من كتب مسرحيات شكسبير؟ هذا السؤال يجيب عليه بول أرون فى كتاب "ألغاز تاريخية محيرة"، دار "كلمات" و"هندواى"، والذى ننشره فى سلسلة سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.
كتب مارك توين فى عام 1909 أن السير الذاتية لشكسبير كانت أشبه بالبرونتوصور الذى يقف فى متحف التاريخ الطبيعى: كان لدينا تسعة عظام منه، وشيدنا بقيته من جبس باريس.
كانت تلك مبالغة من توين كدأبه دائمًا، ولكن كان لديه منطق وراء ذلك؛ فرغم كل ملايين الكلمات التى كتبت عن شكسبير، فإن المعروف عنه ليس كثيرًا. الأمور الوحيدة التى أمكن لكاتبى سيرته الجزم بها يقينًا أنه عاش فى بلدة ستراتفورد أون إيفون، وأنه كان ابنًا لصانع قفازات، وأنه صار ممثلًا للأدوار الصغيرة، وأنه قد استثمر، بنجاح كبير، فى شركة للتمثيل المسرحى عرفت باسم كينجز مِن. وهناك سجلات توثق تعميده، وزواجه، وقضاياه، وضرائبه، ووفاته. وهذا كل ما نعرفه؛ أما البقية، كما وصفه توين، فكانت من جبس باريس.
لا شىء فى السجل الوثائقى لستراتفورد يعطى أية إشارة إلى أن شكسبير كان كاتبًا، فضلًا عن كونه أعظم كتاب العالم. ولا يوجد مخطوطات بخط يده، أو حتى خطابات. لا يوجد توقيعات، فيما عدا ستة بخط مهتز غير واضح. ولم يرِد ذكرٌ فى وصيته لكتب، أو مخطوطات، أو أى شيء أدبى على الإطلاق. ولا يوجد أى سجل يذكر التحاقه بمدرسة فى ستراتفورد تعلم فيها اللاتينية واليونانية، أو أنه قد سافر للخارج، أو كان له أى علاقات وثيقة بأى شخص فى بلاط الملكة. غير أن شكسبير اكتسب بطريقة أو بأخرى معرفة واسعة بإيطاليا، والعائلة المالكة، والفلسفة، والأدب، والتاريخ، والقانون، والطب، كما يتبين من مسرحياته وقصائده.
كانت الصلة الوحيدة الواضحة بين الرجل القادم من ستراتفورد وبين الكاتب المسرحى هى الاسم: شكسبير. ولكن حتى ذلك أثار الشكوك. ففى وثائق ستراتفورد، يرسم الاسم إملائيٍا بطرق شتى؛ شاكسبير، وشاجسبير، وشاكسبر. أما فى النسخ المنشورة من أعماله وفى الإشارات المرجعية المعاصرة لها، فدائمًا ما ترسم شكسبير.
يرى توين أن التفسير واضح: فالكاتب المسرحى والشاعر لم يكن هو نفسه ابن صانع القفازات. ولم يستطع توين أن يجزم يقينًا بهوية من قام بكتابة المسرحيات تحديدًا. ولكن ثمة آخرون استطاعوا ذلك. فعلى مدار السنين، اقترحوا أعدادًا كبيرة من المرشحين، من بينهم الملكة إليزابيث، والملك جيمس، ووالتر رالى، وكريستوفر مارلو، وشيخ عربى يعرف بالشيخ صبار (وفيما يبدو توصل لذلك بناءً على افتراض أن كلمة شيخ تنطق كالمقطع الأول من الاسم شكسبير).
ربما كانت هناك شائعات عن شكسبير فى القرنين الأولين بعد وفاته، ولكنها لم تخلق جلبة حقيقية حتى بدايات القرن التاسع عشر. فقد شهدت هذه الفترة قمة ازدهار الرومانسيين، الذين كانوا يعتبرون شكسبير تجسيدًا للشعر، وكلما زاد إجلالهم لأعمالهم، واجهوا صعوبة أكبر فى المواءمة بين مسرحياته وقصائده وبين حياة مؤلفها البسيطة العادية فى ستراتفورد. حتى الشكسبيريون المتحمسون من أمثال كولريدج أصابتهم الدهشة من ذلك، إذ قال: إن أعمالًا من هذه النوعية لا بد أن تكون قد جاءت من رجل كانت حياته على نفس الشاكلة".
