ثلاثة أيام، هى عمر ملتقى تونس الأول للرواية، الذى ينظمه بيت الرواية، ويديره مؤسسه الكاتب التونسى كمال الرياحى، وسوف تنطلق فعالياته في مدينة الثقافة، فى على مدار أيام 3 و4 و5 من مايو 2018، بمشاركة مجموعة كبيرة من أبرز كتاب الرواية فى عالمنا العربى، ويحل الكاتب الليبى إبراهيم الكونى، ضيف شرف الدورة الأولى.
ويناقش ملتقى تونس الأول للرواية العربية، على مدار جلساته عدة أسئلة، يسعى للإجابة عليها كتاب الرواية، وهى: قيمة الرواية ومدى قدرتها على التغيير. هل غيرت الرواية العربية المجتمعات العربية؟، هل ساهمت الرواية العربية فى تشكيل الوعى العربى؟، الرواية العربية فى مواجهة التحولات والأزمات السياسية. كيف كتب الروائى العربى الحروب والحروب الأهلية؟، كيف تصدى الروائى بالتخييل لواقع الأنظمة الشمولية ونقل الانتفاضات الشعبية والانتكاسات السياسية؟، الرواية لم تمت لكنها فى خطر. ما الذى يتهدد الرواية؟، هل هى الرقابة أم انحسار النقد أم الرواية نفسها؟.
ومع اقتراب انطلاق فعاليات ملتقى تونس الأول للرواية، كان لـ"انفراد" هذا الحوار مع الكاتب التونسى كمال الرياحى..
فى البداية.. لا شك أن بيت الرواية مشروع ثقافى مهم.. فمن أين وكيف أتت الفكرة؟
الفكرة كانت تراودنى منذ زمن وكنت أعد لها كمشروع خاص وكانت نتيجة انشغالى بعالم الرواية خاصة متابعة ونقدا وتدريبات على الكتابة، وكانت الفكرة أن أطلق مركزًا للرواية العربية أشبه بالأكاديمية المختصة فى العناية بهذا الجنس الأدبى، ولكن بعد الثورة التونسية لاحظت أن الجميع يطالب الدولة بأن تقدم له امتيازات وكأن الثورة غنيمة علينا أن نقتسم ما وجدناه وقد استأت من ذلك الوضع الذى هرع فيه المثقف والمبدع إلى عالم السياسة فتخندقت فى عالمى الثقافى أقدم ما رأيت أنه أنفع للمشهد الأدبى من خلال الصالونات الثقافية وورشات الكتابة.
وفى لحظة قلت سأقدم هذا المشروع الخاص للقطاع العمومى. وفعلا قدمته لوزارة الثقافة كمشروع جديد لمؤسسة وطنية تعنى بالرواية. لاقى المشروع فى البداية ترحيبا لجديته ولاختلاف الطرح والذى يظهر المثقف يقدم للبلاد مشروعا سيستفيد منه الجميع، ولكنه بعد ذلك ظهرت الأيديولوجيات والأحزاب والحسابات، ولكن المشروع ظل حبيس الأدراج مع 4 أو 5 وزراء ثقافة على الرغم من أنه تمت الموافقة عليه فى البداية، حتى أعدت طرحه مع وزير الشؤون الثقافية الدكتور محمد زين العابدين الذى رحب بالمشروع وتحمس له وشرعنا فى العمل على تجسيده.
ومن هنا أرى أنه انطلق في مكانه الصحيح، وأنه يمثل بالنسبة لى هديتى للثورة التونسية، فالثورة لا تستمر إلا بالعطاء لا بالنهب، والتفكير النرجسى، والمصالح الضيقة، لذلك أردت أن أقدم شيئا لهذا الوطن الذى أنتمى إليه، ورفضت تنفيذه فى إحدى الدول النفطية التى سعت للحصول على موافقة منى فى تنفيذه وإدارته لكننى رفضت.
وهل خصصت تونس مكانا داخل مدينة الثقافة باسم بيت الرواية؟
نعم سوف يتم تأسس بيت الرواية فى مدينة الثقافة وقد حدد له مكان لائق، ونسعى الآن إلى تقسيمه ونستعين بمهندسة ديكور تعمل على ذلك، وسوف يكون بيت الرواية جاهزًا خلال الأيام المقبلة، من حيث الإدارة، والصالون وفضاء المكتبة المختصة في الرواية، ليكون بيت الرواية في النهاية أشبه بمتحف للرواية التونسية عبر عصورها.
هل سيكون لبيت الرواية دور أرشيفى للرواية التونسية؟
لن يكون دورنا أرشيفيا بل ستكون هناك مكتبة البشير خريف للرواية التونسية ونقدها وسنحاول أن نجمع خلال سنوات عيون الرواية التونسية منذ نشأتها بداية القرن الماضى، سوف يكون بيت الرواية التونسية مفتوحًا للباحثين وسوف يكون هناك ركن لكتاب الرواية ليكتبوا أعمالهم أثناء زيارتهم لمدينة الثقافة.
وبرأيك.. ما هى التحديات التى تواجه بيت الرواية فى تونس؟
أشياء كثيرة تواجه بيت الرواية. المال أولا. ضرورة أن تستقل ماليا عن وزارة الثقافة مستقبلا، ولكن إلى حين ذلك الوقت يجب أن ترصد لها ميزانية جيدة للعمل. وتتواصل مع المبدعين خارج منطق الترضيات بهدف تأسيس وأداء جديد. نرجو أن نعمل فى ظروف من الحرية بعيدة عن البيروقراطية.
