تبدأ باكستان، الأربعاء المقبل، احصاء سكانها فى مهمة هائلة تأخرت عشر سنوات، وتجرى بعد تردد بسبب انعكاساتها السياسية العميقة خصوصا فى مجالى تقاسم السلطة والأموال العامة.
وباكستان، التى تقول الأمم المتحدة، إنها سادس بلد فى العالم من حيث عدد السكان الذين يقدرون بحوالى 200 مليون نسمة، لم تجر أى احصاء منذ عام 1998، بينما ينص الدستور على القيام بذلك كل عشرة أعوام.
وتم حشد أكثر من 300 ألف شخص، ووضع 55 مليون استمارة، فى عملية كبيرة، لبلد لم تجهز إداراته لتحديات لوجستية من هذا النوع.
ونظرًا للارتفاع المتواصل فى عدد السكان، سيكون لهذا التعداد انعكاسات كبيرة على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التى تحسب حاليا على أساس عدد السكان، حسب الإحصاء الذى أجرى قبل 19 عامًا، أى 134.7 مليون نسمة.
لكن قبل عام من الانتخابات التشريعية، تبدو الرهانات الكبرى سياسية، فالتغييرات السكانية ستؤدى إلى تعديلات فى الدوائر الانتخابية، وتوزيع المقاعد بين الولايات فى الجمعية الوطنية، وحتى توزيع الأموال الفدرالية فى الميزانيات المقبلة.
وقال مدثر رضوى، من المنظمة غير الحكومية، "الشبكة من أجل انتخابات حرة وعادلة"، إن الجميع خائفون من الإحصاء، لأنه يحدد السلطة السياسية.
ومع الهجرة من الأرياف، يمكن أن يشهد ملاك الأراضى الذين يتمتعون بنفوذ كبير فى ولايتى السند (جنوب)، والبنجاب (وسط)، تراجع عدد نوابهم.
وتشغل البنجاب، معقل الحزب الحاكم، غالبية المقاعد، وتحصل على حصة الأسد من الأموال الحكومية، وقد يتراجع نفوذها إذ أن نمو السكان فيها يجرى شكل ابطأ من الولايات الأخرى.
ويقول رضوى، إنه نتيجة لذلك، "لا تلقى العملية تقدير الفاعلين السياسيين، ولم تنظم إلا بأمر ملح من المحكمة العليا".
وأدى غياب الإرادة السياسية، إلى تسرع فى الاستعدادات، فمكتب الاحصاءات فى حالة تأهب منذ عشر سنوات، لكن القادة السياسيين لم يعطوا الضوء الأخضر، إلا قبل أقل من ثلاثة أشهر، وهى مهلة قصيرة لتأهيل عشرات الآلاف من موظفى الإحصاء وطمأنة الأحزاب والمجموعات الاجتماعية.
وعبر حسن محتشمى -الذى يعمل فى صندوق الأمم المتحدة للسكان- عن أسفه "لأنه ليس هناك وقت كاف لاقناع الجميع".
ويشعر البعض بالقلق من تأثير حوالى مليون لاجئ أفغانى، من شبه المستحيل تمييزهم عن المواطنين الباكستانيين، بسبب التزوير فى بطاقات الهوية التى يملكونها.
وطالب الحزب الحاكم فى كراتشى، كبرى مدن البلاد، بإرجاء الإحصاء حتى رحيل هؤلاء اللاجئين.
وفى بلوشستان، الإقليم الواسع غير المستقر، والذى لا يضم عددا كبيرا من السكان، رفض حزب قومى احصاء سيعادل "انتحارًا"، لأنه سيحول "البلوش" إلى أقلية فى الإقليم الخاص بهم، نتيجة زيادة عدد "البشتون"، بمن فيهم الأفغان.
وستسمح العملية أيضًا، بمعرفة حجم الأقليات المهمشة مثل الهندوس والمسيحيين الذين يؤكدون أن عددهم يفوق التقديرات المتعلقة بهم وتتحدث عن ما بين مليونين وثلاثة ملايين لكل من المجموعتين، وكذلك المتحولين جنسيا الذين سيجرى تعدادهم للمرة الأولى.
سيجرى الإحصاء فى نصف الولايات بين 15 مارس و15 أبريل، والنصف الآخر بين 25 أبريل، و25 مايو، ويفترض أن تعلن النتائج الأولية فى نهاية يوليو.
وسينشر مكتب الإحصاء 119 ألف مدنى، بينهم 84 ألف عامل احصاء وموجهين وموظفين محليين سينتقلون من بيت إلى بيت لتعداد العائلات أولًا ثم الأفراد.
وحشد الجيش الباكستانى، الذى يتمتع بنفوذ كبير، 200 ألف عسكرى، بينهم 44 ألفًا، سيشاركون بشكل مباشر فى الإحصاء.
ومن جهته، قال كبير خبراء الإحصاء فى المكتب، آصف باجوا، الذى يدير العملية، إن الجيش سيكون مراقبًا حياديًا.
وأضاف أن "موظف الإحصاء وبصفته من سكان المنطقة، يمكن أن يتعرض لضغوط، لأن الجميع يعرفون أن عددًا أكبر من السكان يعنى مزيدًا من الوظائف -وفق نظام الحصص- ومزيدًا من المقاعد ومزيدًا من الأموال.
وسيرافق كل موظف احصاء مدنيًا، عسكرى للتأكد من عدم تضخيم الأرقام.
وفى مهمة موازية، سيقوم الجيش بملىء استمارات إضافية تتعلق بالعدد الكامل للنساء والرجال وجنسيات الأشخاص الذين يتم تعدادهم.
ويثير ذلك قلق الأمم المتحدة، التى يتولى عدد من مراقبيها تقييم العملية.
وقال محتمشى، إن مشاركة الجيش يجب ألا تذهب أبعد من الحضور، وأضاف أن كل استمارة إضافية تعرض مبدأ السرية للخطر.