نستكمل، اليوم، مع شهرزاد حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان، من ليالى ألف ليلة وليلة، والتى نقتطف حكاياتها فى سلسلة سحر الحكايات فى رمضان.
ألف ليلة وليلة.. حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
قالت: بلغنى أيها الملك السعيد أن رسل ملك القسطنطينية قبلوا الأرض بين يدى الملك عمر النعمان بعد أن حكوا له ثم أعلموه بالهدية وكانت الهدية خمسين جارية من خواص بلاد الروم وخمسين مملوكاً عليه أقبية من الديباج بمناطق من الذهب والفضة وكل مملوك فى أذنه حلقة من الذهب فيها لؤلؤة تساوى ألف مثقال من الذهب والجوارى كذلك وعليهم من القماش ما يساوى مالاً جزيلاً.
فلما رآهم الملك قبلهم وفرح بهم وأمر بإكرام الرسل وأقبل على وزرائه يشاورهم فيما يغفل فنهض من بينهم وزير وكان شيخاً كبيراً يقال له: دندان فقبل الأرض بين يدى الملك عمر النعمان وقال: أيها الملك ما فى الأمر أحسن من أنك تجهز عسكراً جراراً وتجعل قائدهم ولدك شركان ونحن بين يديه غلمان هذا الرأى أحسبن لوجهين: الأول أن ملك الروم قد استجار بك وأرسل إليك هدية فقبلتها، والوجه الثانى أن لعدو لا يجسر على بلادنا فإذا منع عسكرك عن ملك الروم وهزم عدوه ينسب هذا الأمر إليك ويشيع ذلك فى سائر الأقطار والبلاد، ولا سيما إذا وصل الخبر إلى جزائر البحر وسمع بذلك أهل المغرب فإنهم يحملون إليك الهدايا والتحف والأموال.
فلما سمع لملك هذا الكلام من وزيره دندان أعجبه واستصوبه وخلع عليه وقال له: مثلك من تستشيره الملوك ينبغى أن تكون أنت فى مقدم العسكر وولدى شركان فى ساقة العسكر ثم إن الملك أمر بإحضار ولده فلما حضر قص عليه القصة وأخبره بما قاله الرسل وبما قاله الوزير دندان وأوصاه بأخذ الأهبة والتجهيز للسفر وأنه لا يخالف الوزير دندان فيما يشور به عليه وأمره أن ينتخب من عسكره عشرة آلاف فارس كاملين العدة صابرين على الشدة فامتثل شركان ما قاله والده عمر النعمان وقام فى الوقت واختار من عسكره عشرة آلاف فارس ثم دخل قصره وأخرج مالاً جزيلاً وأنفق عليهم المال.
وقال لهم: قد أمهلتكم ثلاثة أيام فقبلوا الأرض بين يديه مطيعين لأمره، ثم خرجوا من عنده وأخذوا من الأهبة وإصلاح الشأن ثم إن شركان دخل خزائن السلاح وأخذ ما يحتاج إليه من العدد والسلاح، دخل الإصطبل واختار منه الخيل المسالمة وأخذ غير ذلك وبعد ذلك أقاموا ثلاثة أيام ثم خرجت العساكر إلى ظاهر المدينة وخرج الملك عمر النعمان لوداع ولده شركان فقبل الأرض بين يديه وأهدى له سبع خزائن من المال وأقبل على الوزير دندان وأوصاه بعسكر ولده شركان فقبل الأرض بين يديه وأجابه بالسمع والطاعة وأقبل الملك على ولده شركان وأوصاه بمشاورة الوزير دندان فى سائر الأمور، فقبل ذلك ورجع والده إلى أن دخل المدينة، ثم إن شركان أمر كبار العسكر بعرضهم عليه وكانت عدتهم عشرة آلاف فارس غير ما يتبعهم ثم إن القوم حملوا ودقت الطبول وصاح النفير وانتشرت الأعلام تخفق على رؤوسهم ولم يزالوا سائرين والرسل تقدمهم إلى أن ولى النهار وأقبل الليل، فنزلوا واستراحوا وباتوا تلك الليلة.
