نستكمل اليوم، حكاية شهر زاد عن السندباد الحمال من ليالى ألف ليلة وليلة، والتى نقتطف حكاياتها فى سلسلة سحر الحكايات فى رمضان.
وفى الليلة الرابعة والثلاثين بعد الخمسمائة قالت: بلغنى أيها الملك السعيد، أن السايس قال للسندباد البحرى آخذك معى إلى الملك المهرجان وأفرجك على بلادنا، واعلم أنه لولا اجتماعك علينا ما كنت ترى أحداً فى هذا المكان غيرنا وكنت تموت كمداً ولا يدرى بك أحد ولكن أنا أكون سبب حياتك ورجوعك إلى بلادك فدعوت له وشكرته على فضله وإحسانه، فبينما نحن فى هذا الكلام وإذا بالحصان قد طلع من البحر وصرخ صرخة عظيمة، فأخذ الرجل السايس سيفاً بيده ودرقة وطلع من باب تلك القاعة، وهو يصيح على رفقته ويقول اطلعوا إلى الحصان ويضرب بالسيف على الدرقة، فجاء جماعة بالرماح صارخين فجفل منهم الحصان وراح إلى حال سبيله ونزل فى البحر مثل الجاموس، وغاب تحت الماء.
فعند ذلك جلس الرجل قليلاً، وإذا هو بأصحابه قد جاؤه ومع كل واحد فرس يقودها فنظرونى عنده فسألونى عن أمرى فأخبرتهم بما حكيته له وقربوا منى ومدوا السماط وأكلوا وعزمونى فأكلت معهم، ثم إنهم قاموا وركبوا الخيول وأخذونى إلى مدينة الملك المهرجان، وقد دخلوا عليه وأعلموه بقصتى فطلبنى فأدخلونى عليه وأوقفونى بين يديه فسلمت عليه فرد على السلام ورحب بى وحيانى بإكرام وسألنى عن حالى، فأخبرته بجميع ما حصل لى وبكل ما رأيته من المبتدأ إلى المنتهى.
فعند ذلك تعجب مما وقع لى ومما جرى لى، فعند ذلك قال لى يا ولدى والله لقد حصل لك مزيد السلامة ولولا طول عمرك ما نجوت من هذه الشدائد ولكن الحمد لله على السلامة، ثم إنه أحسن إلى وأكرمنى وقربنى إليه وصار يؤانسنى بالكلام والملاطفة وجعلنى عنده عاملاً فى ميناء البحر وكاتباً على كل مركب عبر إلى البر وصرت واقفاً عنده لأقضى له مصالحه وهو يحسن إلى وينفعنى من كل جانب، وقد كسانى كسوة مليحة فاخرة، وصرت مقدماً عنده فى الشفاعات وقضاء مصالح الناس ولم أزل عنده مدة طويلة.
وأنا كلما اشق على جانب البحر، اسأل التجار والمسافرين والبحريين عن ناحية مدينة بغداد لعل أحداً يخبرنى عنها فأروح معه إليها وأعود إلى بلادى فلم يعرفها أحد ولم يعرف من يروح إليها، وقد تحيرت فى ذلك وسئمت من طول الغربة، ولم أزل على هذه الحالة مدة من الزمان إلى أن جئت يوماً من الأيام ودخلت على الملك المهرجان فوجدت عنده جماعة من الهنود، فسلمت عليهم فردوا على السلام ورحبوا بى، وقد سألونى عن بلادى فذكرتها لهم وسألتهم عن بلادهم ذركوا لى أنهم أجناس مختلفة فمنهم الشاركية وهم أشرف أجناسهم لا يظلمون أحداً ولا يقهرونه. ومنهم جماعة تسمى البراهمة وهم قوم لا يشربون الخمر أبداً، وإنما هم أصحاب حظ وصفاء ولهو وطرب وجمال وخيول ومواشى، وأعلمونى أن صنف الهنود يفترق على اثنين وسبعين فرقة فتعجبت من ذلك غاية العجب.
ورأيت فى مملكة المهرجان جزيرة من جملة الجزائر، يقال لها كابل يسمع فيها ضرب الدفوف والطبول طول الليل، وقد أخبرنا أصحاب الجزائر والمسافرين أنهم أصحاب الجد والرأى.
ورأيت فى البحر سمكة طولها مائتا ذراع ورأيت أيضاً سمكاً وجهه مثل وجه البوم ورأيت فى تلك السفرة كثيراً من العجائب والغرائب مما لو حكيته لكم لطال شرحه ولم أزل أتفرج على تلك الجزائر وما فيها، إلى أن وقفت يوماً من الأيام على جانب البحر وفى يدى عكاز حسب عاداتى وإذا بمركب قد أقبل وفيه تجار كثيرون.
فلما وصل إلى ميناء المدينة وفرضته، وطوى الريس قلوعه وأرسله على البر ومد السقالة واطلع البحرية جميع ما كان فى ذلك المركب إلى البر، وأبطأوا فى تطليعه وأنا واقف أكتب عليهم، فقلت لصاحب المركب هل بقى فى مركبك شيء فقال نعم يا سيدى معى بضائع فى بطن المركب ولكن صاحبها غرق معنا فى البحر فى بعض الجزائر ونحن قادمون فى البحر، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.