تقلد الرئيس الإيرانى حسن روحانى اليوم الخميس مهام ولايته الرئاسية الثانية، رسميا، بعد أن صادق المرشد الأعلى الإيرانى على خامنئى على مرسوم تنصيبه رئيسا، ومع الولاية الثانية وفى ظل عدد من المتغيرات الكبرى فى بيئة السياستين الداخلية والخارجية لإيران، يبرز سؤال: هل يعود "المعتدل" إلى معسكر المحافظين؟!
الإجابة عن هذا الطرح تقتضى أولا شرح أبعاد موقف الرئيس روحانى داخليا ومعادلات بقائه فى السلطة من حيث المبدأ، قبل محاولة التوصل إلى نتيجة لعلامة الاستفهام الكبرى حول مصير خطة العمل الشاملة المشتركة "الاتفاق النووى".
فى السنوات الأربع الماضيات حاول روحانى ـ جادا ـ إحداث اختراق حقيقى فى الاقتصاد الإيرانى وفى معادلات القوة داخليا عن طريق وضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي، وتعديل إطار العمل القانونى للاستثمار فى البلاد، وتعزيز الانضباط المالى، غير أن هذا "الطموح" قوبل بحوائط صد منيعة من جانب جماعات المصالح المالية الداخلية تلك المتمثلة فى شركات الحرس الثورى المسيطرة على نصيب وافر من اقتصاد البلاد، فى الوقت الذى لاقت فيه هذه القوى دعما كبيرا من جانب مؤسسة المرشد صاحب الصلاحيات الأوسع دستوريا بالبلاد.
عليه لم ينجح حسن روحانى فى خلق مناخ مغاير للاقتصاد الإيرانى اللهم إلا فى مسألتين، أولا: تحرير سعر الوقود ورفع الدعم عن الطاقة، وثانيا: إبرام صفقة الاستثمار فى حقل بارس الجنوبى مع شركة توتال الفرنسية.
غير ذلك منيت إدارة روحانى بهزائم اقتصادية كبرى تمثلت فى إفلاس عدد من شركات المال والبنوك فى الأقاليم الإيرانى وخروج مظاهرات من مواطنين يطالبون بأموالهم، فضلا عن حادث اقتحام بورصة طهران وتحطيم المواطنين مقر البورصة من الداخل بعد خسارات كبيرة تكبدوها فى قيمة أسعار الأسهم.
ويعد النجاح الأعظم لحسن روحانى فى ولايته الأولى هو التوصل إلى توقيع الاتفاق النووى مع العالم فى نهار الرابع عشر من يوليو بالعام 2015م، وكان روحانى يأمل بعد تلك المفاوضات الماراثونية أن يؤدى توقيع هذا الاتفاق إلى تحرير الاقتصاد الإيرانى وفك الحظر عن الودائع الإيرانية بالكامل فى بنوك الغرب ومن ثم اندماج إيران فى النظام المالى العالمى وتحرير قطاعات الاقتصاد وإطلاقها كمارد مكتمل القوة إلى الإقليم والعالم.
كان روحانى يأمل فى استقطاب ما بين مئة إلى 185 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية فى قطاع النفط والغاز، بما يؤدى إلى تخطى مبلغ 157 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية الذى توقّع محمد باقر نوبخت، مستشار الرئيس الإيرانى لشؤون الإشراف والتخطيط الاستراتيجى، حصول إيران عليه، غير أن طهران لم تحصل إلا على قرابة 8 مليارات دولار فقط ـ على أقصى تقدير ـ ولم تنفذ ألمانيا الصفقات المتفق عليها مع حكومة الرئيس روحانى.
هكذا واجه حسن روحانى لحظة الحقيقة داخليا وبات الموقف الخارجى الذى يعتمد عليه لتقوية موقفه داخليا بالغ الضعف، وتلقى بالفعل عددا من الهزات العنيفة، أفقدته صدقيته ومركزه السياسى لدى قطاعات كبيرة من الناخبين، خاصة أولئك الشبان الذين احتشدوا أمام الصناديق لمنحه بطاقات الولاية الثانية.
ما زاد الأمر سوءا بالنسبة لروحانى هو حزم العقوبات الجديدة التى وقعتها الإدارة الأمريكية على إيران، فى وقت صدّر فيه روحانى خطابا مبنيا على أن إعادة انتخابه هى الضامن الوحيد لعدم توقيع عقوبات إضافية، لكن ذلك لم يحدث ووجد روحانى نفسه وقد أسقط فى يد المحافظين وبات فى موقف أشبه بـ"البندقة فى الكسارة" بين المحافظين داخليا والجمهوريين أمريكيا.
ولذلك من المنطقى أن لا يجد روحانى ملاذا أكثر أمنا من جناح المحافظين المسيطرين على مفاصل المال والسلاح فى إيران، ويعود مجددا إلى معسكر المحافظين المتشددين الذى تبرى فيه فى كنف أستاذه ومعلمه آيه الله روح الله الموسوى الخمينى ويتخلى عن الفكرة "الاعتدال" البراقة التى لمعت فى عينيه على مدى أربعة أعوام خلت.