فلما أصبح الصباح ركبوا وساروا ولم يزالوا سائرين، والرسل يدلونهم على الطريق مدة عشرين يوماً ثم أشرفوا فى اليوم الحادى والعشرين على واد واسع الجهات كثير الأشجار والنبات، وكان وصولهم إلى ذات الوادى ليلاً فأمرهم شركان بالنزول والإقامة فيه ثلاثة أيام فنزل العساكر وضربوا الخيام وافترق العسكر يميناً وشمالاً ونزل الوزير دندان وصحبته رسل أفريدون، صاحب القسطنطينية، فى وسط ذلك الوادى وأما الملك شركان فإنه كان فى وقت وصول العسكر، وقف بعدهم ساعة حتى نزلوا جميعهم وتفرقوا فى جوانب الوادى ثم إنه أرخى عنان جواده وأراد أن يكشف ذلك الوادي، ويتولى الحرس بنفسه لأجل وصية والده إياه فإنهم فى أول بلاد الروم وأرض العدو فسار وحده بعد أن أمر مماليكه وخواصه بالنزول عند الوزير دندان ثم إنه لم يزل سائراً على ظهر جواده فى جوانب الوادي، إلى أن مضى من الليل ربعه فتعب وغلب عليه النوم فصار لا يقدر أن يركض الجواد وكان له عادة أنه ينام على ظهر جواده.
فلما هجم عليه النوم نام ولم يزل الجواد سائراً به إلى نصف الليل فدخل به فى بعض الغابات وكانت تلك الغابة كثيرة الأشجار فلم ينتبه شركان حتى دق الجواد بحافره فى الأرض فاستيقظ فوجد نفسه بين الأشجار، وقد طلع عليه القمر وأضاء فى الخافقين فاندهش شركان لما رأى نفسه فى ذلك المكان وقال كلمة لا يخجل قائلها وهى: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فبينما هو كذلك خائف منا لوحوش متحير لا يدرى أين يتوجه فلما رأى القمر أشرف على مرج كأنه من مروج الجنة سمع كلاماً مليحاً وصوتاً علياً وضحكاً يسبى عقول الرجال فنزل الملك شركان عن جواده فى الأسحار ومشى حتى أشرف على نهر فرأى فيه الماء يجرى وسمع كلام امرأة تتكلم بالعربية وهى تقول: وحق المسيح إن هذا منكن غير مليح ولكن كل من تكلمت بكلمة صرعتها وكتفتها بزنارها كل هذا وشركان يمشى إلى جهة الصوت حتى انتهى إلى طرف المكان ثم نظر فإذا بنهر مسرح وطيور تمرح وغزلان تسنح ووحوش ترتع والطيور بلغاتها لمعانى الحظ تنشرح وذلك المكان مزركش بأنواع النبات.
فقال: ماتحسن الأرض إلا عند زهرتـهـا والماء من فوقها يجرى بـإرسـال. صنعا الاله العظيم الشأن مـقـتـدرا معطى العطايا ومعطى كل منفضال. فنظر شركان إلى ذكل المكان فرأى فيه ديراً، ومن داخل الدير قلعة شاهقة فى الهواء فى ضوء القمر وفى وسطها نهر يجرى الماء منه إلى تلك الرياض وهناك امرأة بين يديها عشر جوار كأنهن الأقمار وعليهن من أنواع الحلى والحلل ما يدهش الأبصار وكلهن أبكار بديعات كما قيل فيهن هذه الأبيات: يشرق المرج بما فيه من البيض العـوال زاد حسناً وجـمـالاً من بديعات الخلال كل هيفاء قـوامـا ذات غـنـج ودلال راخيات الشـعـور كاعناقيد الـدوالـى فاتـنـات بـعـيون راميات بالـنـبـال مائسـات قـاتـلات لصناديد الـرجـال فنظر شركان إلى هؤلاء العشر جوار فوجد بينهن جارية كأنه البدر عند تمامه بحاجب مرجرج وخبير أبلج وطرف أهدب وصدغ معقرب فأنشد: تزهو على بألحـاظ بـديعـات وقدها مخجل للسـمـهـريات تبدو إلينـا وخـداهـا مـوردة فيها منا لظرف أنواع الملاحات كأن طرتها فى نور طلعتـهـا ليل يلوح على صبح المسرات فسمعها شركان وهى تقول للجواري: تقدموا حتى أصارعكم قبل أن يغيب القمر ويأتى الصباح فصارت كل واحدة منهن تتقدم إليها فتصرعها فى الحال وتكتفها بزنارها فلم تزل تصارعهن وتصرعهن حتى صرعت الجميع ثم التفتت إليها جارية عجوز كانت بين يديها وقالت لها وهى كالمغضبة عليها: يا فاجرة أتفرحين بصرعك للجوارى فها أنا عجوز وقد صرعتهن أربعين مرة فكيف تعجبين بنفسك ولكن إن كان لك قوة على مصارعتى فصارعينى فإن أردت ذلك وقمت لمصارعتى أقوم لك وأجعل رأسك بين رجليك فتبسمت الجارية ظاهراً وقد امتلأت غيظاً منها باطناً وقامت إليها وقالت لها: يا سيدتى ذات الدواهى بحق المسيح أتصارعيننى حقيقة أو تمزحين معى؟ قالت لها: بل أصارعك حقيقة وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.