نستكمل اليوم، حكاية شهر زاد عن السندباد الحمال من ليالى ألف ليلة وليلة، والتى نقتطف حكاياتها فى سلسلة سحر الحكايات فى رمضان.
وفى الليلة الثالثة والثلاثين بعد الخمسمائة قالت: بلغنى أيها الملك السعيد، أن ريس المركب لما صاح على الركاب وقال لهم: اطلبوا النجاة لأنفسكم واتركوا الأسباب.
ولما سمع الركاب كلام ذلك الريس، أسرعوا وبادروا بالطلوع إلى المركب، وتركوا الأسباب وحوائجهم ودسوتهم وكوانينهم فمنهم من لحق المركب ومنهم من لم يلحقه وقد تحركت تلك الجزيرة ونزلت إلى قرار البحر بجميع ما كان عليها وانطبق عليها البحر العجاج المتلاطم بالأمواج وكنت من جملة من تخلف فى الجزيرة، فغرقت فى البحر مع جملة من غرق، ولكن الله تعالى أنقذنى ونجانى من الغرق ورزقنى بقطعة خشب كبيرة من القطع التى كانوا يغسلون فيها فمسكتها بيدى وركبتها من حلاوة الروح ورفست فى الماء برجلى مثل المجاذيف والأمواج تلعب بى يميناً وشمالاً.
وقد نشر الريس قلاع المركب وسافر بالذين طلع بهم فى المركب ولم يلتفت لمن غرق منهم ومازلت أنظر إلى ذلك المركب حتى خفى عن عينى وأيقنت بالهلاك ودخل على الليل وأنا على هذه الحالة فمكثت على ما أنا فيه يوماً وليلة وقد ساعدنى الريح والأمواج إلى أن رست بى تحت جزيرة عالية وفيها أشجار مطلة على البحر فمسكت فرعاً من شجرة عالية وتعلقت به بعدما أشرفت على الهلاك وتمسكت به إلى أن طلعت إلى الجزيرة، فوجدت فى رجلى خدلاً وأثر أكل السمك فى بطونهما، ولم أشعر بذلك من شدة ما كنت فيه من الكرب والتعب وقد ارتميت فى الجزيرة وأنا مثل الميت وغبت عن وجودى وغرقت فى دهشتى ولم أزل على هذه الحالة إلى ثانى يوم.
وقد طلعت الشمس على وانتبهت فى الجزيرة فوجدت رجلى قد ورمتا، فسرت حزيناً على ما أنا فيه، فتارة أزحف وتارة أحبو على ركبى وكان فى الجزيرة فواكه كثيرة وعيون ماء عذب، فصرت آكل من تلك الفواكه.
ولم أزل على هذه الحالة مدة أيام وليال فانتعشت نفسى وردت لى روحى وقويت حركتى وصرت أتفكر وأمشى فى جانب الجزيرة وأتفرج بين الأشجار مما خلق الله تعالى. وقد عملت لى عكازاً من تلك الأشجار أتوكأ عليه، ولم أزل على هذه الحالة إلى أن تمشيت يوماً من الأيام فى جانب الجزيرة، فلاح لى شبح من بعيد فظننت أنه وحش أو أنه دابة من دواب البحر، فتمشيت إلى نحوه ولم أزل أتفرج عليه وإذا هو فرس عظيم المنظر مربوط فى جانب الجزيرة على شاطئ البحر فدنوت منه فصرخ على صرخة عظيمة فارتعبت منه وأردت أن أرجع وإذا برجل خرج من تحت الأرض وصاح على واتبعنى وقال لى: من أنت ومن أين جئت وما سبب وصولك إلى هذا المكان؟ فقلت له: يا سيدى أعلم أنى رجل غريب وكنت فى مركب وغرقت أنا وبعض من كان فيها، فرزقنى الله بقطعة خشب فركبتها وعامت بى إلى أن رمتنى الأمواج فى هذه الجزيرة. فلما سمع كلامى أمسكنى من يدى وقال لى: امش معى فنزل بى فى سرداب تحت الأرض، ودخل بى إلى قاعة كبيرة تحت الأرض وأجلسنى فى صدر تلك القاعة وجاء لى بشيء من الطعام، وأنا كنت جائعاً فأكلت حتى شبعت واكتفيت وارتاحت نفسى، ثم إنه سألنى عن حالى وما جرى لى فأخبرته بجميع ما كان من أمرى من المبتدأ إلى المنتهى فتعجب من قصتى.
فلما فرغت من حكايتى قلت: بالله عليك ياسيدى لا تؤاخذنى، فأنا قد أخبرتك بحقيقة حالى وما جرى لى، وأنا أشتهى منك أن تخبرنى من أنت وما سبب جلوسك فى هذه القاعة التى تحت الأرض، وما سبب ربطك هذه الفرس على جانب البحر.
فقال لى أعلم أننا جماعة متفرقون فى هذه الجزيرة على جوانبها ونحن سياس الملك المهرجان وتحت أيدينا جميع خيوله، وفى كل شهر عند القمر نأتى بالخيل الجياد ونربطها فى هذه الجزيرة من كل بكر، ونختفى فى هذه القاعة تحت الأرض حتى لا يرانا أحد، فيجيء حصان من خيول البحر على رائحة تلك الخيل ويطلع على البر فلم ير أحداً، فيثب عليها ويقضى منها حاجته وينزل عنها ويريد أخذها معه، فلا تقدر أن تسير معه من الرباط فتصيح عليه ويضربها برأسه ورجليه ويصيح فنسمع صوته فنعلم أنه نزل عنها فنطلع صارخين عليه فيخاف وينزل البحر والفرس تحمل وتلد مهراً أو مهرة تساوى خزنة مال ولا يوجد لها نظير على وجه الأرض، وهذا وقت طلوع الحصان وإن شاء الله تعالى آخذك معى إلى الملك المهرجان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.