نستكمل اليوم، حكاية شهر زاد عن السندباد البحرى من ليالى ألف ليلة وليلة، والتى ترويها شهرزاد لشهريار، ونقتطف حكاياتها فى سلسلة سحر الحكايات فى رمضان.
وفى الليلة السادسة والثلاثين بعد الخمسمائة قالت: بلغنى أيها الملك السعيد، أن السندباد البحرى لما اجتمع عنده أصحابه قال لهم إنى كنت فى ألذ عيش إلى أن خطر ببالى يوماً من الأيام السفر إلى بلاد الناس واشتاقت نفسى إلى التجارة والتفرج فى البلدان والجزر واكتساب المعاش، فهمت فى ذلك الأمر وأخرجت من مالى شيئاً كثيراً اشتريت به بضائع وأسباباً تصلح للسفر وحزمتها وجئت إلى الساحل فوجدت مركباً مليحاً جديداً، وله قلع قماش مليح وهو كثير الرجال زائد العدة وأنزلت حمولتى فيه أنا وجماعة من التجار وقد سافرنا فى ذلك النهار وطاب لنا السفر ولم نزل من بحر إلى بحر ومن جزيرة إلى جزيرة وكل محل رسونا عليه نقابل التجار وأرباب الدولة والبائعين والمشترين، ونبيع ونشترى ونقايض بالبضائع فيه.
ولم نزل على هذه الحالة إلى أن ألقتنا المقادير على جزيرة كثيرة الأشجار يانعة الأثمار فائحة الأزهار مترنمة الأطيار صافية الأنهار ولكن ليس بها ديار ولا نافخ نار فأرسى بنا الريس على تلك الجزيرة، وقد طلع التجار والركاب إلى تلك الجزيرة، يتفرجون على ما بها من الأشجار والأطيار ويسبحون الله الواحد القهار ويتعجبون من قدرة الملك الجبار.
فعند ذلك طلعت إلى الجزيرة مع جملة من طلع وجلست على عين ماء صاف بين الأشجار وكان معى شيء من المأكل فجلست فى هذا المكان آكل ما قسم الله تعالى لى وقد طاب النسيم بذلك المكان وصفا لى الوقت فأخذتنى سنة من النوم فارتحت فى ذلك المكان وقد استغرقت فى النوم وتلذذت بذلك النسيم الطيب والروائح الزكية ثم إنى قمت فلم أجد أحداً لا من التجار ولا من البحرية فتركونى فى الجزيرة وقد التفت فيها يميناً وشمالاً فلم أجد بها أحدا غيرى، فحصل عندى قهر شديد ما عليه من مزيد وكادت مرارتى تنفقع من شدة ما أنا فيه من الغم والحزن والتعب ولم يكن معى شىء من حطام الدنيا ولا من المأكل ولا من المشرب وصرت وحيداً، وقد تعبت فى نفسى ويئست من الحياة وبعد ذلك قمت على حيلى وتمشيت فى الجزيرة يميناً وشمالاً وصرت لا أستطيع الجلوس فى محل واحد.
ثم إنى صعدت على شجرة عالية وصرت أنظر من فوقها يميناً وشمالاً فلم أر غير سماء وماء وأشجار وأطيار وجزر ورمال، ثم حققت النظر فلاح لى فى الجزيرة شىء أبيض عظيم الخلقة فنزلت من فوق الشجرة وقصدته وصرت أمشى إلى ناحيته، ولم أزل سائراً إلى أن وصلت إليه، وإذا به قبة كبيرة بيضاء شاهقة فى العلو كبيرة الدائرة فدنوت منها ودرت حولها، فلم أجد لها باباً ولم أجد لى قوة ولا حركة فى الصعود عليها من شدة النعومة فعلمت مكان وقوفى ودرت حول القبة أقيس دائرتها فإذا هى خمسون خطوة وافية، فصرت متفكراً فى الحيلة الموصلة إلى دخولها وقد قرب زوال النهار وغروب الشمس.
وإذا بالشمس قد خفيت والجو قد أظلم واحتجبت الشمس عنى، ظننت أنه جاء على الشمس غمامة وكان ذلك فى زمن الصيف فتعجبت ورفعت رأسى وتأملت فى ذلك فرأيت طيراً عظيم الخلقة كبير الجثة عريض الأجنحة طائراً فى الجو وهو الذى غطى عين الشمس وحجبها عن الجزيرة؛ فازددت من ذلك عجباً ثم إنى تذكرت حكاية. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.