يبدو أن قضية الإلحاد ومحاكمة الشعراء والمثقفين بسبب عقائدهم الدينية ليست بالجديدة، فعندما نفتش فى التاريخ نكتشف حجم الممارسات التى جرت على عدد كبير من المبدعين بسبب "الدين"، أو ما يسمى بمحاكم التفتيش.
الشاعر الإنجليزى بيرسى بيش شيلى (ولد فى 4 أغسطس 1792 وتوفى فى 8 يوليو 1822)، واحد من أفضل الشعراء الرومانسيين الإنجليز، وأحد أعظم الكتاب الغنائيين باللغة الإنجليزية، والمعروف بقصائدة القصيرة "أوزيماندياس، أغنية للريح الغربية، إلى قبرة"، وبعض القصائد الطويلة مثل "ألاستور، أو روح العزلة، ثورة الإسلام، أدوناى، بروميثيوس طليقاً، وعمله غير المنتهى انتصار الحياة"، وقد كان ممن تعرضوا لمحاكم التفتيش، بسبب آرائه التى أعلن عنها، مما كلفه الطرد من جامعة أكسفورد العريقة، هو وصديقه بسبب موقفهما من "الإلحاد".
الواقعة التى حدثت فى 25 مارس عام 1811، وقعت بعد قيام الشاعر الإنجليزى بيرسى بيش شيلى بالاشتراك مع صديقه وزميله بالجامعة توماس جيفرسون هوج، بتأليف كتيب تحت عنوان "ضرورة الإلحاد"، وكان اللفظ الأخير "الإلحاد" ممنوع الاستخدام فى المجتمع الإنجليزى المحافظ فى ذلك التوقيت، وقد كانت الحجج التى ساقاها هى أنه لا الحواس ولا العقل ولا التاريخ تثبت وجود الرب فالحواس لا تدلنا إلا على المادة فى حركتها على وفق قانون، والعقل يرفض الفكرة.
واحتوى مطبوع جامعة أكسفورد وسيتى هيرالد إعلانا عن هذا الكتيب فى 9 فبراير سنة 1181 وظهر الكتيب فعلا فى 31 فبراير، ووضع شيلى على الفور نسخا منه فى مدخل مكتبة بيع الكتب فى أكسفورد، ورآه جون ووكر الإكليريكى الموقر فطلب من البائع تدمير كل النسخ وبالفعل، وفى هذه الأثناء أرسل شيلى نسخاً إلى كثير من الأساقفة وكثير من الشخصيات المرموقة فى الجامعة، وأحضر نسخة إلى عميد الكلية الجامعية وأساتذتها فاستدعوا شيلى للمثول أمامهم فى 25 مارس، وتقرر بعدها طرده من الجامعة برفضهما الإجابة عن بعض الأسئلة الموجهة إليهما هو وصديقه.