رحل الكاتب الكبير أحمد خالد توفيق، "العراب" كما يسميه قراؤه، عن عمر يناهز الـ 55 عاما، تاركا خلفه صدمة كبرى وكتبا وخيالا وجيلا يعترف له بالفضل، لذا كتبوا على صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعى يتذكرون كيف تعرفوا على كتاباته وكيف أثرت فيهم:
الكاتبة أمنية صبحى
قالتالكاتبة أمنية صبحى: "حينما كانت طالبة فى المرحلة الإعدادية كنت شاطرة فى المدرسة، وكنت بخلص الامتحانات قبل نص الوقت بكتير وباقعد زهقانة في اللجنة، ففكرت أخد معايا كتاب أتسلى فيه بما إن فيه وقت، أخدت أحد كتب أحمد خالد توفيق وخبيته فى درج الديسك وخلصت الامتحان بسرعة ونمت على الديسك أقرأ، طبعا اتقفشت والكتاب اتفتش، المشكلة كانت أن الكتاب، كان من سلسلة ما وراء الطبيعة، مليان معلومات هامشية ويمكن تتداخل مع المادة.. أنقذنى مدرس وقال إنها سلسلة عادية مش هاينفع أغش منها والكتاب اتصادر لآخر اللجنة.. وعدت".
وتتذكر أمنية صبحى حكاية أخرى، فتقول: "ماكنتش باشترى كتب كتير عشان مصروفي ماكنش يسمح. لكن كان فى ولدين أخوات، وائل ووليد، قرروا يقفوا بفرشة في الأميرية عليها كل إصدارات المؤسسة العربية وبعض كتب أنيس منصور وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ومجلات كتيرة، الكتب ماكنتش للبيع إنما للاستعارة، أو زي ما كنا بنسميها للإيجار. تأجير الكتاب كان الأول بخمسين قرش، ونسيب 50 قرش رهن ناخدها تانى يوم في نفس ميعاد الإيجار ولو اتأخرنا تروح علينا".
وتستكمل أمنية صبحى حكايتها، فتقول: "كنت أخد مصروف 50 قرش كل يوم، واروح أستأجر بيه رواية واسيب الرهن عندهم، وبعدها وليد ووائل بقو أصحابى وعارفين البيت ورقم التليفون ومابقاش في حاجة للرهن خلاص، خاصة أن مواعيدي مظبوطة، كل يوم بعد العصر أروح لهم آخد منهم رواية وارجع رواية، لغاية ما الأسعار غليت، والخمسين قرش بقت جنيه.. فبقيت أستأجر رواية كل يومين، وده كان كتير لأن أيا كان حجم الرواية ماكنش بياخد مني غير ساعات قليلة".
وأضافت أمنية صبحى:" ماما لاحظت ضيقى واتوسطت لى عند بابا فزود المصروف لجنيه ورجعت تانى اخد رواية كل يوم.. ودى كانت فترة إعدادى قبل ما اتنقل لمكتبة مبارك واستعير خمس كتب مرة واحدة واحتفظ بمصروفى لنفسى يمكن لأول مرة فى حياتى، لأنى حتى فى فترة ابتدائى كنت باحوش وانزل اشترى كل يوم قصة من سلسلة نسيت اسمها، لغاية ما القصص تفاقمت واتبرعت بيهم كلهم لمدرستى الابتدائية قبل ما اتنقل لمدرسة جديدة فى اعدادي".
وتتابع أمنية صبحى: "عن طريق فرشة وائل ووليد عرفت أدهم صبرى وملف المستقبل ثم استبدلتهم بأحمد خالد توفيق، زى كل جيلنا، استبدلت لمعان وقوة بالعجوز ذى البدلة الكحلية، بأمراضه وعويناته وانهزاماته وخطيبته هويدا وحبيبته ماجى، أسطورة وحش البحيرة مثلا على تواضعها كانت الأجمل بسبب ماجي.. ثم علاء عبد العظيم بكل سخريته.. توقفت عن قراءته من سنوات بس فضلت أرجع لما وراء الطبيعة كل فترة كاستراحة قصيرة من قراءات تقيلة.."
واختتمت أمنية حكايتها: أيا كان مكان وليد ووائل الآن، فسلام عليهما، وسلام لروح كاتب جميل أكتر كلمة ممكن أوصف روحه بيها إنها كانت روح خفيفة عبرتنا برشاقة ورغم ذلك قدرت تسيب أثر وذكريات لا تنسى".
