طهران ستضطر لبيع النفط بأقل من سعر السوق لمواجهة منافستها المملكة السعودية
الإفراج عن أموال وأصول ايران فى البنوك العالمية سيسمح للشركات الدولية بالاستثمار فى اراضيها
الرحلة نحو مستقبل إيران الجديد تبدأ فى 26 فبراير بانتخابات البرلمان و"مجلس الخبراء"
أكد المحلل السياسى الإسرائيلى تسفى بارئيل، بصحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، أن إيران بدأت مستقبلا جديدا بعد رفع العقوبات الدولية عنها.
وأشار "بارئيل"، إلى أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكد التزام إيران بكل شروط الاتفاق النووى الذى تم التوقيع عليه فى يوليو الماضى، ومن بينها تفكيك 6100 جهاز طرد مركزى، بدلا من 19 ألف جهاز لم تكن غالبيتها ناشطة، وإزالة النواة من المفاعل فى "أراك" وصبه بـ"الباطون" وإخراج فائض اليورانيوم المخصب عن 300 كلجم من الدولة.
الإفراج عن أموال ايران بالبنوك العالمية
وفى المقابل سيتم الإفراج عن أموال وأصول إيران فى البنوك العالمية، وسيسمح للشركات الدولية بالاستثمار فى أراضيها وعقد اتفاقيات تجارية معها دون أى خوف من العقوبات الأمريكية.
وبالإضافة إلى ذلك سيحظى الكثير من الشخصيات الإيرانية المشمولة فى القوائم السوداء الأمريكية والأوروبية بمميزات بعد عامين ونصف من المفاوضات، لينهى الاتفاق النووى 37 عاما من المقاطعة المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران التى بدأت مع اندلاع الثورة الإسلامية بطهران عام 1979.
العلاقات بين إيران والعالم على وشك التغيير
وأوضح "برائيل" أن المخاوف من خرق الاتفاق النووى جزء لا يتجزأ منه، ولكن على الأقل فى هذه المرحلة باتت العلاقات بين إيران والعالم على وشك التغيير بشكل كبير، وسوف تستخدم طبيعتها وشكلها كضمان أساسى لتنفيذ الاتفاق، حيث كان التوصل إلى الاتفاق النووى يعتمد على السلوك الدبلوماسى الدولى الحذر، الذى حرص على سبيل المثال على عدم المس بمصالح إيران فى سوريا، وطمأنة السعودية، وتعويض إسرائيل وتوطيد العلاقات أكثر مع روسيا.
مستقبل الاتفاق سيرتبط بقضايا إيران الداخلية
وأضاف المحلل الإسرائيلى، أن مستقبل الاتفاق سيرتبط الآن بالقضايا الداخلية فى إيران، كالتطورات السياسية التى ستجرى على مدى العقد المقبل فى إيران والولايات المتحدة، وفى شخصية قادة البلدين، ومصالح رجال الأعمال ورجال الدين والإصلاحيين فى إيران وضغوط جماعات الضغط فى الولايات المتحدة.
بداية الرحلة نحو المستقبل الجديد لإيران
وأشار "برائيل" إلى أن بداية الرحلة نحو المستقبل الجديد لإيران ستكون فى 26 فبراير المقبل، حيث معركتا الانتخابات، للبرلمان و"مجلس الخبراء"، الذى يتولى تقييم أداء الزعيم الروحى، "على خامنئى" ابن الـ77 عاما، وتعيين خليفته، ستوضح كيف سيتم تعامل الإيرانيين والقيادة مع الاتفاق النووى، وسترسم معالم المسار السياسى الذى ستمضى الدولة نحوه.
وأوضح المحلل الإسرائيلى أن تسجل أكثر من 12 ألف مرشح لانتخابات البرلمان الذى يضم 290 مقعدا، مشيراً إلى أن هذا رقم قياسى من المرشحين الذين سيتم تصفية الكثير منهم الذين لا يتجاوبون مع المعايير القانونية أو الذين يعتبرون إصلاحيين "بشكل غير مناسب".
ولفت "برائيل" إلى أنه من بين الأسباب التى تبرر هذا العدد الكبير من المرشحين هو أن الإصلاحيين قرروا طرح عدد كبير من المرشحين من قبلهم، لكى يبقى بعد أسلوب التصفية من جانب الحكومة ما يكفى من المرشحين الذين يمكنهم المنافسة من قبلهم.
وأضاف "برائيل" أنه بالنسبة لـ"مجلس الخبراء" فقد ترشح حوالى 800 شخص ينافسون على 88 مقعدا، ومن بين المرشحين البارزين "هاشمى رفسنجانى"، الرئيس الإيرانى الأسبق الذى يعد على رأس التيار الإصلاحى، و"حسن روحانى"، الرئيس الحالى، و"حسن خمينى"، حفيد قائد الثورة روح الله الخمينى.
