يحيى العالم بعد غد لأول مرة اليوم العالمى للتوعية بأمواج تسونامى 2016، حيث تستضيف العاصمة الهندية (نيودلهى) الحدث العالمى للاحتفال، إلى جانب المؤتمر الوزارى الآسيوى بشأن الحد من مخاطر الكوارث الذى بدأ بالفعل أمس ويستمر حتى السبت المقبل.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت القرار 203/70 فى ديسمبر 2015، باعتبار الخامس من نوفمبر يوماً عالمياً للتوعية بأمواج تسونامى، وتدعو جميع الدول الأعضاء ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى والمجتمع المدنى، بما فى ذلك المنظمات غير الحكومية والأفراد، إلى الاحتفال باليوم العالمى للتوعية بأمواج تسونامى، على النحو الملائم ووفقا للأولويات الوطنية، من أجل التوعية بالمخاطر التى تسببها أمواج تسونامى.
وكانت اليابان قد قدمت مشروع قرار للجنة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة للحد من الكوارث تهدف إلى التوعية بالتهديدات التى تشكلها أمواج البحر الزلزالية فى جميع أنحاء العالم، وقد صدقت حوالى 60 بلداً، معظمها فى آسيا والدول الأفريقية ودول جزر المحيط الهادى على الوثيقة.
ويعود اختيار تخصيص يوم 5 نوفمبر إلى قصة سكان قرية هيرو مورا اليابانية، عندما قام قروى فى 5 نوفمبر عام 1854 بإنقاذ حياة سكان قريته، بأن أشعل النيران فى حزم محصول الأرز الذى جمعه مضحيا بممتلكاته من أجل الإسراع بنشر المعلومات عن وقوع موجة تسونامى، فأدى بذلك إلى إجلاء أهل القرية والقروى المجاورة من خطر التسونامى، ليعمل بعد ذلك على إعادة بنائها بشكل أفضل.
ويعنى مصطلح التسونامى فى اللغة اليابانية الكبير "تسو"، وموجة "نامي"، أى الموجة الكبيرة، والتسونامى، هو عبارة عن أمواج بحرية متلاحقة وسريعة وعالية تضرب المناطق الساحلية، وتكون على شكل عواصف هوائية قوية محملة بالماء، وبسبب سرعتها وارتفاع أمواجها التى قد يصل ارتفاعها إلى 40 متراً، فإنها تغمر الأراضى والمبانى القريبة من الساحل وتلحق بها دماراً كبيراً، وتنشأ هذه الظاهرة الطبيعية نتيجة حدوث زلزال فى قاع البحر أو المحيط .
وتمر عاصفة التسونامى بثلاث مراحل هى مرحلة التولد ومن ثم مرحلة الانتشار، ثم مرحلة الإغراق، وتختلف أمواج التسونامى عن الأمواج البحرية العادية بالنواحى التالية: السرعة، حيث تتراوح سرعة موجة التسونامى بين 500- 700 كيلومتر فى الساعة، الحجم، حيث تختلف كمية المياه التى تحملها الموجة حسب حجم الموجة، والخسائر التى تسببها.
ومن الناحية التاريخية، تعتبر ظاهرة التسونامى ليست ظاهرة نادرة، حيث وقع خلال القرن الماضى وبداية هذا القرن 796 تسونامى، حلت 17% منها بالشواطئ اليابانية من بينها 25 كارثة تسونامى فى القرن الماضى معظمها سجلت فى آسيا والمحيط الهادئ، خاصة اليابان، ففى أوائل 426 قبل الميلاد تساءل المؤرخ اليونانى ثيويسدسديس فى كتابه تاريخ الحرب البيلوبونيسية عن أسباب كارثة تسونامى وقال بأنه من الأرجح أنه ينجم عن زلازل المحيطات.
وقد صدرت مؤخراً دراسة فى مجلة العلوم تكشف أسرار هذا الزلزال الهائل قبالة الساحل الشرقى لليابان الذى حدث عام 2011، والذى مازال يطرح حقائق قادرة على إدهاشنا، فالخبراء يقدرون الانشقاق الذى حدث أو المسافة بين طبقتى الأرض اللتين تباعدتا أثناء الزلزال، بما مقداره 50 مترا، وهو أكبر ثانى انشقاق تم رصده، قد يكون ذلك الناتج عن زلزال شيلى عام 1960 الذى تراوح حجم الانشقاق فيه بين 30 و40 مترا.
ويقترب من هذه المسافة الزلزال الضخم فى جزيرة سومطرة عام 2004 الذى أحدث فلقا فى الأرض يقدر من 20 إلى 25 مترا، وذكر كيلن فانج العالم الجيوفيزيائى، أنه لم نر من قبل فلقا يصل إلى 50 متراً، مضيفا أن معظم الحركة فى طبقات الأرض تتم بطريق أفقية، ولكن لأن الطبقات فى هذه المنطقة كانت محشورة فى بعضها البعض فقد قامت الإزاحة التى حدثت بدفع مياه البحر إلى الأعلى وتكوين هذا التسونامى القاتل الذى ضرب اليابان.
