تزامنا مع زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التى بدأها أمس للصين كمحطة ثالثة فى جولته الآسيوية الأطول منذ ربع قرن، تحل اليوم الذكرى الأولى للإعلان عن فوزه برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، فاليوم التاسع من نوفمبر سجلت عقارب الزمن عاما كاملا على هذا الإعلان ، وسمحت بدخول "الحقبة الترامبية"، التى تحمل سمات متفردة وتتميز بخروجها عن الصندوق عامها الثاني.
وخلال العام الأول الذى بدأ رسميا فى يناير الماضي، أوفى ترامب بالكثير من الوعود الانتخابية التى تعهد بها أمام الشعب الأمريكي، ويؤيد أنصاره التزامه بوعده بإحداث تغيير فى واشنطن يحقق شعار "أميركا أولا" ، حيث وضعه نصب عينيه و فى صلب عمله، إذ يحرص على تبنى مواقف تتعارض بشكل منهجى مع خط الرئيس السابق باراك أوباما ، ويبدو أنه مازال يجد بعض الصعوبات فى إنجاز الإصلاحات التى أعلن عنها، ولو أن البلاد تحقق فى عهده مؤشرات اقتصادية جيدة للنمو والوظائف.
ومن بين تلك الوعود، تغيير عدد من بنود قانون الرعاية الصحية المعروف باسم "أوباماكير"، ومنع تمويل المنظمات الأهلية الأجنبية التى تدعم إجهاض الأموال الفيدرالية ، والانسحاب من اتفاق باريس للتغير المناخى ، والتلويح بإلغاء الاتفاق النووى مع إيران ، و بالانسحاب من اتفاقية التجارة العابرة للمحيط الهادئ، معتبرا أنها تضر بالصناعة الأمريكية، واستئناف بناء خطى أنابيب النفط «كيستونإكس إل» و«داكوتا» اللذين سبق أن أوقفهما أوباما بسبب مخاوف بيئية.
واتخذ قرارا بحظر حمل أجهزة إلكترونية داخل مقصورات الطائرات القادمة من 8 دول فى الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة ، وأصدر سلسلة من الأوامر التنفيذية التى تحظر منح تأشيرات الدخول للولايات المتحدة ، ودخول اللاجئين والزائرين من عدة دول إسلامية، وعلق العمل ببرامج الإعفاء من التأشيرات، و وقع قرارا تنفيذيا ببناء جدار عازل بين بلده والمكسيك لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، و أمر بقطع التمويل الفيدرالى عن المدن الأمريكية التى ترفض اعتقال المهاجرين غير الشرعيين المقيمين .
وبدأت "الحقبة الترامبية"، التى ستستمر حتى عام 2021، بفوز غير متوقع مثير لجدل مازالت نيرانه مشتعلة تحت الرماد ، فمن تطور إلى تطور تسير التحقيقات بشأن التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح فوز ترامب ، وتضع تلك التحقيقات تاريخا جديدا لإدارة ترامب فقد تؤكد الاتهامات ضده بالتواطؤ مع روسيا خلال حملته الانتخابية و لا يمكنها نفيها ، حيث تهدد التقارير السرية شرعية ترامب ، و أدت إلى تعرض إدارته لأزمات متلاحقة مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية لم تفلح جهوده فى إخمادها حتى بعدما عزل عددا كبيرا من كبار المسئولين ومن بينهم مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى ( إف بى أى ).
وظهر فى الشهر الماضى عددا من التقارير الإستخبارتية حول الطرق المختلفة التى دخلت بها روسيا على خط الانتخابات الأمريكية ، ومنها نشر إعلانات على موقع الفيس بوك و تويتر ، و اختراق مجموعة من المؤسسات الأمريكية ، وكلها تدخلات أحدثت تأثيرا على الناخب الأمريكى ، وتأكيد "دانيال كوتس "، مدير الإستخبارات الوطنية ، صحة ما جاء فى التقرير الذى أعددته أجهزة الاستخبارات الأمريكية باعتباره المسئول الأول .
ورغم تولى ترامب مهام الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من عشرة أشهر ، إلا إن المنافسة بينه وبين كلينتون مازالت مشتعلة حتى الآن ، فالرئيس الأمريكى يؤكد أن اتهامه بالتواطؤ مع روسيا وتدخلها فى حملته الانتخابية ما هى إلا مؤامرة من الحزب الديمقراطى المعارض بسبب خسارته المخزية على يد كلينتون مرشحته للرئاسة ،التى اتهمها بإزالة ٣٣ ألف رسالة من بريدها الألكترونى بالتعاون مع مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى المقال جيمس كوبى ، فيما أكدت كلينتون أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية ال17 اتفقت جميعها على تدخل الكرملين الروسى للتأثير على نتائج الانتخابات لصالح ترامب .
يواجه ترامب أزمة أخرى وصلت للدوائر القريبة منه تتعلق بما يعرف "بملف ترامب "، أو " ملف ستيل "، نسبة لضابط الاستخبارات البريطانية السابق " كريستوفر ستيل "،الذى كتب وثائق الملف وعددها ١٧ وثيقة تتهم ترامب وأعضاء حملته الانتخابية بالتعاون والتواصل مع الحكومة الروسية خلال حملته الانتخابية، ورغم عدم الاعتراف رسميا بالملف إلا أنه أحدث دويا إعلاميا ،حيث ترجع أهميته فى تأكيد النتائج التى توصلت إليها أجهزة الإستخبارات الأمريكية من تدخل روسى لدعم ترامب ومحاولة هز ثقة الناخبين فى المرشحة المنافسة عن الحزب الديمقراطى هيلارى كلينتون من خلال اختراقات إلكترونية ، وإرسال معلومات ووثائق لموقع ويكليكس لنشرها فى توقيتات معينة لتحطم حملة كلينتون وتشكك المجتمع الأمريكى فى العملية الديمقراطية .
وتتلاحق الأحداث بعدما تم تسريب وثائق براديس " أوراق الجنة " الجديد والضخم لوثائق مالية كشفت عن كيفية استثمار الأثرياء فى العالم لثرواتهم، وتهربهم الضريبى ، وشملت القائمة وزير التجارة الأمريكى المعين من طرف دونالد ترامب ، إذن الأمر ليس بالسهولة التى يتصورها ترامب وأنصاره ، وواقع الأمر يقول أنه فى ورطة حقيقية ، حيث من المتوقع بحسب صحيفة 'الواشنطن بوست "، آن الأمر برمته قد يستغرق أسابيع أو شهور قبل البت فيه قضائيا ، وأمام مجلسى الشيوخ والنواب لاحقا ، حيث من المتوقع أن يفضى الطريق إلى احتمالات ثلاث هى أولا - غلق القضية نهائيا دون قرار، ثانيا -إدانه المتهمين الثلاثة المقدمين للمدعى العام ، ثالثا- وهو السيناريو الأسوأ فى الاحتمالات وهو إدانة ترامب نفسه.