ومع مضِى القرن، التف أنصار أن من كتب المسرحيات والقصائد ليس شكسبير القادم من ستراتفورد، حول مرشح واحد هو فرانسيس بيكون. كان بيكون يملك كل المؤهلات التى افتقدها شكسبير؛ فقد كان بيكون فيلسوفًا، وعالمًا، ومحاميًا، وسياسيٍا كثير التردد على بلاط كل من إليزابيث وجيمس. وقد وجد أكثر مؤيديه حماسًا فى سيدة أمريكية تدعى ديليا بيكون (لا توجد صلة بينهما)، والتى كانت مقتنعة بأن الأوراق التى تثبِت حقوق رفيقها — الذى يحمل نفس لقبها — فى تأليف الأعمال مدفونة فى حفرة عميقة أسفل شاهدِ قبْر شكسبير فى ستراتفورد. وفى سبتمبر عام ١٨٥٦، شوهدت هناك وبيدها مجرفة. وفى اللحظة الأخيرة خانتها شجاعتها، وتركت رفات شكسبير يرقد فى سلام دون إزعاج. ولكنها استمرت فى نشر معتقدها هذا لجمهورٍ متزايد من مصدقيها.
وفيما بعد ترك أنصار بيكون البحث عن المخطوطات المدفونة وصبوا تركيزهم بدلًا من ذلك على المخطوطات الموجودة. غير أنه كان تركيزًا ضيق الأفق بشكل غريب. فقد وضع أنصار بيكون جل تركيزهم تقريبًا على اكتشاف الشفرات، والرموز السرية، والأكواد — ومن المفترض أن جميعها يكشف أن بيكون هو شكسبير — التى كان يفترض أنها مطمورة وسط النصوص. وكان المحلل الرئيسى للرموز فى هذا الصدد هو إجناتيوس دونيلى، وهو عضو بالكونجرس من مينيسوتا كان يتبنى شتى أنواع القضايا الغريبة، من بينها قضية بيكون.
يتسم قدر كبير من كتاب دونيلى الصادر عام ١٨٨٨ عن هذا الموضوع بالتعقيد الشديد؛ ما يتعذر معه متابعته؛ إذ يتضمن شتى أنواع العمليات الحسابية القائمة على جمع وطرح وقسمة وضرب أرقام الصفحات والسطور وعدد ورود العديد من الكلمات فى النص، مثل "فرانسيس"، و"ويليام"، و"شك"، و"سبير". غير أن القليل فقط من نتائجه كان واضحًا ومباشرًا؛ على سبيل المثال، لاحظ دونيلى أنه فى الفوليو الأول — وهو مجموعة من مسرحيات شكسبير صدرت عام ١٦٢٣ — ظهرت كلمة "بيكون" فى صفحة 53 فى الأعمال التاريخية وأيضًا فى صفحة ٥٣ فى الأعمال الكوميدية. ورأى دونيلى أن هذا لا يمكن أن يكون محض مصادفة؛ فلا بد أن تلك كانت وسيلة المؤلف للإفصاح عن هويته الحقيقية.
حذا آخرون حذْو دونيلى، من منطلق قناعتهم — فيما يبدو — بأن الشخص الذى كتب مسرحيات وقصائد شكسبير — أيٍا كان — كان مهتمٍا فى الأساس بخلق ألغاز صعبة للأجيال القادمة كى يقوموا بحلها. فقام والتر بيجلى، على سبيل المثال، بدراسة البيتين الأخيرين من إحدى قصائد شكسبير، وأشار إلى أننا إذا دمجنا أول حرفين من الكلمة الأخيرة فى البيت الأخير وأول ثلاثة حروف من الكلمة الأخيرة فى السطر قبل الأخير، نكتشف المؤلف الحقيقى للقصيدة (إذ جاءت الحروف باسم بيكون). ومثلما فعل دونيلى، تجاهل بيجلى دور المصادفة؛ ففيما يبدو أنه لم يخطر بباله أن الحروف فى اسم بيكون كلها مشتركة إلى حد ما فى كلمات كثيرة ويمكن أن تتواجد معًا فى الكثير من النصوص الأخرى، الشكسبيرية وغير الشكسبيرية.
