"قالتْ لى السمراءْ: هل آن لكَ أن تواجه حقيقة القدرْ .. دونما التفاتة للوراء .. أو هذَرَ .. قالتْ لى السمراءْ : ما هذي الدموعُ وأسوأ ما في الرجال البكاءْ .. أو كلمات الضعف تستجدي الرثاءْ .. تحطم فى داخلي أسطورة الكبرياءْ .. لرجل يزعم : لا تقهرُهُ النساءْ .. أو يتحطم شراعه .. إذا ما واجه الأنواءْ".. كانت هذه الكلمات من قصائد الديوان الأول لنزار قبانى التى حمل عنوان "قالت لى السمراء" وكانت هى قصيدته الرئيسية.
نزار قبانى والذى تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ95، إذ ولد فى دمشق فى21 مارس 1923، بدأ صدامه الشعرى مبكرًا، وربما كان الإسلاميون أوائل من قاموا بالهجوم على شاعر "المرأة" الكبير، فتعرض منذ البداية للعديد من الهجمات من دعاة إسلاميين ونواب البرلمانى السورى من الإخوان المسلمين، لكنه ظل دائمًا قويا كما كان شعره.
وكان من أعنف الهجمات التى تعرض لها نزار طوال تاريخه ما تعرض له بعد ديوانه الأول "قالت لى السمراء" عام 1944، وذلك بعد هجوم قام به الشيخ السورى على الطنطاوى فى مجلة الرسالة المصرية، لرفضه خروج نزار عن المألوف فى الشعر فى وقت كان فيه الشعر العمودى هو المسيطر على الساحة الأدبية، ووصف نزار بكل الأوصاف الجراحة التى قد لا تخطر على بال أديب، فاتهمه بالأديب ليس واسع الخيال، والفتى المدلل الغنى، ووصف أبياته بأنها واحد إذا قستها بالسنتيمترات يشتمل على وصف ما يكون بين الفاسق والقارح والبغى المتمرسة الوقحة.
لم يمض عقد من الزمان حين نشر عام 1954 قصيدته "خبز وحشيش وقمر"، ففى عام 1955 وفى أول ظاهرة فى العالم من نوعها يحاول المجلس النيابى السورى محاكمة الشاعر نزار قبانى، وحين وصلت القصيدة الأخيرة إلى يد النائب فى مجلس النواب السورى عن الإخوان المسلمين الشيخ مصطفى الزرقا، والتى اعتبرها ظاهرة غير طبيعية على الساحة الأدبية والعربية، وتداول فى أمر هذه القصيدة مع بعض النواب من كتلته النيابية وطلبوا من وزير الخارجية آنذاك خالد العظم أن يعاقب هذا الشاعر ولم يجدوا أذنا مصغية لذلك، فكان أن طرح الشيخ الزرقا هذه القصيدة فى مجلس النواب وذلك فى الجلسة التى عقدت يوم الثلاثاء 14/6/1955، وطالبوا حينها بمحاكمته وفصله من عمله الدبلوماسى، إلا أن وزير الخارجية آنذاك رفض بحجة أن ملفه الوظيفى جيد.