هل سيخصص بيت الرواية فى تونس جائزة سنوية باسمه؟ وهل ستكون جائزة محلية أم عربية؟
فكرنا فى جائزة لكن هى مؤجلة لما بعد التأسيس ونريد لها أن تكون جائزة مختلفة وليست زيادة لعدد الجوائز الوطنية والعربية.
هل سيكون لبيت الرواية دور فى ترجمة الرواية التونسية إلى اللغات الأجنبية الأخرى؟
فضاء بيت الرواية فى نفس البناية التي يوجد فيها معهد الترجمة وهو المكلف بهذه المهمة. بيت الرواية يهتم بتثمين المنجز الروائى ويسعى إلى تثقيف الناس فى هذا الجنس الأدبى ويرعى ورشات الكتابة والمناظرات واللقاءات ولا يفكر فى الترجمة. قد يكون صلة ربط بين المبدعين والمترجمين لكنه لن يكون وجهة للترجمة.
كيف سيتعامل بيت الرواية مع من يكتبون الرواية باللغة الفرنسية؟
الذين يكتبون بالفرنسية أو بالإنجليزية أو أى لغة أخرى بيت الرواية مفتوح لهم. والرواية الناطقة بالفرنسية متطورة جدا فى تونس لذلك سيكون لها نصيب من النشاط بالتعاون مع الجمعيات الأدبية والمؤسسات الثقافية الأخرى.
الرواية لا لغة لها فى بيت الرواية وما اللغة إلا أداة من أدوات كتابة الرواية ولسنا متعصبين بأى لغة وليس لنا موقف من أى لغة تكتب بها الرواية. هناك من يكتب بالسويدية والإنجليزية والألمانية وبالإيطالية من التونسيين لذلك فسنرحب بأى عمل جيد يرتقى بالرواية التونسية فنيا.
هدفنا تجميع عشاق وكتاب الرواية وربط الصلة بين المبدعين عامة بفتح نوافذ البيت على أقطاب أخرى بالمدينة مثل قطب المسرح وقطر السينما والفنون التشكيلية. هدفنا استعادة الزمن الثقافى الجميل فى ثلاثينات القرن الماضى مع جماعة تحت السور مثلا والتى كان يتجاور فيها الصحفى مع الكاتب مع المغنى مع الرسام وهناك تحت سور باب سويقة الشهير انطلقت حركة ثقافية تونسية فى زمن صعب تحت سلطة الاستعمار وما زالت نموذجا صحيا لما يمكن أن تفعل الثقافة فهناك صنعت تونس حداثتها بمجموعة من المبدعين الشباب الذين آمنوا بالفعل الثقافى.
لذلك يحمل فضاء بيت الرواية أسماء عابرات تشير إلى تحت السور وزعيمهم القاص الكبير على الدوعاجى أب القصة التونسية.
بالنسبة لملتقى تونس الأول للرواية.. ما هى خطتك بعد انتهاء الفعاليات والاستماع إلى مناقشات الضيوف فى محاوره التى تم الإعلان عنها؟
نسعى لأن يكون للملتقى موعدًا سنويًا مع تغيير هذا الموعد الذى أقيم فيه فى دورته الأولى، لأنه توقيت صعب. ونسعى في كل دورة أن يكون هناك قضايا خاصة، ولكن الأهم هو أن يكون الملتقى مختلفا ومغايراً لما عرفت به المؤتمرات.
هناك عدد ملحوظ من كتاب الرواية التونسية يشاركون فى مناقشات الملتقى.. أين الشباب منهم؟
الشباب موجودون بالفعل، ولأول مرة ربما يتجاور كبار الكتاب العرب مع الكتاب الشباب. سأتركك تكتشف وحدك من هم من الشباب؛ لأننا فى تونس المبدع يكره كلمة شاب، ولذلك لن أطلقها على أحد، سأقول أجيال جديدة، ومنهم الروائى المصرى أحمد مجدى همام، والتونسية خيرية بوبطان، والتونسى شفيق طارقى، ومحمد الحباشة، وكلهم أحببت حضورهم في الملتقى بكفاءتهم وفى النسخ الجديدة من الملتقى سيكون هناك المزيد من الأصوات الروائية الجديدة.
يطرح الملتقى ضمن محاوره سؤالا حول السلطة والمبدع.. فهل مارستم أية نوع من أنواع السلطة والتوجيه على الضيوف؟
على الإطلاق. فقط مارسنا سلطة الالتزام بالوقت والتكثيف. الذى أتمنى أن يتم الالتزام به. أحب الروائى الذكى اللماح الرشيق الذى يفكر كيف يصل إلى هدفه فى أقل ما يمكن من الكلام.
كلمة أخيرة تود قولها لمن سيتابع فعاليات الملتقى؟
هذا الملتقى سوف يكون كرنفاليا احتفاليا بمناسبة افتتاح مدينة الثقافة والإعلان عن تأسيس بيت الرواية، لكننا أردنا له أن يكون احتفالا ذكيا لذلك طرحنا فيه هذه الأسئلة التأسيسية. فليكن ملتقى خفيفا رشيقا كلكمات لاعب الكينغ فو.
جدير بالذكر أن كمال الرياحى، روائى وإعلامى ثقافى تونسى ومدير ورشات الكتابة السردية. درس فى الجامعة التونسية وترأس قسم الترجمة بالمعهد العالى للترجمة بالجزائر التابع للجامعة العربية.
سبق وأن فاز كمال الرياحى فى مسابقة "بيروت 39" التى نظمتها مؤسسة هاى فيستيفال عام 2009. وفازت روايته "المشرط" بجائزة الكومار الذهبى 2007 لأفضل رواية تونسية. ترجمت أعماله إلى الفرنسية والإيطالية والإنكليزية والعبرية والبرتغالية، ومؤخرًا فاز بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلات عن كتابه "واحد صفر للقتيل".