نستكمل اليوم، حكاية شهر زاد عن السندباد الحمال من ليالى ألف ليلة وليلة، والتى نقتطف حكاياتها فى سلسلة سحر الحكايات فى رمضان.
وفى الليلة الخامسة والثلاثين بعد الخمسمائة قالت: بلغنى أيها الملك السعيد، أن الريس قال للسندباد البحرى أن صاحب هذه البضائع غرق وصارت بضائعه معنا، فعرضنا أننا نبيعها ونأخذ ثمنها لأجل أن نوصله إلى أهله فى مدينة بغداد دار السلام، فقلت للريس ما يكون اسم ذلك الرجل صاحب البضائع، فقال اسمه السندباد البحرى وقد غرق معنا فى البحر.
فلما سمعت كلامه حققت النظر فيه فعرفته وصرخت عليه صرخة عظيمة وقلت يا ريس أعلم أنى أنا صاحب البضائع التى ذكرتها وأنا السندباد البحرى الذى نزلت من المركب فى الجزيرة مع جملة من نزل من التجار ولما تحركت السمكة التى كنا عليها وصحت أتت علينا طلع من طلع وغرق الباقى وكنت أنا من جملة من غرق ولكن الله تعالى سلمنى ونجانى من الغرق بقطعة كبيرة من القطع التى كان الركاب يغسلون فيها.
فركبتها وصرت أرفس برجلى وساعدنى الريح والموج إلى أن وصلت إلى هذه الجزيرة فطلعت فيها وأعاننى الله تعالى بسياس الملك المهرجان فأخبرته بقصتى فأنعم على وجعلنى كاتباً على ميناء هذه المدينة، فصرت أنتفع بخدمته وصار لى عنده قبول وهذه البضائع التى معك بضائعى ورزقى قال الريس لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ما بقى لأحد أمانة ولا ذمة فقلت له يا ريس ما سبب ذلك وأنك سمعتنى أخبرتك بقصتى فقال الريس لأنك سمعتنى أقول أن معى بضائع صاحبها غرق فتريد أن تأخذها بلا حق وهذا حرام عليك، فإننا رأيناه لما غرق وكان معه جماعة من الركاب كثيرون وما نجا منهم أحد فكيف تدعى أنك أنت صاحب البضائع.
فقلت له يا ريس اسمع قصتى وافهم كلامى يظهر لك صدقى، فإن الكذب سمة المنافقين ثم إنى حكيت للريس جميع ما كان منى من حين خرجت معه من مدينة بغداد إلى أن وصلنا تلك الجزيرة التى غرقنا فيها، وأخبرته ببعض أحوال جرت بينى وبينه، فعند ذلك تحقق الريس والتجار من صدقى فعرفونى وهنأونى بالسلامة، وقالوا جميعاً والله ما كنا نصدق بأنك نجوت من الغرق ولكن رزقك الله عمراً جديداً ثمؤ إنهم أعطونى البضائع فوجدت اسمى مكتوباً عليها ولم ينقص منها شيء، ففتحتها وأخرجت منها شيئاً نفيساً غالى الثمن وحملته معى بحرية المركب وطلعت به إلى الملك على سبيل الهدية، وأعلمت الملك بأن هذا المركب الذى كنت فيه وأخبرته أن بضائعى وصلت إلى بالتمام والكمال وأن هذه الهدية منها.
فتعجب الملك من ذلك الأمر غاية العجب، وظهر له صدقى فى جميع ما قلته وقد أحبنى محبة شديدة وأكرمنى إكراماً زائداً ووهب لى شيئاً كثيراً فى نظير هديتى ثم بعت حمولتى وما كان معى من البضائع وكسبت فيها شيئاً كثيراً واشتريت بضاعة وأسباباً ومتاعاً من تلك المدينة.
ولما أراد تجار المركب السفر، شحنت جميع ما كان معى فى المركب ودخلت عند الملك وشكرته على فضله وإحسانه، ثم استأذنته فى السفر إلى بلادى وأهلى فودعنى وأعطانى شيئاً كثيراً عند سفرى من متاع تلك المدينة فودعته ونزلت المركب وسافرنا بإذن الله تعالى، وخدمنا السعد وساعدتنا المقادير ولم نزل مسافرين ليلاً ونهاراً إلى أن وصلنا بالسلامة إلى مدينة البصرة وطلعنا إليها وأقمنا فيها زمناً قليلاً وقد فرحت بسلامتى وعودتى إلى بلادى.
وبعد ذلك توجهت إلى مدينة بغداد دار السلام ومعى الحمول والمتاع والأسباب شيء كثير له قيمة عظيمة. ثم جئت إلى حارتى ودخلت بيتى وقد جاء جميع أهلى وأصحابى ثم إنى اشتريت لى خدماً وحشماً ومماليك وسرارى وعبيداً حتى صار عندى شيء كثير، واشتريت لى دوراً وأماكن وعقاراً أكثر من الأول.
ثم إنى عاشرت الأصحاب ورافقت الخلان وصرت أكثر مما كنت عليه فى الزمن الأول ونسيت جميع ما كنت قاسيت من التعب والغربة والمشقة وأهوال السفر واشتغلت باللذات والمسرات والمآكل الطيبة والمشارب النفيسة، ولم أزل على هذه الحالة.
وهذا ما كان فى أول سفراتى، وفى غد إن شاء الله تعالى أحكى لكم الثانية من السبع سفرات. ثم إن السندباد البحرى عشى السندباد البرى عنده وأمر له بمائة مثقال ذهباً وقال له آنستنا فى هذا النهار، فشكره الحمال وأخذ معه ما وهبه له وانصرف إلى حال سبيله، وهو متفكر فيما يقع وما يجرى للناس ويتعجب غاية العجب ونام تلك الليلة فى منزله.
ولما أصبح الصباح جاء إلى بيت السندباد البحرى ودخل عنده فرحب به وأكرمه وأجلسه عنده ولما حضر بقية أصحابه قدم لهم الطعام والشراب وقد صفا لهم الوقت وحصل لهم الطرب، فبدأ السندباد البحرى بالكلام وقال اعلموا يا إخوانى أننى كنت فى ألذ عيش وأصفى سرور على ما تقدم ذكره لكم بالأمس. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.