وتشير التقارير العلمية إلى أنه لا يمكن منع أو التنبؤ بالتسونامى على وجه الدقة حتى ولو كانت مؤشرات الزلزال تشير إلى المكان بشكل صحيح، حيث يحلل الجيولوجيين وعلماء المحيطات ومختصى الزلازل كل زلزال وحسب عدة عوامل يمكن أن يصدرون تحذير عن التسونامى، ومع ذلك هناك بعض علامات التحذير من موجات التسونامى الوشيكة الحدوث، وغيرها من الأنظمة التى يجرى تطويرها واستخدامها للحد من أضرار التسونامى، وتعتبر أهم وأكثر النظم استخداما لرصد التسونامى هى أجهزة الاستشعار التى تعمل بالضغط، وتثبت وترفق بالعوامات، وتقوم أجهزة الاستشعار هذه بمراقبة ضغط عمود الماء باستمرار عندما يبلغ الضغط عند عمق 5000 متر نحو 5.7 مليون طن لكل متر مربع، فعندما يكون الجزء المتقدم من التسونامى هو المنخفض الموجى، فسوف تنحسر مياه الشاطئ قبل نصف فترة موجة التسونامى ووصولها إلى الشاطئ، وإذا كانت مياه الساحل ضحلة فإن تراجع المياه يمكن أن يتجاوز مئات الأمتار.
ويمكن استخدام نظام إنذار التسونامى فى المناطق التى يرتفع فيها خطر التسونامى للكشف عن التسونامى وتحذير السكان قبل وصول وصوله إلى الأرض، فعلى السواحل الغربية للولايات المتحدة المعرضة لأمواج التسونامى من المحيط الهادئ، يوجد هناك 170 محطة مراقبة، تتجمع معلوماتها للتحذير من تسونامى، ومقره هونولولو فى جزر هاواى الأميركية، وترتبط بهذا المركز 26 دولة، ليس بينها أى من دول جنوب شرق آسيا، لترشد علامات التحذير السكان إلى الإخلاء حيث يرصد جميع التموجات الزلزالية التى تحدث فى أى مكان فى المحيط الهادئ.
وبدأ تنفيذ نظام الإنذار المبكر بالأمواج العاتية الدولى فى عام 1965، ويقوم برصد الزيادة فى حجم الموجات غيرها وبناء عليه يتم إرسال الإنذار، وكان زلزالا قوته 9,2 درجات بمقياس ريختر قد وقع فى العام 1964 فى المناطق البحرية بألاسكا واجتاحت الأمواج العاتية الخطيرة الناتجة عنه معظم مناطق الولاية، وبعد وقوع الكارثة، بدأت مصلحة البحار والمناخ الوطنية الأمريكية العمل فى البحوث المعنية بنظام الإنذار المبكر بالأمواج العاتية الدولى وحققت نجاحات تدريجيا، وبعد ذلك انضمت إلى هذا النظام بالتتابع بعض الدول بأميركا الشمالية وآسيا وأميركا الجنوبية وبعض الدول الجزرية الواقعة على حزام الزلازل فى المحيط الهادئ.
ويتمكن هذا النظام من إبلاغ الدول المعنية بإنذار بحدوث أمواج عاتية مدمرة فيها قبل 3 إلى 14 ساعة من وقوعها، ومنذ العام 2001، قامت "الإدارة القومية للمحيطات والطقس" الأمريكية بتطوير أجهزة ووسائل قياس، أطلقت عليها تسمية "توسناميترز" وهى أجهزة دالة على قياس موجات المد البحرى أو "تسونامي" كما تشير العبارة.
وبفضل تركيب 6 من هذه الأجهزة فى عمق يتراوح بين 2، 5 إلى 4 أميال داخل المحيط الهادئ فقد أصبح فى الإمكان قياس التغيرات التى تطرأ على ارتفاع موجات المحيط فى حال مرور موجات تسونامى فى ذلك العمق، وما أن ترصد تغيرا ما بفعل الموجات المذكورة، حتى تعاجل بإرسال إشارات إنذار صوتية إلى عوامة طافية فوق السطح، ومن هناك تنبعث الإشارة الصوتية إلى الأقمار الاصطناعية الموصولة بها، لتعود منها ثانية إلى الأرض، حيث مراكز الإنذار المبكر عن التسونامى، المنصوبة فى كل من هاواى وألاسكا، ولا تستغرق كل هذه العملية أكثر من دقيقتين لكى تصل الإشارة إلى مراكز الإنذار المبكر.
وتمتلك اليابان خبرة هائلة فى التعامل مع موجات المد البحرى الناشئة عن المد الزلزالى تسونامى، إضافة إلى أن لوحة فنانا القرن 18 اليابانى الشهير هوكوساى التى تصور تسونامى وهى تجتاح جبل فوجى، ربما كانت الأشهر على الإطلاق، وتأخذ اليابان مخاطر التعرض لتسونامى مأخذ الجد الكامل، حتى أن إحدى الجامعات اليابانية لديها كلية هندسة تخصصية فى مجال دراسة هذه الظواهر وتأثيراتها.
ويوجد فى اليابان- أيضاً- هيئة مواجهة تسونامى والتى أنشئت عام 1952 وتديرها جمعية الأرصاد اليابانية، ولدى اليابان 6 مراكز إقليمية متصلة بـ300 جهاز استشعار موزعة فى إنحاء الجزر اليابانية، وتشمل 80 معدة استشعار طافية لرصد النشاط الزلزالى على مدار الساعة، وفى حال ظهور مؤشرات على أن زلزالا ما قد يسبب موجات مد بحرية تسونامى، فإن هيئة الأرصاد تصدر إنذاراً خلال 3 دقائق من تحديد طبيعته، ويتم بث الإنذار على جميع الإذاعات والقنوات التلفزيونية، وفى حالة الضرورة يتم إصدار أوامر بالإجلاء من المناطق المهددة.