فى ذكرى خطاب التنحى.. "الأستاذ" يكشف كواليس الخطاب وردود الأفعال

"لقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدونى عليه: لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أى منصب رسمى وأى دور سياسى، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدى واجبى معها كأى مواطن آخر"، بهذه الكلمات اختار الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، أن يواجه الشعب المصرى بعد نكسة يوم 5 يونيو 1967، مقررا التنحى عن حكم مصر، متحملا أثار تلك الهزيمة الكبرى. ويمر اليوم الذكرى الـ51 على إلقاء الرئيس جمال عبد الناصر، للبيان الذى عرف تاريخيا بخطاب التنحى، فى 9 يونيو من عام 1967، بعد أربعة أيام من الهزيمة. وكما هو معروف أن ذلك الخطاب قام بكتاباته الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، فكيف كانت كواليس الخطاب، وردود فعل المقربين من الزعيم الراحل. بحسب ما يكشفه "الأستاذ" محمد حسنين هيكل فى كتابه "الانفجار 1967" فإن "ناصر" طلب التحدث إليه فى الثامنة والنصف مساء الخميس 8 يونيو 1967، للحديث عن آخر تطورات الأوضاع بعد الهزيمة، ونيته الاستقالة، وتكليفه بكتابة الخطاب الذى اعتبره هيكل "أقسى ما عانى فى حياته". ويبدو أن اليوم كان طويلا فى أحداثه وأوقاته، فبعد أن انتهى هيكل من كتابه الخطاب وفى ساعات الصبح الأولى استقل سيارته فى طريقه إلى منزل الزعيم، فى السابعة إلا الربع، وعندما دخل عرف أن ناصر منذ ساعات فى مكتبه لم يغادره، وعندما دخل عليها وجده يتابع فى التليفون مع المشير عبد الحكيم عامر، آخر تطورات الجنود على الجبهة. اختلاف وتغيير فى الخطاب وشخصية المكلف بمهام رئاسة البلاد كان ناصر، قد أعد ترتيبات تنحيه وتركه لكرسى رئيس الجمهورية، ونيته تتجه إلى تكليف شمس بدران وزير الحربية الأسبق، بمهام رئاسة الجمهورية وتحمل مسئولية البلاد منه بعده، لكن هيكل استوقف ناصر وأوضح بأن "بدران" أحد المسئولين عن الهزيمة، وأنه أصبح ممن لا يتمتعون بثقة الجماهير فى الشارع المصرى، وهنا يبدو أن ناصر اقتنع بحديث هيكل، لكنه عاد وأكد أن اسم شمس بدران تمت الموافقة عليه بعد التشاور مع المشير عامر، واستمر ناصر فى الحديث قبل أن يسأل: إن لم يكن شمس فمن يكون؟ فى تلك اللحظة استفسر هيكل عن أقدم أعضاء مجلس قيادة الثورة، فكان رد عبد الناصر: زكريا محيى الدين، فأبدى هيكل ارتياحه لهذا الشخصية، والتى أكد "ناصر" أنه شخصية صاحبة مميزات كبيرة، وزكى، قبل أن يسترد قائلا المشكلة أنه كيف سيكون رد الفعل عند القوات المسلحة والاتحاد الاشتراكى. العبارة الوحيدة تقريبا التى تم تغييرها فى البيان كان "فإننى على استعداد لتحمل نصيبى من المسئولية" وهنا اعترض ناصر مشيرا إلى أن المسئولية كاملة تقع عليه وحده ولا يوجد مجال لتجزئتها فلم يعترض هيكل وتم تغيير الجملة. غضب سامى شرف وانهيار موظف الرئاسة بعدما تم الاتفاق على البيان طلب ناصر من هيكل الذهاب إلى مبنى مجاور، حيث سامى شرف سكرتير الرئيس، لكتابة الخطاب على آلة وحل طلاسم خط يد "الأستاذ"، وعندما وصل واطلع "شرف" على البيان والجملة التى توضح تنحى عبد الناصر، أصابته حالة من الهيستريا وظل يصرخ بصوت عال: هذا مستحيل، ثم أنه حرام والله حرام، إنها مصيبة لا تقل عن المصيبة العسكرية". فى ذلك الوقت اتصل ناصر بسامى شرف، وما أن وجد سكرتير مكتبه على هذه الحالة، فطلب أن يعطى السماعة لهيكل الذى أكد له أنه سوف يتابع الأمر بنفسه قبل أن يعود إليه. وبعدها أقنع هيكل سامى شرف قام باستدعاء الموظف المسئول عن كتابة الخطاب، واسمه عبد الرحمن سالم، وظل هيكل بجانبه يستوضح الكلمات التى استعصت عليه، وما أن جاءت الكلمة التى أثارت غضب سامى شرف، حتى بدا الحزن على الرجل، وانفعل بالبكاء وتساقطت دموعه على الورق. وهنا عاد سامى شرف إلى غضبه، وقام محاولا التعدى على الموظف قائلا: كيف تطاوعك نفسك على أن تكتب هذا الكلام، وهنا أكمل عبد الرحمن سالم البكاء، وقال إنه لا يستطيع كتابة هذا الكلام، واندفع خارج المكتب. اعتذار هيكل عن البقاء وقت الخطاب ورد فعل زكريا محيى الدين بعدما انتهى هيكل من كتابة البيان بعد محاولات إقناع سامى شرف، عاد إلى ناصر، والذى عرض عليه الذهاب معه إلى القبة كى يحضر إلقاء البيان بنفسه، لكنه اعتذر، مطالبا أن يعفيه الرئيس من ذلك كونه أكثر مما يستطيع احتماله. كانت ردود أفعال خطاب التنحى سريعة، فقد نزلت الجماهير إلى الشوارع تهتف باسم "ناصر" تنادى ببقائه واستمراره على رأس السلطة، وشعراوى جمعة، وزير الداخلية، آنذاك اتصل بهيكل فى مكتبه فى الأهرام وأكد له إنه لن يستطيع السيطرة على هذا الغضب فى الشارع، وأن سامى شرف طلب منه ألا يتم شىء إلا بموافقة الرئيس الجديد فى إشارة لزكريا محيى الدين. الغريب أن الأخير اتصل بهيكل، وكانت دهشته بالغة وكانت أول عبارة صدرت منه هى سؤاله "ما الذى فعلناه به، وهل هذا معقول، وأنه عرف أن مظاهرات الشوارع تهتف ضده وتطالبه بألا يقبل ما كلف به، وإلا فهو أمام الناس خائن. وبعدها اتصل به سامى شرف، طالبا منه بيان اعتذار من زكريا عما كلف به وأنه مستعد لمواصلة دوره فى الخدمة العامة تحت قيادة "ناصر". ردود أفعال الشعب وزعماء العرب خطاب التنحى أدى إلى تفاقم الأوضاع، المظاهرات فى الشوارع تحرق ما فى طريقها، الجنرال الفرنسى ديجول يصرح بأنه يتمنى أن يتمكن الرئيس عبد الناصر بشجاعته من الاستجابة لمشاعر أمته المطالبة له بالبقاء، الرئيس العراقى عبد الرحمن عارف، يتصل ويبكى فى الهاتف قائلا: إننى أناشدك باسم الشعب العراقى وباسم العروبة أن تبقى"، مجلس الأمة يتحصن فى قاعة المجلس ويصدر بيانا يطالب ببقاء الزعيم. ناصر اتصل بهيكل مندهشا وكان سؤاله الوحيد ليه؟، وتوالت الأحداث حتى استجاب ناصر لنداء الوطن والشعب واستمر رئيسا لمصر.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;