"الفلوجة" مأساة عراقية لا تنتهى

"اليورنيوم" الأمريكى مازال يحصد أرواح الآلاف من أبنائها وداعش يكمل مسيرة القتل
آلاف الأطفال يولدون برأسين ودون أعضاء تناسلية وتشوهات بالقلب والعمود الفقرى من تأثير الاشعاعات النووية
الخبراء: معدل الإصابة بالسرطان في المدينة يفوق "هيروشيما وناجازاكى"



منذ نوفمبر عام 2004 وحتى اليوم، لا توجد مدينة على ظهر الأرض تعانى من كوارث إنسانية تعادل ما حل بـ "مدينة الفلوجة" العراقية، وذلك بعدما أمطرها الأمريكان بآلاف الأطنان من القنابل المزودة باليورنيوم المنضب، لدرجة جعلت نحو 90% من مواليد تلك المدينة يولدون إما مصابين بسرطان الدم، أو مشوهين، بعد أن تلوث الماء والهواء والاراضى الزراعية، بالإشعاعات النووية التى لن يزول أثرها سوى بعد عشرات السنين، لدرجة جعلت النساء يتجنبون الحمل، نظر لخروج الأطفال إما برؤوس غير طبيعية، أو برأسين، أو برؤوس على أشكال غريبة، أو دون أعضاء تناسلية، أو دون يدين، أو رجلين، أو مصابون بتشوهات في القلب أو العمود الفقرى، أو بعين واحدة وسط الرأس، إلى غير ذلك من الإصابات، لتستكمل داعش مسيرة القتل في المدينة التى لم تسلم من الاذى حتى عند تحريرها.

ويكاد يكون هناك إجماع من الأطباء هنا، على أنه لا توجد مستشفى أطفال في العراق، إلا ويوجد بها أطفال حديثى الولادة من أبناء الفلوجة مشوهين، نتيجة لما أصابها من كوارث اليورنيوم المنضب، لدرجة انه من كثرة موت الأطفال، أعرضت النساء عن الحمل، رحمة بهن وبأبنائهن، وإن صادف أن حملت سيدة، فإنها تظل طوال شهور الحمل في خوف ورعب أن يخرج طفلها إلى الدنيا مشوها، أو يكون مصيره الموت بعد أيام أو شهور قليلة.

وتتضارب التقارير الموجودة بالمستشفيات داخل وخارج الفلوجة عن نسب الأطفال الذين يولدون مشوهين في مدينة بشكل كبير، غير أنها جميعا تتحدث عن موت وإصابة ألاف الأطفال بتشوهات على مدار الـ 12 عاما الأخيرة، في الوقت الذى أكدت فيه تقارير أخرى عن استحالة ولادة إنسان متكامل الصفات في أغلب مناطق العراق لـ 3 أو 4 أجيال قادمة، بسبب تأثيرات إشعاعات اليورانيوم المخصب الذي خلفته الحروب الأمريكية المتتالية على العراق.

في الوقت الذي أكدت فيه مصادر لـ "انفراد" عن وجود تقارير بوزارة العلوم والتكنولوجيا العراقية منذ سنوات، تؤكد وجود نحو 100 موقع بمختلف أنحاء العراق بخلاف الفلوجة، ملوث بالإشعاعات النووية، نظرا لاحتوائها على مخلفات الأسلحة والحروب والتى توالت على العراق منذ عام 1991، وأن أغلبها تقع في جنوبى العراق، وهو ما بعد السبب الرئيسى وراء انتشار السرطانات المختلفة بين الكبار والصغار في تلك المناطق، والتى انتقلت بدورها إلى مناطق الوسط والشمال، دون وجود أدنى تحرك من الحكومات المتعاقبة التى انشغلت في الصراعات السياسية

تأمر منظمة الصحة العالمية

ويؤكد أطباء عراقيون، أن منظمة الصحة العالمية ترفض بضغوط أمريكية وبريطانية، الإفراج عن التقارير التى جمعتها من الفلوجة و 6 محافظات عراقية أخرى على مدار السنوات الماضية، والتى تحوى الأرقام والنسب الحقيقية لتشوهات الأطفال في تلك المدينة وأسبابها، حتى لا يتم فضح الأمر عالميا، في الوقت التى تشير الإحصائيات العراقية، إلى ارتفاع غير طبيعى لتشوهات الأطفال بشكل غير مسبوق منذ العدوان الامريكى والبريطانى على العراق في 1991

وتؤكد الدكتورة رباب السعيد أخصائية الأطفال بإحدى المستشفيات العراقية، ان كل الإحصائيات العراقية والدولية لم تستطيع حصر سوى أقل من ثلث الموجود الفعلي من الأطفال المشوهين، خاصة وإنها بالكامل قد اعتمدت على ما هو مثبت في دفاتر المستشفيات، في حين أن نحو 70% ويزيد من تلك الحالات كانت لا تتردد على المستشفيات ويتم متابعتها في العيادات الخارجية، وان تلك الأعداد لم يتم توثيقها، بالإضافة إلى آلاف الحالات التى توفيت، أو ولدت ميتة وتم دفنها دون إثباتها في دفاتر المواليد أو الوفيات

وتقول رباب السعيد، من خلال معيشتي للآلاف من تلك الحالات داخل المستشفيات وفى العيادات الخاصة، فإن الآلاف الأمهات للأطفال الذين أصيبوا بتلك التشوهات، كم يأتينا إلى المستشفيات ولديهن يقين أن أبنائهن سوف يموتون، لدرجة أن هناك أمهات فقدت 3 و 4 أطفال.