الكاتبة سمر على فودة
قالت الكاتبة سمر على فودة: "واحنا عيال عندنا ٩ و١٠ و١١ سنة كنا بنقف نجيب فلاش وسماش ورجل المستحيل وملف المستقبل، ونخبى ما وراء الطبيعة من أهالينا عشان رعب وهما عارفين إننا عيال خوافة".
وأضافت سمر: "كنت بدخل لحد قريب أنا وأنتيمتى المؤسسة العربية الحديثة فى معرض الكتاب ونجيب كام عدد كدة من وراء الطبيعة.. ونحطها فى الشنطة جمب ادجار الان بو وڤيرچينيا وولف اللى عرفناهم من هوامش كتبه.. الدكتور رفعت إسماعيل حببنى فى الطب وقلت يمكن لو بقيت دكتورة يبقى عندى مغامرات زيه".
الكاتبة هبة شريف
قالت "أنا أكيد مش من الجيل اللى طلع على كتابات أحمد خالد توفيق، ولا اتربيت عليها. لكن أنا من الناس اللى بتهتم بالمبدعين والكتاب اللى عندهم قدرة يوصلوا لعدد كبير من المتلقين من غير الوقوع فى فخ الابتذال، وبعتبر أن دى موهبة كبيرة".
وأضافت هبة: "أحمد خالد توفيق كان ناجح فى أنه يحدد جمهوره - وهو جمهور كبير جدا ومش جمهور تافه على فكرة - وكان يخاطب هذا الجمهور بلا تعالى ولا ادعاء، وقليل من المبدعين اللى بيقدروا على عدم التعالى فى الجماليات واللغة والبناء".
واستكملت: "وكان - وده برضه مهم جدا - من الناس القلائل اللى كان عندها الشجاعة والموهبة الكبيرة أنها تكتب أدب ممتع يجذب عدد كبير من القراء، وما اهتمش برأى الوسط الثقافى اللى شايف إن الأدب اللى بيجذب عدد كبير من القراء هو أدب تافه. تانى، هو اختار جمهوره وخاطبه بلا ادعاء ولا تكلف".. أحمد خالد توفيق كان بعض الناس فى الوسط الثقافى يوصفوه بأنه كاتب أخلاقى، ودى تعتبر تهمة فى الوسط الثقافى المصرى، بموجبها يتم الطرد من جنة الوسط الثقافى . أه والله".
وأكدت: "هو كان على دراية أن الجمهور متنوع، وهو اختار الجمهور اللى متسق معاه ومع أفكاره ولم يدع ولم يصطنع، وفضل يخاطب هذا الجمهور المحدد على طول ولم يخذله فى يوم ما فى أى موقف من اللى بيحصل. واللى مش شايف أن فى مصر جماهير متعددة لها أذواق مختلفة من حقهم أن يتم التعبير عنهم ثقافياً وسياسياً يبقى مش بيشوف.. فيه كتاب كبار ماتوا قبل كدة، كان فيه رثاء لهم من الدولة (طبعا) ومن الوسط الثقافى، رثاء رسمى ورثاء فيه كلام كبير، ولكن ما شفتش حد ناس كتير بترثيه بمثل هذا الصدق الا قليلين جدا، ومن بينهم أحمد خالد توفيق".
هشام فهمى
مترجم مهم، ومن أهم ترجماته سلسلة روايات صراع العروش العالمية، قال عن الكاتب الراحل: "يوم ما كتبلى الإهداء ده، رحت قايل له: يعنى إنت مش فخور دلوقت يا دكتور؟، وضحكنا كتير إحنا الاثنين.. اللى أنا متأكد منه إن أحمد خالد توفيق مات وهو فخور بعدد كبير جدًّا مننا، منها ناس كتير أعرفها شخصيًّا وعلاقتى بيها قوية، ناس زيى بالضبط متأكد إنها بتتكلِّم بمنتهى الصدق وبتقول حقيقة لا شك فيها، عن إننا اتعلمنا واتربينا وكبرنا على القراءة ليه، ناس كان السبب والوسيلة فى إنها اتعلِّمت مئات المعلومات عن حاجات كتير، واتعرَّفت على مئات الكتَّاب والكتابات، واتفرَّجت على مئات الأفلام، ناس حبِّت الكتابة علشانه، وناس مشت فى مسارها المهنى علشانه، ده غير الناس اللى حبِّت القراءة أصلًا بسببه. كل الكلام ده مفيش حد من قرَّاؤه ميعرفهوش، واللى مش بيقرأله بس يعرف قرَّاؤه يعرفه، وكلنا عارفين إن ليه فضل ما على كل واحد فيهم.
