نبدأ اليوم مع شهرزاد حكاية السندباد الحمال من ليالى ألف ليلة وليلة، والتى نقتطف حكاياتها فى سلسلة سحر الحكايات فى رمضان.
قالت: بلغنى أنه كان فى زمن الخليفة أمير المؤمنين هارون الرشيد بمدينة بغداد رجل يقال له السندباد الحمال، وكان رجلاً فقير الحال يحمل تجارته على رأسه فاتفق له أنه حمل فى يوم من الأيام حملة ثقيلة، وكان ذلك اليوم شديد الحر فتعب من تلك الحملة وعرق واشتد عليه الحر، فمر على باب رجل تاجر قدامه كنس ورش وهناك هواء معتدل، وكان بجانب الباب مصطبة عريضة فحط الحمال حملته على تلك المصطبة ليستريح ويشم الهواء.
قالت: بلغنى أيها الملك السعيد، أن الحمال لما حط حملته على تلك المصطبة ليستريح ويشم الهواء خرج عليه من ذلك الباب نسيم رائق ورائحة ذكية، فاستلذ الحمال لذلك وجلس على جانب المصطبة، فسمع فى ذلك المكان نغم أوتار وعود وأصوات مطربة وأنواع إنشاد معربة، وسمع أيضاً أصوات طيور تناغى وتسبح الله تعالى باختلاف الأصوات وسائر اللغات، من قمارى وهزار وشحارير وبلابل وفاخت وكروان.
عند ذلك تعجب من نفسه وطرب طرباً شديداً، فتقدم إلى ذلك فوجد داخل البيت بستاناً عظيماً. ونظر فيه غلماناً وعبيداً وخداماً وحشماً وشيئاً لا يوجد إلا عند الملوك والسلاطين وبعد ذلك هبت عليه رائحة أطعمة طيبة ذكية من جميع الألوان المختلفة والشراب الطيب فرفع طرفه إلى السماء.
وقال: سبحانك يا رب، يا خالق، يا رزاق، ترزق من تشاء بغير حساب اللهم إنى أستغفرك من جميع الذنوب وأتوب إليك من العيوب يا رب لا أعترض عليك فى حكمك وقدرتك فإنك لا تسأل عما تفعل وأنت على كل شيء قدير سبحانك تغنى من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء لا إله إلا أنت ما أعظم شأنك وما أقوى سلطانك وما أحسن تدبيرك، قد أنعمت على من تشاء من عبادك فهذا المكان صاحبه فى غاية النعمة، وهو متلذذ بالروائح اللطيفة والمآكل اللذيذه، والمشارب الفاخرة فى سائر الصفات وقد حكمت فى خلقك بما تريد وما قدرته عليهم، فمنهم تعبان ومنهم مستريح ومنهم سعيد ومنهم من هو مثلى فى غاية التعب والذل.
وأنشد يقول: فكم من شـقـى بـلا راحة ينعم فى خير فـىء وظـل وأصبحت فـى تـعـب زائد وأمرى عجيب وقد زاد حملى وغيرى سعيد بـلا شـقـوة وما حمل الدهر يوماً كحملى ينـعـم فـى عـيشة دائمـاً ببسط وعز وشـرب وأكـل وكل الخلائق مـن نـطـفة أنا مثل هذا وهذا كمثـلـى ولكن شتـان مـا بـينـنـا وشتان بين خـمـر وخـل ولست أقول عليك افـتـراء فأنت حكيم حكمت بـعـدل فلما فرغ السندباد الحمال من شعره ونظمه أراد أن يحمل حملته ويسير، إذ طلع عليه من ذلك الباب، غلام صغير السن حسن الوجه مليح القد فاخر الملابس، فقبض على يد الحمال.
وقال له: ادخل كلم سيدى فإنه يدعوك، فأراد الحمال الامتناع عن الدخول مع الغلام فلم يقدر على ذلك، فحط حملته عند الباب فى وسط المكان ودخل مع الغلام داخل الدار فوجد داراً مليحة وعليها أنس ووقار ونظر إلى مجلس عظيم، فنظر فيه من السادات الكرام والموالى العظام، وفيه من جميع أصناف الزهر وجميع أصناف المشموم ومن أنواع النقل والفواكه وشىء كثير من أصناف الأطعمة النفيسة وفيه مشروب من خواص دوالى الكروم، وفيه آلات السماع والطرب من أصناف الجوارى الحسان كل منهن فى مقامه على حسب الترتيب.
وفى صدر ذلك المجلس رجل عظيم محترم قد لكزه الشيب فى عوارضه وهو مليح الصورة حسن المنظر وعليه هيبة ووقار وعز وافتخار فعند ذلك بهت السندباد الحمال وقال فى نفسه: والله إن هذا المكان من بقع الجنان أو أنه يكون قصر ملك أو سلطان، ثم تأدب وسلم عليهم وقبل الأرض بين أيديهم ووقف وهو منكس رأسه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.