لا تزال تداعيات استراتيجية الرئيس الأمريكى الجديدة على إيران تلقى بظلالها على الداخل الإيرانى، حيث بدأ يفكر صناع القرار الإيرانى فى تداعيات ما ستؤول إليه إجراءات الرئيس الجمهورى دونالد ترامب على ما حققته طهران العامين الماضيين بعد أن توصلت لاتفاقية نووية مع الدول الست الأوروبية فى 14 يوليو 2015.
الاستراتيجية الأمريكية التى خرجت إلى العلن مساء الجمعة الماضية والتى استهدفت بشكل أساسى تقييد البرنامج النووى الإيرانى، ووضعت حدا لسياسة زعزعة استقرار المنطقة وتهديد حلفاء واشنطن، حملت أيضا تهديدا لمكتسبات طهران وما تمكنت من انتزاعه على مدار العامين الماضيين بعد التوصل للصفقة النووية التى وضعت قيودا على أنشطتها النووية، مقابل رفع العقوبات بشكل تدريجى وأتاحت لها التعامل مع المجتمع الدولى فى إبرام الصفقات التجارية بكل صورها بعد أن كان محظور عليها.
صفقات روحانى مع الشركات الكبرى
أثارت قرارات ترامب مخاوف الرئيس المعتدل حسن روحانى الذى حاول من خلال تطبيق الاتفاق النووى تنفيذ مشروع الانفتاح على المجتمع الدولى عبر ابرام صفقات وعقود مع الشركات الكبرى، كانت أبرز هذه الصفقات صفقة الحكومة الإيرانية مع شركة بوينج الأمريكية لصناعة الطائرات والتى إبرمت فى اكتوبر العام الماضى لشراء 80 طائرة نقل ركاب بقيمة إجمالية قدرها 16.6 مليار دولار يتم تسليمها لطهران فى العام 2018، منها 50 من الطراز الجديد ذى الممر الواحد 737، و15 من طراز "777 إس" الأكبر حجما، و15 من طراز "777 إكس" الجديدة التى ستكون جاهزة للعمل فى 2020. كما وقعت شركة إيران الوطنية للطيران، مطلع العام الجارى بروتوكول اتفاق مع شركة "إيرباص" الفرنسية لشراء 118 طائرة، بقيمة تتراوح بين 10 و11 مليار دولار.
وبخلاف اتفاقيات تجديد الأسطول الجوى، وقعت طهران اتفاق مع شركة توتال، عملاق الطاقة الفرنسى، اتفاقا بقيمة نحو 5 مليارات دولار، وكان أول اتفاق بين طهران وشركة أوروبية فى قطاع الطاقة منذ رفع العقوبات.
هل تحرم استراتيجية ترامب طهران من الصفقات؟
أثارت استراتيجية ترامب مخاوف الأوساط الإيرانية من حرمان طهران من الصفقات، لاسيما صفقة شركة بوينج الأمريكية، التى تمكنت من الحصول على تراخيص من الخزانة الأمريكية فى ديسمبر عام 2016 لاتمام العقد مع إيران، وبموجب استراتيجية ترامب تستطيع الخزانة الأمريكية منع الصفقة بما فيها الطائرات غير الأمريكية بسبب النسبة المرتفعة من المكونات المصنعة بالولايات المتحدة، كما أثيرت مخاوف أيضا حول تردد البنوك الأوروبية فى تمويل العقود والمخاوف من المخاطر القانونية فى حالة فرض العقوبات من جديد.
وحاولت طهران التهوين من تأثير خطاب ترامب على الصفقات، وقال وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، إن طهران ليس لديها خلافات مع الشركات الأمريكية". وحول شركة توتال عملاق الطاقة الفرنسى قال منصور معظمى المساعد السابق بوزارة النفط، فى تصريح نقلته صحيفة شرق الاصلاحية، والذى أكد فيه على أن شركة توتال التى جاءت إلى إيران وفقا لخطة وبرنامج مسبق وقيّمت إمكانيات طهران لن تتأثر بالاجراءات الأمريكية ضد طهران ولن تترك إيران.
لكن المخاوف ظهرت واضحة فى إعلام طهران الذى ناقشها بشكل صريح، وعبرت افتتاحية شرق الإصلاحية عن مخاوف الإيرانيين من تراجع الشركات العالمية الكبرى التى وقعت مع إيران عقود بمبالغ ضخمة، حال الغاء الاتفاق النووى، وقالت لو افترصنا أن الولايات المتحدة الأمريكية ألغت فى نهاية المطاف الاتفاقية النووية، بالطبع سيؤدى ذلك إلى عودة الانفتاح الحاصل بعد توقيع الاتفاقية إلى المربع الأول، وبالتالى لن يسمح بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين إيران والشركات العالمية الكبرى.
وأضاف التقرير أن من أكبر المجالات التى ستتأثر سلبيا بالخطوات الأمريكية الأخيرة هم ممولو الصفقات الموقعة مع كل من شركة بوينج العملاقة لصناعة الطائرات، لكن خلص التقرير إلى أنه فى حال تأثر الممولين من الإجراءات الأمريكية وامتنعوا عن تقديم المال لإيران فإن العقود المبرمة مع شركة ايرباص الفرنسية لن تتأثر كثيرا، بعكس بوينج الأمريكية التى تتبع وجهة نظر الحكومة الأمريكية وقد تمتنع عن تنفيذ العقود.
فى النهاية ستراهن طهران على وعود ترامب التى منحها للأمريكيين بإيجاد فرص عمل، وعد منحه الرئيس الأمريكى خلال حملته الانتخابية قد يدفعه لعدم المساس بصفقات الشركة الأمريكية مع طهران، خاصة وأنها تدعم عشرات الآلاف من فرص العمل داخل البلاد.