وأضاف هشام: "مش هنسى أبدًا الرسالة اللى بعتهالى عن طريق الصديقة اللى طلبت منها تعرفَّنى عليه سنة 2001، وطلب منى فيها بلغة إنجليزية راقية إنى أشحذ سيفى لأننا سنلتقى فى مبارزة عند الفجر، وطبعًا مش هنسى أول مرة قابلته فيها وجهًا لوجه فى 2002، لما كان معزوم عندنا فى دمنهور -البلد اللى مدفون فيه والده- وخلانا أبو صديقتى سالفة الذكر نركب عربيته إلى وجهة غير معلومة، فما كان من الدكتور أحمد غير إنه قال بمنتهى خفة الظل: همَّ بيتاووا المؤلفين عندكم ولا إيه؟!".
وأكد هشام: كانت بيننا رسايل كتير ومكالمات طويلة. اتعود يطلبنى من وقت للتانى على البيت قبل ما يبقى المحمول فى يد الجميع، وأحيانًا كان بيقعد يدردش مع أمى الله يرحمها (اللى كانت مغرمة برفعت إسماعيل) قبل ما تدينى السماعة. غير الصداقة الجميلة اللى استمرت السنين دى كلها، كان تشجيعه ليا حاضر دايمًا من أول ما احترفت الترجمة، وكان شايف إن ترجمة الأفلام من ألذ الوظائف اللى ممكن الواحد يشتغلها، ولما دخلت فى ترجمة الأدب كانت أول قصة أترجمها للإنجليزى ليه، وكذا مرة أخدت رأيه فى شغلى، ونسختى اللى محتفظ بيها على رف مكتبتى من ترجمة "الهوبيت" هى النسخة اللى كاتبلى فيها على سبيل التهنئة: "كتاب يُلتهم، لا يُقرأ"، ومنساش إنه استعان بترجمتى لكينج على نص الغلاف الخلفى لمجموعة "الغرفة 207"، وكلِّل كل ده لما كتب عن شغلى فى العدد الأخير من ما وراء الطبيعة.
واستكمل هشام: فضل أحمد خالد توفيق الإنسان على الواحد مش قليل، من وقوفه جنبى وقت مرض ماما الله يرحمها وسؤاله المستمر عنها، لكل مرة قابلته فيها أو كلمته فى التليفون أو راسلته واتعلِّمت حاجة جديدة، لأثره البالغ على حصيلة الواحد اللغوية وشغله فى الترجمة. وأنا بترجم تيريون لانستر بستحضر دايمًا روح رفعت إسماعيل وسخريته.. وقت بداية أزمته الصحية زرته فى المستشفى مع مجموعة من الأصدقاء، وكانت روحه حلوة واتبسط جدًّا بمجلات ميكى اللى جبتهاله وقال إنها أحسن هدية لمريض.
مفيش حاجة الواحد يقدر يرثى بيها أحمد خالد توفيق ببلاغة المرثية اللى كتبها هو:
وداعًا أيها الغريب
كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة
عسى أن تجد جنتك التى فتشت عنها كثيرًا
وداعًا أيها الغريب
كانت زيارتك رقصةً من رقصات الظل
قطرةً من قطرات الندى قبل شروق الشمس
لحنًا سمعناه لثوانٍ من الدغل
ثم هززنا رؤوسنا وقلنا أننا توهمناه
وداعًا أيها الغريب
لكن كل شيء ينتهى
وداعًا أيها الغريب. مظاهرة الحب والحزن اللى على الإنترنت العربى وفى قلب كل واحد مننا النهارده أوضح دليل على إد إيه كنت وهتفضل عظيم.
أحمد مجدى همام
طوفان المحبّة والامتنان والعرفان من الكل تجاه طيب الذكر أحمد خالد توفيق.. تخلى الواحد يسأل الله خاتمة كخاتمة الولى الطيب ودرويش الكتابة واستاذنا النبيل.. أستاذنا عن بعد د.أحمد خالد توفيق.
الله يرحمك يا دكتور
#الفاتحة_لروح_العرّاب