عاصر النبى محمد (ص) فى حياته وفى سنوات دعوته وتأسيس دولته الإسلامية فى المدينة المنورة ومكة، رجال أشداء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ضحوا بأموالهم ودمائهم الذكية من أجل الدعوة وانتشار الإسلام، وكان هناك أيضا، نساء عظيمات مثّلن بصدق القول بأنهن نصف المجتمع وكن خير مثال.
وخلال شهر رمضان المبارك، نقدم سلسلة صحابيات حول النبى، ونتناول بشكل يومى شخصية نسائية من النساء اللاتى عاصرن النبى محمد (ص)،
وشخصية اليوم هى "أم هانئ" فاختة بنت أبى طالب بن عبد المطلب، ابنة عم النبى وشقيقة الإمام على كرم الله وجه، وعمة أولاده الحسن والحسين رضى الله عنهما، وأمها هى فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهى إحدى ذوات الرأى والأدب الجم من قريش.
بحسب ما يذكره كتاب "نساء حول الرسول: القدوة الحسنة والأسوة الطيبة للدكتور محمد إبراهيم سليم، فإن الرسول (ص) خطبها فى الجاهلية، لكن أبوها كان قد وعد بها "هبيرة بن أبى وهب" فظفر بها الأخير.
أسلمت أم هانئ فى مستهل الإسلام بعد الفتح المكى، ولم يسلم زوجها، فتم التفريق بينهما بحكم الإسلام، وراحت تقوم على رعاية أبنائها الأربعة الصغار" هانئ، جعدة، يوسف، و عمر".
ويُحكى أن النبى تقدم لخطبتها ثانية بعد الإسلام، فقالت: "يا رسول الله، أنت أحب إلى من سمعى ومن بصرى وحق الزوج عظيم، فأخشى إن أقبلت على زوجى أن أضيع شأنى وولدى، وإن أقبلت على ولدى أن أضيع حق زوجى"، فرد عليها آخر المرسلين: "إن خير نساء ركبن الإبل نساء قريش/ أحناه على ولد فى صغره، وأرعاه على بعل فى ذات يده".
وبحسب ما يذكره الكاتب محمد إبراهيم سليم، فإن أم هانئ كانت تُعرف بشخصيتها القوية، وكانت فى الإسلام كما كانت فى أيام الجاهلية، تجير الخائف، وذكر أنها أجارت رجلين من أحمائها كتب عليهما القتل، وذلك وفقا لقولها: لما نزل رسول الله بأعلى مكة فر رجلان من أحمائى من بنى مخزوم، فدخل على بن أبى طالب أخى، وقال: والله لأقتلنهما، فأغلقت عليهما باب بيتى، ثم جئت رسول الله، فقال: مرحبا وأهلا أم هانئ، ما جاء بك؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر على، فقال: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، وأمنا من أمنت، فلا يقتلهما".
وقد روى أصحاب الصحاح الستة جميعها عن "أم هانئ" أنها عاشت حتى جاوزت عهد أخيها الإمام على.
ويبدو أن ابنة عم النبى، كانت مقربة له، ولذلك فهى ربما الشاهد الوحيد على رحلة الإسراء والمعراج، فبحسب ما يذكره كتاب " فتح البيان فى مقاصد القرآن" للشيخ محمد صديق القِنَّوجِى، وفى تفسيره لقوله "سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الإسراء 1)، قال من "المسجد الحرام" قال الحسن بن وقتادة: يعنى المسجد نفسه، فيما قال عامة المفسرين إن النبى أسرى من دار أم هانئ، فحملوا المسجد الحرام على مكة لإحاطة كل واحد منهما بالمسجد الحرام أو لأن الحرم كله مسجد.
كما يذكر اليعقوبى فى تاريخه أنه لما هبط النبى ( صلى الله عليه و آله) نزل فى بيت أم هانئ بنت أبى طالب، فقص عليها القصة، فقالت له: "بأبى أنت و أمى، لا تذكر هذا لقريش فيكذبوك".
كما يذكر لها، وكما جاء فى موسوعة "معالى السبطين للمازندرانى" كما نقله مجلة زلفى الإسلامية، فأن أم هانئ كانت لها موقف عند علمها بخروج أبن اخيها الحسين بن على كرم الله وجهما، حيث أقبل عليها نساء من بنى هاشم وقالوا "يا أم هانى أنت جالسة والحسين مع عياله عازم على الخروج فأقبلت أم هانى فلما رآها الحسين قال أما هذه عمتى ام هانى قيل نعم فقال يا عمة ما الذى جاه بك وأنت على هذه الحال فقالت وكيف لا آتى وقد بلغنى أن كفيل الأرامل ذاهب عنى ثم قالت له أبيات من أقوال والده الإمام على :
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ / ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ/ تَطُوفُ بِهِ الهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ/ فَهُمْ عِنْدَهُ فِى نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
ثم أبلغته بخوفها عليه من ذلك الخروج قاله:
وَإِنَّ قَتِيْلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ/ أَذَلَّ رِقَاباً مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ/ حَبِيْبُ رَسُولِ اللهِ لَمْ يَكُ فَاحِشاً/ أَبَانَتْ مُصِيْبَتُهُ الأُنُوفَ وَجَلَّتِ
لكن الحسين قال لها: يا عمه! لا تقولى من قريش، ولكن قولى: أذل رقاب المسلمين فذلّت، ثم قال: يا عمه! كل الذى مقدر فهو كائن لا محالة، وقال عليه السلام:
وَمَا هُمْ بِقَومٍ يَغْلِبُونَ ابْنَ غَالِبٍ/ وَلَكِنْ بِعِلمِ الغَيْبِ قَدْ قُدِّرَ الأَمْرُ
فخرجت أمّ هانى من عنده باكية، وهى تقول:
وَمَا أُمُّ هَانِى وَحْدَهَا سَاءَ حَالُهَا/ خُرُوْجُ حُسَيْنٍ عَنْ مَدِيْنَةِ جَدِّهِ/ وَلَكِنَّمَا القَبْرُ الشَّرِيْفُ وَمَنْ بِهِ/ وَمِنْبَرُهُ يَبْكُونَ مِنْ أَجْلِ فَقْدِهِ.