قال زميل معهد واطسون للعلاقات الدولية بجامعة براون ستيفن كينزر، إن الأمريكيين معذورون لظنهم أن روسيا عدوّا لهم، فعلى مدار السنوات وتحديدا الشهور القليلة الماضية، تم تطعيم الأمريكيين بجرعات مكثفة من الأخبار التى تدفع صوب رؤية روسيا مثالا للعدو.
ونوّه كينزر- فى مقال نشرته صحيفة (بوسطن جلوب) عن أن نبرة التنديد بروسيا زادت حدتها وتدرّجتْ من مرحلة الذم إلى مرحلة السخط ثم إلى الهذيان المحموم؛ وبحسب السرد الذى يسُاق للجماهير الأمريكية فى الأخبار، فإن روسيا دولة فاسدة على نحو يتعذر علاجه وعدوانية على نحو يهدد جيرانها، وأنها تعكف بلا هوادة على تقويض المصالح الأمريكية حول العالم؛ كما يصوّر هذا السرد الحياة المحلية فى روسيا بأنها فاسدة وقمعية بشكل قاتل؛ وتمثلتْ آخر إضافة ساقها هذا السرد، فى مزاعم بأن روسيا تدخلت فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.
ورأى الكاتب، أنه عند النظر إلى ما تقدم مجتمِعًا، لن يكون ثمة داعٍ للدهشة إزاء ما تمّ اقتراحه مؤخرًا من فرضٍ لعقوبات جديدة على روسيا ما دفع الأخيرة إلى طرد دبلوماسيين أمريكيين على نحو صعّد وتيرة لعبة "العين بالعين".
ونوّه كينزر، عن أن معاداة روسيا أمرٌ قديم فى الشعور الجمعى الأمريكى الذى ينظر إلى موسكو باعتبارها عدوّا منذ إرسال الرئيس وودرو ويلسون 13 ألفا من الجنود الأمريكيين فى محاولة للإطاحة بالبلاشفة- جماعة الجناح اليسارى من أنصار لينين، فى حزب العمل الاشتراكى الديمقراطى الروسي- عام 1918؛ وباستثناء سنوات معدودة إبان الحرب العالمية الثانية وأخرى فى مطلع التسعينيات، فقد ظلت روسيا عدوة لأمريكا؛ والآن سجّل هذا الشعور بالعداء مستوى جديدا مذهلا.
وأكد كاتب المقال أن كل ما تقدم بعيدٌ كل البعد عن الحقيقة؛ فروسيا لم تهدد أية مصالح حيوية أمريكية، فإن سياسات موسكو فى سوريا وباقى دول الشرق الأوسط متوافقة مع الرغبة الأمريكية المعلَنة، كما أن روسيا تحذر من الصين على نحو يشبه حذر واشنطن من نفس الدولة.
أما بخصوص الاتهامات بأن روسيا تدخلت فى انتخابات أمريكية، فهى تصب فى مصلحة السُلطة فى واشنطن؛ بحسب كينزر، فهى تقوم بعمل تشتيت نموذجى للأنظار؛ فالجمهوريون حريصون على ارتفاع اللغط حول تلك الاتهامات التى طالما ظلت مسيطرة على الأنباء فلن تبقى هنالك سوى مساحة صغيرة لتغطية قضايا من أمثال أثر سياسات الهجرة الجديدة أو أثر تراجع القواعد البيئية؛ فيما يحرص الديمقراطيون من جانبهم على استمرار تلك الاتهامات لسبب آخر، فهى تجنبّهم مشقة مواجهة حقيقة أن خسارتهم لانتخابات 2016 كانت نتيجة للدفع بمرشحة مكروهة على نطاق واسع وللترويج لمجموعة من السياسات بعيدة تماما عن اهتمامات الناخب العادى.
وحذر الكاتب من آثار تلك الحال السائدة على مستقبل العلاقات مع روسيا والتى بات إحراز تحسّن على صعيدها أمرًا بعيدًا عن الإمكان؛ حتى أن مجرد دعوة دبلوماسى روسى لتناول الغداء بات مسألة دبلوماسية عويصة- أن هذا على كل حال لا يصب فى جانب المصالح الأمريكية.
واختتم الكاتب الأمريكى قائلا: "مصالحنا تقتضى منا إغراء روسيا بالابتعاد عن تدشين شراكة استراتيجية مع الصين؛ والعمل مع روسيا لتحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط، عند تنحية العاطفة والتحيّز جانبا، تبدو روسيا كشريك محتمل لأمريكا، وليس كعدو".