يسود انقسام فى تشيلى حول التكتّم على هويات ضحايا التعذيب فى زمن الاستبداد، فى هذا البلد الذى ما زال يعانى من ندوب حقبة مظلمة من تاريخه، بين من يريدون تسريع المحاكمات ومن يريدون الحفاظ على خصوصية الضحايا.
فقد شجّعت سياسة التكتّم عن الأسماء لمدة خمسين عاما الكثير من ضحايا التعذيب على البوح فى العام 2003 بما قاسوه فى أقبية الاستبداد.وجمعت هذه الشهادات لجنة "فاليش" التى أوكلت إليها مهمة توثيق الفظاعات المرتكبة فى السجون السياسية فى زمن بينوشيه (1973-1990).
وأنشأ هذه اللجنة الرئيس السابق ريكاردو لاغوس الذى حكم البلاد بين العامين 2000 و2006، وهى جمعت شهادات من 35 ألف شخص، وتوصلت إلى أن ما يقارب 28 ألفا من التشيليين تعرّضوا للتعذيب أثناء الحكم العسكري، أحد أقسى الأنظمة التى مرّت على أميركا اللاتينية.
وصدرت خلاصة هذه الشهادات فى تقرير سرّى رُفع لريكاردو لاغوس فى الذكرى الثلاثين للانقلاب العسكرى الذى وقع فى الحادى عشر من أيلول/سبتمبر عام 1973 وأزاح الرئيس الاشتراكى المنتخب سلفادور أليندى عن الحكم وأرسى حكما بالحديد والنار.
وشكّل هذا التقرير منطلقا لإعداد تقرير علنى خلا من أسماء الضحايا الذين قدّموا شهاداتهم.
واليوم يعود هذا الفصل المظلم فى تاريخ تشيلى إلى الواجهة مع سعى الرئيسة ميشيل باشليه التى كانت هى نفسها من ضحايا التعذيب، لتسريع مناقشة مشروع قانون يرفع السريّة عن الشهادات.
وتريد الرئيسة ذات التوجهات الاشتراكية من هذا القانون أن يضع فى متناول القضاء تلك الشهادات التى يمكن أن تسرّع "محاكمات قد تكون مشلولة حاليا وأن تساهم فى كشف الحقيقة"، بحسب ما أعلنت فى الذكرى الرابعة والأربعين على الانقلاب العسكري.
وهى تأمل بذلك أن تحذو حذو لجنة "ريتيغ" التى تمكنت فى العام 1991، بعيد سقوط النظام العسكري، من توضيح ظروف مقتل أو فقدان ثلاثة آلاف و197 شخصا، الأمر الذى أتاح إجراء تحقيقات ومحاكمات.
فى يوليو من العام 2016، كانت 1184 قضية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ما زالت عالقة لدى القضاء، فيما بلغ عدد مسؤولى النظام السابق الذين اختتمت محاكماتهم وصاروا خلف القضبان 344 شخصا فى العام 2015، وفقا لتقرير صادر عن جامعة "دييغو بورتاليس".
ولذا تأمل الرئيسة فى أن يؤدى الكشف عن أسماء الضحايا إلى توفير عناصر للقضاء تجعله قادرا على تسريع المحاكمات وتحريك القضايا العالقة.
لكن ريكاردو لاغوس لا يحبّذ فكرة نشر أسماء الضحايا، ويقول "لا أحد يحب أن يبوح للعلن بما تعرّض له من إذلال".
طلبت لجنة فاليش الحفاظ على سريّة أسماء الشهود الضحايا ثلاثين عاما. ولأن الموضوع شديد الحساسية، عاد الرئيس السابق ومدّد ذلك حتى العام 2054.
ويقول "كان الهدف هو أن نعرف الحقيقة، وليس أن نحقق العدالة ... أولئك الذين قدّموا شهاداتهم ضُمن لهم حقّ التكتّم عن أسمائهم".
ويضيف "كثير من الأشخاص الذين قدّموا شهاداتهم عادوا وطلبوا أن تُشطب، لأنهم خافوا".
وإذا كان الخوف من الانتقام قد طوى مع طى زمن الحكم العسكري، إلا أن الخوف من الشعور بالمهانة أمام الآخرين ما زال يحكم سلوك هؤلاء الضحايا.
ويروى الرئيس السابق أنه فيما كانت لجنة فاليش تضع اللمسات الأخيرة على تقريرها، اقتربت منه سيدة وقالت "آمل أن أبقى على قيد الحياة حتى سنّ الثمانين، ولا أريد فى ذلك العمر أن يعرف أحفادى ما تعرّضت له" من اغتصاب يومى فى سن الخامسة عشرة فى سجون الحكم العسكري.
ومن الأمور التى يخجل الضحايا من كشفها أنهم اضطروا تحت التعذيب إلى الوشاية بغيرهم، وهو ما يؤكد للرئيس السابق توجّهه بضرورة الحفاظ على سريّة الأسماء.