كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن محاولة روسيا اغتيال عميل سابق منشق عن الأجهزة الأمنية الروسية يعيش داخل الأراضي الأمريكية، في تجاوز للخطوط الحمراء التي تجنبها الرئيس فلاديمير بوتين سابقا.
ويلاحق بوتين من يعتبرهم "الأعداء في الخارج"، ويبدو أن عملاء استخباراته على استعداد لتجاوز الخط الذي تجنبوه سابقا، بعد محاولة قتل "مخبر مهم" للحكومة الأمريكية على أراضي الولايات المتحدة.
وقال مارك بوليميروبولوس، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأشرف على عمليات في أوروبا وروسيا "لقد اختفت الخطوط الحمراء منذ فترة طويلة بالنسبة لبوتين، يريد كل هؤلاء موتى".
وكان هدف العملية السرية، ألكسندر بوتييف، وهو ضابط مخابرات روسي سابق كشف عن معلومات هامة لمكتب التحقيقات الفيدرالي على مدى سنوات، ويعيش في مدينة ميامي بولاية فلوريدا.
وساعدت المعلومات التي قدمها لمكتب التحقيقات الفيدرالي في الكشف عن 11 جاسوسا روسيا يعيشون تحت غطاء عميق في الضواحي والمدن على طول الساحل الشرقي في عام 2010.
واتخذ الجواسيس الروس أسماء مستعارة وعملوا في وظائف عادية كجزء من محاولة لوكالة الاستخبارات الأجنبية الروسية (S.V.R) لجمع المعلومات وتجنيد المزيد من العملاء.
وفشلت محاولة الاغتيال، لكن تداعياتها تحولت إلى إجراءات متبادلة من قبل الولايات المتحدة وروسيا، وفقا لما نقلته "نيويورك تايمز" عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين كبار سابقين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم.
وأعقب ذلك عقوبات وطرد، بما في ذلك كبار مسؤولي المخابرات في موسكو وواشنطن.
حسب الصحيفة فقد شعر المسؤولون داخل وكالة المخابرات المركزية بالقلق من أن الجواسيس السابقين الذين انتقلوا إلى الولايات المتحدة، مثل بوتييف، سيكونون قريبا بمثابة أهداف لموسكو.
وكان بوتين قد تعهد منذ فترة طويلة بمعاقبة "بوتييف".
ولكن قبل أن يتم القبض عليه، فر بوتييف إلى الولايات المتحدة، حيث قامت وكالة المخابرات المركزية، بـ"توطينه" بموجب برنامج شديد السرية يهدف إلى حماية الجواسيس السابقين.
وفي عام 2011، حكمت عليه محكمة في موسكو غيابيا بعقود في السجن.
وبدا أن بوتييف قد اختفى، ولكن "في مرحلة ما"، أرسلت المخابرات الروسية عملاء إلى الولايات المتحدة للعثور عليه.
وفي عام 2016، ذكرت وسائل الإعلام الروسية أنه مات، لكنه في الواقع كان على قيد الحياة ويعيش في منطقة ميامي.
وفي ذلك العام، حصل على رخصة صيد وسجّل كعضو جمهوري حتى يتمكن من التصويت، وكل ذلك باسمه الحقيقي، وفقا لسجلات الدولة.
في عام 2018، أفادت إحدى وسائل الإعلام بمكان وجود بوتييف، وفي 2019، أجرى الروس عملية معقدة للعثور عليه، وأجبروا عالِما من أواكساكا بالمكسيك على المساعدة.
وكان العالم هيكتور أليخاندرو كابريرا فوينتيس جاسوسا غير محتمل، وقد درس علم الأحياء الدقيقة في روسيا، وحصل لاحقا على درجة الدكتوراه من جامعة جيسن في ألمانيا.
وكان لديه زوجتان، روسية تعيش في ألمانيا، وأخرى في المكسيك.
وفي عام 2019، لم يُسمح للزوجة الروسية وابنتيها بمغادرة روسيا أثناء محاولتهما العودة إلى ألمانيا، بحسب وثائق المحكمة.
وفي شهر مايو من ذلك العام، عندما سافر السيد فوينتيس لزيارتهم، اتصل به مسؤول روسي وطلب مقابلته في موسكو.
وفي أحد الاجتماعات، هدد المسؤول الروسي فوينتيس، وقال له إن عائلته عالقة في روسيا، مضيفا "ربما، يمكننا مساعدة بعضنا البعض".
وبعد بضعة أشهر، طلب المسؤول الروسي من فوينتيس تأمين شقة شمال ميامي، حيث يعيش بوتييف.
وأمر المسؤول الروسي فوينتيس بعدم استئجار الشقة باسمه، ومنح زميله 20 ألف دولار للقيام بذلك.
وفي فبراير 2020، سافر فوينتيس إلى موسكو، حيث التقى مرة أخرى بالمسؤول الروسي، الذي قدم له وصفا لسيارة بوتييف.
وطالب المسؤول الروسي فوينتيس بأن "يجد السيارة ويحصل على رقم لوحة ترخيصها ويلاحظ موقعها الفعلي"، ناصحا إياه بالامتناع عن التقاط الصور، و"حذف أي دليل إدانة".
لكن فوينتيس أفسد العملية بعدما حاول تجاوز بوابة الدخول من خلال اقتحام مركبة أخرى أثناء قيادته للمجمع، حيث جذب انتباه الأمن. وعندما تم استجوابه، ابتعدت زوجته لتصوير لوحة ترخيص بوتييف.
وطُلب من فوينتيس وزوجته المغادرة، لكن كاميرات المراقبة التقطت الحادث.
وبعد يومين حاول السفر إلى المكسيك، لكن ضباط الجمارك وحماية الحدود الأمريكيين أوقفوه وفتشوا هاتفه، واكتشفوا صورة سيارة بوتييف.
وبعد إلقاء القبض عليه، قدم فوينتيس تفاصيل الخطة إلى المحققين الأمريكيين، وأعرب عن اعتقاده بأن المسؤول الروسي الذي كان يلتقي به يعمل لصالح أحد أجهزة الأمن الروسية.
وقال أحد المسؤولين السابقين إن فوينتيس "غير مدرك لأهمية الهدف"، وكان يقوم بمجرد "جمع معلومات للروس لاستخدامها لاحقا".
وأثارت المؤامرة، إلى جانب الأنشطة الروسية الأخرى، ردا قاسيا من الحكومة الأمريكية.
وقال مسؤولان أمريكيان سابقان إن الولايات المتحدة فرضت في أبريل 2021 عقوبات وطردت 10 دبلوماسيين روس،
وقال الرئيس بايدن في البيت الأبيض في إعلانه عن العقوبات: "لا يمكننا السماح لقوة أجنبية بالتدخل في عمليتنا الديمقراطية مع الإفلات من العقاب".
ولم يشر بايدن إلى المؤامرة المتعلقة بفوينتيس، حسب "نيويورك تايمز".
ومن المؤكد أن روسيا طردت 10 دبلوماسيين أمريكيين، بمن فيهم رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية في موسكو.