نستكمل اليوم، حكاية شهر زاد عن السندباد البحرى من ليالى ألف ليلة وليلة، والتى ترويها شهرزاد لشهريار، ونقتطف حكاياتها فى سلسلة سحر الحكايات فى رمضان.
قالت: بلغنى أيها الملك السعيد، أن السندباد البحرى صار يحكى لأصحابه جميع ما حصل له فى جبل الماس، ويخبرهم أن التجار لا يقدرون على مجىء شىء منه إلا بحيلة مثل الذى ذكره، ثم قال فلما نظرت إلى تلك الذبيحة تذكرت هذه الحكاية قمت وجئت عند الذبيحة فنقيت من هذه الحجارة شيئاً كثيراً وأدخلته فى جيبى وبين ثيابى وصرت أنقى وأدخل فى جيوبى وحزامى وعمامتى وبين حوائجى، فبينما أنا على هذه الحالة وإذا بذبيحة كبيرة فربطت نفسى عليها ونمت على ظهرى وجعلتها على صدرى وأنا قابض عليها فصارت عالية على الأرض، وإذا بنسر نزل على تلك الذبيحة وقبض عليها بمخالبه وأقلع بها إلى الجو وأنا معلق بها ولم يزل طائراً بها إلى أن صعد بها إلى أعلى الجبل وحطها وأراد أن ينهش منها، وإذا بصيحة عظيمة عالية من خلف ذلك النسر وشيء يخبط بالخشب على ذلك الجبل فجفل النسر وطار إلى الجو، ففككت نفسى من الذبيحة وقد تلوثت ثيابى من دمها، ووقفت بجانبها، وإذا بذلك التاجر الذى صاح على النسر تقدم إلى الذبيحة فرآنى واقفاً فلم يكلمنى، وقد فزع منى وارتعب، وأتى الذبيحة وقلبها فلم يجد فيها شيئاً فصاح صيحة عظيمة وقال واخيبتاه، لا حول ولا قوة إلا بالله نعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو يتندم ويخبط كفاً على كف ويقول واحسرتاه أى شيء هذا الحال..
فتقدمت إليه فقال لى: من أنت؟ وما سبب مجيئك إلى هذا المكان؟ فقلت له: لا تخف ولا تخش، فإنى إنسى من خيار الإنس، وكنت تاجراً ولى حكاية عظيمة وقصة غريبة، وسبب وصولى إلى هذا الجبل وهذا الوادى حكاية عجيبة فلا تخف فلك ما يسرك منى، وأنا معى شيء كثير من حجر الألماس فأعطيك منه شيئاً يكفيك، وكل قطعة معى أحسن من كل شيء يأتيك فلا تجزع ولا تخف.
فعند ذلك شكرنى الرجل ودعا لى وتحدث معى وإذا بالتجار سمعوا كلامى مع رفيقهم فجاؤوا إلى وكان كل تاجر رمى ذبيحته فلما قدموا علينا سلموا علينا وهنؤونى بالسلامة وأخذونى معهم، وأعلمتهم بجميع قصتى وما قاسيته فى سفرتى وأخبرتهم بسبب وصولى إلى هذه الوادى، ثم إنى أعطيت لصاحب الذبيحة التى تعلقت فيها شيئاً كثيراً مما كان معى ففرح بى جداً فما أحد وصل إلى هذا المكان قبلك ونجا منه ولكن الحمد لله على سلامتى ونجاتى من وادى الحيات ووصولى إلى بلاد العمار.
ولما طلع النهار قمنا وسرنا على ذلك الجبل العظيم وصرنا ننظر فى ذلك الجبل حيات كثيرة، ولم نزل سائرين إلى أن أتينا بستاناً فى جزيرة عظيمة مليحة وفيها شجر الكافور وكل شجرة منها يستظل تحتها إنسان، وإذا أراد أن يأخذ منه أحد يثقب من أعلى الشجرة ثقباً بشىء طويل ويتلقى ما ينزل منه فيسيل منه ماء الكافور ويعقد مثل الشمع وهو عسل ذلك الشجر وبعد ذلك تيبس الشجرة وتصير حطباً.
وفى تلك الجزيرة صنف من الوحوش يقال له الكركدن يرعى فيها رعياً مثل ما يرعى البقر والجاموس فى بلادنا ولكن جسم ذلك الوحش أكبر من جسم الجمل ويأكل العلق وهو دابة عظيمة لها قرن واحد غليظ فى وسط رأسها طوله قدر عشرة أذرع وفيه صورة إنسان وفى تلك الجزيرة شيء من صنف البقر.
وقد قال لنا البحريون المسافرون وأهل السياحة فى الجبال والأراضى أن هذا الوحش المسمى بالكركدن يحمل الفيل الكبيرعلى قرنه ويرعى به فى الجزيرة والسواحل ولا يشعر به ويموت الفيل على قرنه ويسيح دهنه من حر الشمس على رأسه ويدخل فى عينيه فيعمى فيرقد فى جانب السواحل فيجيء له طير الريخ، فيحمله فى مخالبه ويروح به عند أولاده ويزقهم به وبما على قرنه، وقد رأيت فى تلك الجزيرة شيئاً كثيراً من صنف الجاموس ليس له عندنا نظير، وفى تلك الوادى شيء كثير من حجر ألماس الذى حملته معى وخبأته فى جيبى وقايضونى عليه ببضائع ومتاع من عندهم وحملوها لى عهم وأعطونى دراهم ودنانير ولم أزل سائراً معهم وأنا أتفرج على بلاد الناس وعلى ما خلق الله من واد إلى واد ومن مدينة إلى مدينة، ونحن نبيع ونشترى إلى أن وصلنا إلى مدينة البصرة وأقمنا بها أياماً قلائل ثم جئت إلى مدينة بغداد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.