أهمية الانتخابات هذا العام
وأوضح المحلل السياسى الإسرائيلى أنه حسب عدة تقارير إيرانية فإن "حسن الخمينى" ينوى الاستقالة بسبب الضغوط التى تمارس عليه من قبل المحافظين، حيث تدوم فترة "مجلس الخبراء" 8 سنوات، ومن هنا تأتى أهمية الانتخابات هذا العام، لأنه وعلى الرغم من الأمنيات بطول العمر لـ"على خامنئى" إلا أن حالته الصحية ليست جيدة، حيث إنه مريض بسرطان البروستاتا، ويعانى من عدة أمراض أخرى يمكنها أن تسبب موته أو "عجزه" خلال الدورة القادمة للمجلس.
دور البرلمان الجديد فى ترجمة الاتفاق النووى
وأشار "برائيل" إلى أنه خلال الفترة المتبقية من حياة خامنئى فإنه سيكون للبرلمان الجديد دور مركزى فى ترجمة الاتفاق النووى إلى طابع حياة جديد، اقتصادى وسياسى، بشكل يحسم ما إذا كان الاتفاق جيدا للإيرانيين أو للنظام فقط، وسيضطر البرلمان فى مايو 2016 إلى المصادقة على ميزانية الدولة وتحديد سلم أولوياته، وحسم ما إذا سيوفر للرئيس روحانى خلال السنة الأخيرة من ولايته، المال المطلوب لمساعدته على الفوز بدورة ثانية فى الانتخابات التى ستجرى فى يونيو 2017، أم سيمرر حياته ويمس بمخططاته الإصلاحية والاقتصادية.
وأضاف "برائيل" أن التقليد السياسى منذ الثورة الإسلامية هو شغل الرؤساء لهذا المنصب لدورتين متتاليتين كما يسمح الدستور، ولكن التقليد هو مجرد تقليد، ويمكن لروحانى أن يجد نفسه مثل خاتمى فى فترة ولايته الثانية، كرئيس مقيد يقطف خصومه ثمار إنجازه الكبير.
تأثير أسعار النفط على موازنة إيران
وأوضح المحلل الإسرائيلى أنه مثل هذه القرارات لا يتعلق بميول البرلمان، فقط، وإنما بمجمل الأموال التى ستدخل خزينة الدولة مع رفع العقوبات، خاصة أسعار النفط، مضيفا أنه إذا كان اقتراح الميزانية قد اعتمد فى سبتمبر الماضى على تراوح سعر برميل النفط بين 50-45 دولارا، فقد تحدثوا فى إيران، هذا الأسبوع، عن الحاجة إلى ضبط الموازنة وفق سعر 30 دولارا وأقل، وسيكون لهذه الأسعار تأثيرها الكبير على ميزانيات التعليم والصحة وتوفير فرص العمل الجديدة لاستيعاب ملايين العاطلين عن العمل، خاصة الأكاديميين.
وأكد "برائيل" أن رفع العقوبات يعتبر حيويا، أيضا، لتمكين إيران من تنويع مصادر دخلها وتقليص تعلقها بتصدير النفط، فعلى سبيل المثال، بدأت إيران فى شهر أغسطس الترويج لمواقعها السياحية ودعوة السياح من مختلف أنحاء العالم باستثناء إسرائيل لزيارة المواقع الأثرية للحضارة الإيرانية، وفى شهر إبريل المقبل سيجرى فى إيران الماراثون التقليدى تحت عنوان "I RUN IRAN" الذى تسجل له حتى الآن أكثر من 200 متسابق من 35 دولة، من بينها دول غربية.
وأوضح المحلل الإسرائيلى أن سباق الماراثون أو السياحة بشكل عام لا يمكنهما أن تكون بديلا للنفط، خاصة عندما ستضطر إيران للمنافسة الآن على حصص فى السوق انتزعت منها خلال فترة العقوبات.
منافسة إيران للسعودية فى سوق النفط
وأشار "برائيل" إلى أنه لتحقيق هذه الأهداف ستضطر لبيع النفط حتى بأقل من سعر السوق ومواجهة منافستها المملكة العربية السعودية، التى تضررت هى أيضا، بسبب انخفاض أسعار النفط، ولكنها تملك احتياطات ضخمة من النقد الأجنبى يبلغ مجموعها 700 مليار دولار.
تغيير قوانين تشجيع الاستثمار
كما ستضطر إيران إلى تغيير قوانين تشجيع الاستثمار، وإجراء إصلاحات فى المنظومة البنكية وتخفيف البيروقراطية الثقيلة التى تصد التغييرات، كى يوافق المستثمرون الأجانب على الانضمام لترميم اقتصادها، فى الوقت الذى يهدد فيه الكونجرس الأمريكى بفرض عقوبات جديدة على خلفية مشروع تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية.
وأنهى برائيل تقريره قائلا، "ستبدأ إيران السباق القومى وهى مقيدة بالأوزان الثقيلة على ساقيها، تلك التى يمكن أن تعوق كثيرا الانتقال من دولة محاصرة إلى دولة مزدهرة، يمكنها تسجيل الاتفاق النووى كإنجاز تاريخى لمواطنيها".