح" وقال ستيفن فلاديك أستاذ القانون بجامعة تكساس أن ذلك يعد شرطا قانونيا صعبا فى عصر الانترنت.
وقال الخبراء أن القضايا السابقة التى نظرتها المحاكم بمقتضى قانون التجسس أوضحت صفة التعمد.
وقال محامى الدفاع آبى لويل أن قرار كومى "يتسق تماما" مع كل القضايا التى رفعت بناء على تسريب معلومات حكومية سرية.
ومن المتهمين فى قضايا أخرى ستيفن كيم موكل لويل الذى اعترف بالذنب فى تهمة تسريب وثائق لوزارة الخارجية إلى الصحافة وكذلك ديفيد بترايوس المدير العام السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية الذى اعترف بالاحتفاظ بمعلومات سرية فى بيته وتبادلها مع كاتبة سيرته الشخصية وذلك بعد أن أخطر الحكومة بإعادتها كلها.
وقال لويل "العامل المشترك فى كل هذه القضايا هو أن الفرد المعنى أرسل المادة عامدا متعمدا إلى من لا يحق لهم استقبالها مثل الصحافة ومثل حكومة أجنبية."
وقال كومى أن مكتب التحقيقات الاتحادى "لم يتوصل إلى أدلة واضحة على أن الوزيرة كلينتون أو زملاءها تعمدوا انتهاك القوانين التى تحكم التعامل مع المعلومات السرية."
لكنه قال أن المكتب توصل إلى "أدلة على أنهم تعاملوا باستهتار شديد مع معلومات فى غاية الحساسية وشديدة السرية."
وقد أغضبت توصيته- التى قالت وزيرة العدل لوريتا لينش من قبل إنها ستقبلها- الجمهوريين الذين قالوا أنه يجب معاقبتها على أفعالها.
وقال دونالد ترامب الذى يتصدر سباق الترشيح للرئاسة عن الحزب الجمهورى عبر حسابه على تويتر "تلاعب فى النظام. فالجنرال بترايوس وقع فى المتاعب لأسباب أتفه بكثير."
ففى حالة بترايوس أوصى مكتب التحقيقات الاتحادى بتوجيه تهمة جنائية لكن وزير العدل حينها إيريك هولدر وجه له الاتهام كجنحة بمقتضى بند آخر فى القانون واعترف بترايوس بالذنب. وحكم عليه بالسجن عامين مع وقف التنفيذ عام 2015.
وكان لدى مكتب التحقيقات تسجيلات لبترايوس يعترف فيها بأن المعلومات الواردة فى مذكرات ببيته شديدة السرية. كما اعترف بترايوس بالكذب على مكتب التحقيقات الاتحادى فيما يتعلق بتبادل المعلومات مع بولا برودوول كاتبة سيرته الشخصية وعشيقته.
وقال ستيفن آفترجود مدير مشروع لاتحاد العلماء الأمريكيين يتعلق بالسرية فى الحكومة أن تعاون كلينتون مع المحققين ربما كان عاملا ساعدها فى تفادى توجيه اتهامات لها.وأضاف "لم يحدث عرقلة للعدالة أو عدم التعاون بأمانة مع المحققين ولم يحدث إخفاء لنشاطها."
وتشير السوابق القانونية إلى أن من المستبعد أن تواجه كلينتون تهمة ارتكاب جنحة الإهمال لأن القضايا الأخيرة التى وصلت إلى هذا الحد بدأت باتهامات جنائية أكبر كثيرا موجهة لأفراد تعمدوا تسريب المعلومات.
ففى عام 2010 وجهت تهمة التجسس إلى توماس دريك الذى أفشى مخالفات فى وكالة الأمن القومى وساعد فى فضح ما قامت به الحكومة من مراقبة الأمريكيين دون سند قانونى وذلك بعد أن اتهمته الحكومة بنقل خمس وثائق سرية إلى بيته. ونفى هو تلك التهمة فأسقطت عنه. واعترف دريك بارتكاب جنحة فيما يتعلق بتجاوز سلطاته فى استخدام جهاز كمبيوتر.
واعترف مستشار الأمن القومى فى حكومة الرئيس الأسبق بيل كلينتون عام 2005 بتهريب وثائق سرية من الأرشيف الوطنى بحشرها تحت ملابسه. وتم تغريمه 50 ألف دولار وحكم عليه بالسجن عامين مع وقف التنفيذ.