وحتمًا انجذب محللو الشفرات بشكل خاص إلى كلمة لا معنى لها استخدمها مهرجٌ فى مسرحية شكسبير "الحب مجهود ضائع". كانت الكلمة تتألف من عدد كاف من الحروف التى تجعلها تحوى توليفة هائلة من الرسائل السرية.
وجاء واحد من أفضل "الحلول" فى عام ١٩١٠، حين أعاد إدوين ديرنينج لورانس ترتيب الحروف لكى تنطق، والتى إذا ترجمت من اللاتينية تعنى "هذه المسرحيات لأبناء فرانسيس بيكون محفوظة من أجل العالم". وما تجاهله ديرنينج لورانس بمنتهى السلاسة هو أن الكلمة الأصلية كانت متداولة لفترة قبل ظهورها فى مسرحية "الحب مجهود ضائع"، ما جعل بيكون لا يمكن أن يكون قد صاغها بحيث يخفى رسالته المشفرة.
وبحلول عام ١٩٢٠، كان حماس أنصار النظرية البيكونية للرسائل السرية قد كلفهم الكثير من مصداقيتهم، حتى بين أولئك المشككين فى أصالة تأليف شكسبير للأعمال. وقد رفضمعظم باحثى شكسبير أنصار النظرية البيكونية باعتبارهم أشخاصًا غريبى الأطوار ومعتوهين ولم يكلفوا أنفسهم حتى عناء التعليق على أعمالهم. ولكن مع انحسار الحقبة البيكونية، ظهر مرشح جديد وأكثر مصداقية — هو إدوارد دى فير، إيرل أكسفورد السابع عشر — فى الصدارة.
بدت الحجة المؤيدة لدى فير، والتى قدمت فى عام ١٩٢٠ على يد معلم إنجليزى يحمل الاسم البائس توماس لونى، فكلمة "لونى" تعنى مجنونا حجة قوية، فإلى جانب كونه إيرل أكسفورد، كان دى فير ابن عم الملكة إليزابيث، وتحت وصاية ويليام بيرلى، مسئول الخزانة، وزوج ابنته فيما بعد. كل هذا منحه أكثر من مجرد إلمام عابر بحياة رجال الحاشية الملكية. وفوق كل ذلك، كان دى فير شاعرًا وكاتبًا مسرحيا ذا باع؛ ففى عام ١٥٩٨، قام أحد النقاد المعاصرين، ويدعى فرانسيس ميرس، بتصنيف دى فير باعتباره الأفضل على مستوى الكوميديا بيننا جميعًا.
على عكس بيكون، كان دى فير يملك أسبابًا وجيهة لإخفاء حقيقة كوْنه المؤلف الحقيقى سرٍا، لما كان المسرح يعتبر مكانًا سيئ السمعة فى الدوائر التى كان يظهر فيها أثناء ترحاله. إلى جانب أن بعضًا ممن كانوا فى بلاط إليزابيث ربما لم يرق لهم الأسلوب الذى صوروا به هم أو أجدادهم؛ لذا استخدم دى فير اسمًا مستعارًا، مثلما ذهب لوني. ولكن الإيرل لم يستطع مقاومة التلميح ببعض الإلماعات عن هويته السرية؛ لذا اختار اسمًا مشتقٍا من إحدى شاراته، التى كانت تصور أسدًا يحرك رمحًا (وهى الترجمة الحرفية لمقاطع اسم شكسبير بالإنجليزية).
ولما كان الإيرل من النبلاء، فقد كانت حياته موثقة أكثر من حياة شكسبير؛ ومن ثم وجد لونى الكثير لربطه بدى فير وأعماله المزعومة. فكان معلومًا، على سبيل المثال، أن دى فير قد سافر إيطاليا فى عام ١٥٧٥، وتوقف فى بادوا، وجنوة، وفينيسيا، وفلورنسا. ومن الممكن أن يكون هذا تفسيرًا للمعرفة التفصيلية بهذه المناطق التى تجلت فى مسرحيات شكسبير.
