"الجنوبى" شاعر الرفض صاحب الوجه الأسمر "أمل دنقل" الغائب الحاضر، الذى غاب عنا فى ربيع الشباب وكأنه يكتب قصيدة أخرى من قصائد رفض "الحياة".
تحل اليوم ذكرى رحيل أمل دنقل الخامسة والثلاثين، إذ رحل فى 21 مايو 1983، عن عمر ناهز حينها 43 عاما.
الجنوبى الذى ترجع أصوله إلى مركز قفط التابعة لمحافظة قنا فى صعيد مصر، تنقل بين عدة مناطق ومحافظات فى مصر، لابد أنهم أثروا فى مسيرته الشعرية، فبعدما انتهى من دراسته الثانوية جاء إلى القاهرة والتحق بكلية الآداب لكنه لم يمكث بها كثيرا، والتحق بالعمل فى مصحلة الجمارك.
عمل أمل دنقل موظفاً بمحكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية ثم بعد ذلك موظفاً فى منظمة التضامن الأفروآسيوى، لكنه كان دائماً يترك العمل وينصرف إلى كتابة الشعر.
وبحسب كتاب "أمل دنقل: شاعر على خطوط النار" للكتاب أحمد الدوسرى، فإن أمل أسرته الإسكندرية بشواطئها الجميلة، وكتب فيها الكثير من القصائد التى ظهرت فى ديوانه الثانى "مقتل القمر" والذى أهداه إلى الإسكندرية (سنوات الصبا)، حيث ألهبت المدينة عاطفة الشاعر بقصائد .
بعدها غادر أمل محبوبته عروس البحر الأبيض المتوسط، ذهب إلى السويس، وربما كان ذلك الفراق بين المحب ومعشوقته أثر بالسلب على نفسية الشاعر، فرغم أنه لا يوجد تاريخ محدد لانتقال أمل من العمل فى الإسكندرية للسويس، إلا أن الثابت أنه ظل بها أعوام، قبل أن يقرر أن يستقبل عام 1966، واللافت أن "الجنوبى" انقطع عن الكتابة فى أعوام 1963، 1964، 1965، ولم يعثر له إلا على قصيدة واحدة كتبها أثناء وجوده فى السويس مؤرخة بعام 1966، وهى "إجازة فوق شاطئ البحر".
فترة التوقف عن الكتابة بررها أمل بأنها كانت محاولة منها أن يلم بالتيارات الفكرية والسياسية والأدبية التى كانت تؤجج الحياة الثقافية فى مصر والعالم العربى.
لكن يبدو أن الجنوبى أحب القاهرة وجذبه الحنين إلى حبه الأول، فهى تعنى المنتديات الأدبية والمقاهى، والصراعات المحتدمة، والشعراء أصحاب الحضور الكبير، فكان هناك مقهى ريش، الأتيليه، والصالونات الأدبية، وبحسب ما يقوله الكاتب أحمد الدوسرى، فأنه يمكن القول بأن أمل بدأ يعرف المحيط الثقافى المحتدم منذ تلك العام الذى اختار فيه السكن فى القاهرة نهائيا، حيث تسنت له فرصة الاحكتاك اليومى والمباشر بشعراء وأدباء جيله والجيل الذى سبقه.