إبادة جماعية

وتقول الدكتورة هاجر الدليمى، أستاذ الأشعة: لقد شاهدت خلال عملى بمجال الأشعة صورا لتشوهات الآلاف الأطفال من مختلف أنحاء العراق، أغليهم من الفلوجة، ليس لها تفسير في كتب الطب في العالم، ومازالت هذه الحالات تتوالى، في الوقت الذى زادت فيه نسبة الإصابة بالسرطانات المختلفة خلال الـ 12 عاما الأخيرة، عقب استخدام أمريكا وبريطانيا لأسلحة محرمة دوليا في الفلوجة وعدد من المدن العراقية، ولا أدرى لماذا ليقف العالم صامتا أمام هذه الجريمة التى تعد بمثابة إبادة جماعية للأطفال العراق؟.

دراسة بريطانية تفضح الأمريكان

ويشير الدكتور حيدر محمد أستاذ طب الأطفال، انه لم يفضح أمر الأمريكان والبريطانيون، سوى دراسة قام بها فريق طبى بريطانى متخصص ضم 11 باحثا من مختلف الجامعات البريطانية و رأسه الدكتور "كريس باسبي" الأستاذ بجامعة أولستر في أيرلندا الشمالية ، وشملت 711 منزلا في مدينة الفلوجة، حيث أكدت النتائج، أن معدل وفيات الأطفال والإصابة بسرطانات الدم فى مدينة الفلوجة العراقية نتيجة للقصف الامريكى للمدينة فى عام 2004 قد فاقت معدلات الوفيات والإصابة بـ "لوكيميا الدم" في هيروشيما وناجازاكي اللتين قصفتا بقنبلة نووية عام 1945، حيث ارتفعت معدلات الإصابة باللوكيميا بمعدل 38 ضعفا، وزادت معدلات سرطان الثدي بنسبة عشرة أضعاف ، إلى جانب الزيادة الكبيرة في أورام المخ لدى الكبار.


وأشار الدكتور علاء عدنان، أستاذ الأورام، أن الباحثين بالدراسة البريطانية قد ابدوا دهشتهم من سرعة انتشار الإصابة بالسرطانات بالفلوجة، بنسب تزيد كثيرا عن هيروشيما وناجازاكى، إلى جانب التغيير الرهيب في نسبة المواليد من الذكور والإناث، فبينما كانت في الحالات الطبيعية 1050 من الذكور مقابل 1000 من الإناث ، انخفضت النسبة بعد 2005 بمعدل 18%، فأصبح كل 850 مولودا ذكرا يقابلهم 1000 فتاة، وهو ما يعد مؤشرا على الضرر الوراثى الذى حدث.

وأكد عدنان، أن الدكتور "كريس باسبي، رئيس الفريق البحثى الذى أجرى الدراسة، قد أكد في تقرير له، أن تأثير الحرب على المدنيين كان الأشد على سكان الفلوجة منه على أي مكان آخر، بسبب الاستمرار في محاصرة المدينة وحجبها عن بقية أنحاء العراق بعد 2004، مشيرا أن مثل تلك النتيجة الكارثية قد نجمت عن مؤثرات ضخمة وقعت خلال الهجوم الأمريكي عام 2004، خاصة وأن أنواع تلك السرطانات مشابهة لتلك التي أصابت الناجين من سكان هيروشيما، الذين تعرضوا لـ "الإشعاع المؤين" إثر سقوط القنبلة الذرية، و أن مدى التغير الجيني الذي يعاني منه سكان الفلوجة يشير إلى استخدام "اليورانيوم والفوسفور الأبيض" إضافة إلى سلاحا جديدا ضد المباني يخترق الجدران ويقتل من بداخلها.

كارثة داعش

ولم تكتفى الآلام بما حل على المدينة من ضربات أمريكية خلال السنوات الأخيرة، حيث أقدمت داعش على إحتلال الفلوجة منذ نحو عامين، وأحدثت بها مجازر تفوق الخيال، ونكلت بأهلها واستباحت كل شيىء فيها، إلى أن بدأت القوات العراقية مدعومة بمليشيات الحشد الشعبى الشيعية، في تنفيذ عمليه تحرير المدينة التى انتهت بطرد داعش منها خلال شهر يونيو الماضى، إلا أن القوات أبت أن تترك المدينة دون جراح، حيث احتجز عناصر الحشد الشعبي المئات من السُنه من ابناء بالمدينة، ونكلوا بهم وعذبوهم،وحتى اليوم، لا يزال أكثر من 700 سنيا من أبناء الفلوجة مفقودين خلال عملية التحرير، ولا يعلم بمصيرهم أحد، لتزداد جراح الفلوجة الم على الم.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;