وكان لونى يعتقد أن الدليل الأقوى قد يكمن فى أشهر مسرحيات شكسبير، أو بالأحرى مسرحيات دى فير. فمثل والد هاملت، توفى والد دى فير صغيرًا؛ ومثل والدة هاملت، سارعت والدة دى فير بالزواج ثانية. وحدث ذات مرة أن قام دى فير بطعن أحد خدم بيرلى، وهى الطريقة التى قتل بها هاملت بولونيوس. وتعرضدى فير، مرة أخرى مثل هاملت، للأسر على يد القراصنة، الذين أبقوا عليه حيٍا بعد ذلك. ومع انتهاء لونى من تحليله، بدت تراجيديا شكسبير سيرة ذاتية لدى فير كتبها بنفسه.
وجد لونى انعكاساتٍ لحياة دى فير فى شخصياتٍ شكسبيرية أخر أيضًا. فمثل الملك لير، كان دى فير أرملًا له ثلاث بنات، كانت كبيرتاهن متزوجتين. ومثل فولستاف، كان معروفا بذكائه الحاد، ومثل بروسبيرو فى "العاصفة" واجه دى فير أجواءً عاصفة وإن كان بشكل مجازى فى حياته.
أما فيما يتعلق بقصائد شكسبير، فقد خلص لونى إلى أن هنرى ريوثيسلى، إيرل ساوثمبتون يصلح لدور كان «الشاب الوسيم» فى القصائد، وفيما بعد تقدم الأكسفورديون بهذه خطوة للأمام، بتخمينهم أن ريوثيسلى كان ابن دى فير، وأن الشاب الوسيم كان إشارة تورى عن "الشاب فير".
بحلول منتصف القرن العشرين، سحق الأكسفورديون البيكونيين ليبسطوا سيطرتهم على الموقف الذى لا يعزى الأعمال إلى شكسبير. ولكن المدعين الجدد — من منظور المؤسسة الأكاديمية — لم يكونوا أقل غرابة من البيكونيين. والواقع أن جهود الأكسفورديين لإيجاد أوجه تشابه بين حياة دى فير وأعمال شكسبير قد شابها نفس النزعات الاستحواذية وغياب القدرة على التمييز مثل نظرية فك الشفرات التى تبناها البيكونيون. فقد كان الأكسفورديون عازمين على تحويل الشخصيات الخيالية إلى شخصيات تاريخية بالقوة، ولكنهم فعلوا ذلك بشكل انتقائى للغاية. على سبيل المثال، وكما أشار الكثير من الباحثين التقليديين، تجاهل الأكسفورديون تمامًا الحقيقة الواضحة وضوح الشمس أن شكسبير، لا دى فير، هو من سمى ابنه هامنت.
ثمة مشكلة أخرى كبيرة تكتنف النظرية التى تقول إن إيرل أكسفورد هو كاتب مسرحيات شكسبير، وهى تتعلق بتواريخ مسرحيات شكسبير. فبحسب معظم الباحثين، استمرت شركة كينجز مِن فى إنتاج مسرحيات جديدة لشكسبير حتى عام 1614. ولكن دى فير توفى فى عام 1604.
وفى تلك المرحلة، لم تظهر سوى ثلاث وعشرين من أصل ثمانٍ وثلاثين مسرحية من مسرحيات شكسبير فى طبعات منشورة أو أشير إليها فى مصادر مطبوعة. ومن ثم، فإن هناك خمس عشرة مسرحية — من ضمنها الملك لير، وماكبث، وأنطونيو وكليوباترا، وحكاية شتاء، والعاصفة (وهى بالتأكيد بعضمن أنجح أعمال الكاتب المسرحى) — لم تمثل على المسرح إلى بعد وفاة دى فير.
رد بعض الأكسفورديين على مشكلة التأريخ بالإشارة إلى أنه لا بد أن يكون دى فير قد بدأ تأليف المسرحيات قبل وفاته، ثم أنهاها شخصآخر. وذهب آخرون لأبعد من ذلك بادعاء أن التواريخ المنسوبة للمسرحيات كانت خاطئة وأن جميعها تقريبًا قد كتِب قبل عام 1604.
فقد استفاد الأكسفورديون، مثل جميع المناهضين الآخرين لنظرية نسبِ الأعمال إلى شكسبير، من ندرة التوثيق العامة التى ابتلى بها كل كاتبى السير الذاتية التقليديين. لقد كانوا على صواب فى تأكيدهم أن بعضًا من تواريخ المسرحيات كانت قائمة على بعض التخمين والتقدير الاستقرائى، ولكنهم كانوا مخطئين فى زعمهم بأنها لذلك كانت اعتباطية.
إن التواريخ التقليدية، على العكس من ذلك، قائمة على مجموعة متنوعة من الإشارات المرجعية المعاصرة لشكسبير وأعماله. على سبيل المثال، يذكر كتاب فرانسيس ميرس الصادر عام 1598 اثنتى عشرة مسرحية ويشيد بأعمال شكسبير باعتبارها الأكثر امتيازا على مستوى الكوميديا والتراجيديا.
وهذا هو ميرس نفسه، الذى التف حوله الأكسفورديون، كما تتذكر، لإشادته بدى فير ككاتب. ولكنهم يحطون من قدر شهادته بمنتهى السلاسة حين تستخدم لدعم التأريخ التقليدي. علاوة على ذلك، يثير عمل ميرس سؤالًا محرجًا آخر بالنسبة إلى الأكسفورديين: إذا كان رجلهم هو من كتب مسرحيات شكسبير، فلماذا يناقش دى فير وشكسبير كل على حدة فى نفس العمل؟
ثمة إشارات مرجعية معاصرة أخرى إلى شكسبير من شأنها تعزيز حجة التقليديين.
فيذكر روبرت جرينى شكسبير فى كتيب صدر عام ١٥٩٢، وكذلك يذكره بِن جونسون فى عدد من الأعمال.
وقد ذهب الأكسفورديون إلى أن ميرس وجرين وجونسون ربما كانوا جميعا يستخدمون الاسم المستعار لدى فير، مثلما قد نشير نحن إلى صامويل كليمنز باسم مارك توين، ولكن هذا يبدو غير وارد. فرثاء جونسون لشكسبير الذى كتبه عام 1623 يشير إليه بـ "بجعة إيفون العذبة"، ومن الصعب تخيل أنه كان يفكر فى أى شخص آخر سوى الرجل القادم من ستراتفورد أون إيفون. ويرى معظم الباحثين أن كلمات جونسون تدعم الحجة المؤيدة لكون شكسبير هو شكسبير.
ولكن يظل الأكسفورديون والبيكونيون — على الأقل أولئك الذين لم تجرفهم انفعالاتهم — جديرين بالإشادة لتنويههم عن الثغرات الموجودة فى السجل التاريخى وإثارتهم لأسئلةٍ كانت المؤسسة الشكسبيرية تفضل تجاهلها. وفى العقد الماضى، حظيت أعمال أكسفورديى العصر الحديث، أمثال تشارلتون أوجبيرن وجوزيف سوبران، ببعض الاحترام المشوب بالاستياء من الباحثين التقليديين، وقد صار الأكاديميون بشكل متزايد يأخذون على عاتقهم مهمة الرد على الرافضين لنسب أعمال شكسبير إليه، وكانت هذه الردود فى حد ذاتها مفيدة ومثيرة للفكر.
غير أن ذلك لا يعنى أن الأكسفورديين قد اجتذبوا العديد من الشكسبيريين إلى صفهم. فالغالبية العظمى من الباحثين يرون أن السجل التوثيقى، برغم محدوديته، واضح وكافٍ. وكما يمزح الشكسبيريون فى الغالب، كان الرجل الذى كتب مسرحيات شكسبير هو شكسبير.
وقد اتهم الأكسفورديون الأكاديميين بازدرائهم والتغطرس عليهم لأنهم هواة، ولكن التغطرس الأقبح يكمن فى افتراض أن الأرستقراطى الجامعى هو فقط من يمكن أن يصبح عبقرية أدبية. ولا ينبغى أن ننكر على شكسبير إنجازه لمجرد أنه كان ابنًا لصانع قفازات فى بلدة صغيرة.